نظام أميركي جديد بعد 11 سبتمبر
باريس ـ وليد عباس
تنوعت العناوين الرئيسية في الصحف الفرنسية الصادرة اليوم، وإن ركزت أغلبيتها علىعالم ما بعد 11سبتمبر, وتطورات التحقيق مع ريتشار ريد، وشبهات ارتباطه بشبكة إسلامية، وبرزت الأزمة الهندية الباكستانية على الصفحات الأولى لبعض الصحف، بينما تساءلت صحف أخرى في عناوينها الرئيسية عن نوايا شارون بعد غلطة بيت لحم، وبالإضافة لذلك ركزت صحف أخرى في عناوينها الرئيسية على تدهور الأحوال المناخية في أوروبا.
انتحاري تحت التدريب
هذا ما قالته صحيفة ليبراسيون في عنوانها الرئيسي، بينما قالت صحيفة لوموند "رحلة باريس ـ ميامي: أسرار الانتحاري"، وأشارت الصحيفتان إلى أن المحققين الأميركيين يرون أن ريتشارد ريد، استفاد من مساعدة أو دعم من شبكة إرهابية لتركيب القنبلة التي كان يحملها في حذائه، نظرا لأن ذلك يبدو أمرا معقدا بالنسبة لإمكانياته، وركزت الصحيفتان على أنه كان يتردد على مسجد بريكستون، حيث يمكن أن يكون قد التقى بزكريا موسوي الذي كان يتردد على المسجد ذاته. ورأى جيرار دبوي في افتتاحية في صحيفة ليبراسيون أن فشل ريد، وعدم تمتعه بالخبرة الكافية لا يقلل من خطر وجود إرهابيين في البلدان الأوروبية لديهم الأفكار والدوافع التي كانت لدى هؤلاء الذين نفذوا اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول الماضي، ولاحظ الكاتب أن السجون في بلدان مثل بريطانيا أو فرنسا هي أحد أماكن الدعاية والتجنيد الهامة في صفوف المسلمين المقيمين في أوروبا، وأن هؤلاء الإسلاميين الجدد مثل موسوي وريد يرفضون الإسلام التقليدي الذي تتم ممارسته في المساجد الأوروبية لصالح إسلام راديكالي، وركزت الافتتاحية على أنه تم استخدام ريد كقطعة شطرنج.. متسائلة عن سبب إرساله، وعما إذا كان بسبب نقص في (الأيدي العاملة)، أم أن هدف عمليته كان مجرد إجراء تجربة ودراسة نتائجها؟.
وأشارت كافة الصحف الفرنسية إلى كلمة أسامة بن لادن في شريط الفيديو الجديد الذي بثت قناة الجزيرة مقاطع منه، وإلى شكوك البيت الأبيض بشأن صحة هذا الشريط الجديد وتاريخ تسجيله.
ماذا بعد 11 سبتمبر؟
” إن شخص وأفكار بن لادن مرفوضة بالنسبة لي، وغريبة عن ثقافتي، وإسلامه ليس إسلامي أو إسلام أبي أو إسلام جدي ”
|
طرحت بعض الصحف الفرنسية هذا السؤال في إطار ملفات أو أحاديث، بأشكال مختلفة، حيث عقدت صحيفة ليبراسيون طاولة مستديرة حول "المثقفين العرب بعد 11 سبتمبر/ أيلول" شارك فيها أستاذ العلوم السياسية اللبناني جوزيف بهوت، والشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، والناشر السوري فاروق مردم بيك الذي أجاب على سؤال حول موقف المثقفين العرب قائلا "المثقفون العرب المستقلون يعيشون منذ سنوات بين مطرقة السلطة وسندان الإسلاميين"… "إن شخص وأفكار بن لادن مرفوضة بالنسبة لي، وغريبة عن ثقافتي، وإسلامه ليس إسلامي أو إسلام أبي أو إسلام جدي"، وأشار جوزيف بهوت إلى أن "هؤلاء المثقفين عبروا عن رأيهم، إلا أن الأصوات المسموعة حاليا في العالم العربي، هي الأصوات التي تعبر عن رأي الشارع، الذي يهيمن عليه الإسلاميون"… "علينا، نحن المثقفين أن نفكر في الأسباب التي أدت لأن يخلق عالمنا العربي رموزا لمواجهة الغرب مثل صدام حسين وبن لادن، ولماذا لم نتمكن من مواجهة الآخر.. الغرب إلا من خلال نقيض كلي"، بينما أوضح عبد الطيف اللعبي "إن الفارق بين المثقفين الغربيين ونحن، هو أننا نعيش على فوهة بركان، فكيف نستطيع التفكير ونحن نعيش زلزالا مستمرا".
” كان من الممكن أن تستمر عمليات انتهاك حقوق الإنسان والمرأة في أفغانستان بعد 11 سبتمبر، بموافقة الأميركيين، بعد ذلك التاريخ لو قبل نظام الطالبان تسليم بن لادن ”
|
ونشرت صحيفة لوموند وجهة نظر تحت عنوان "نظام أميركي جديد ؟" كتبها إرفي بورج الرئيس السابق للسلطة العليا لأدوات الإعلام المرئي والمسموع في فرنسا ومحمود حسين، (وهو اسم مستعار يستخدمه كاتبين مصريين يعيشان في باريس عندما يشتركا معا في الكتابة)، ردا على الفيلسوف الفرنسي برنار هنري ليفي الذي أبدى حماسه لما حدث في أفغانستان، وتفاؤله في المستقبل مع الحملة الأميركية ضد الإرهاب، وركز كتاب المقال الثلاثة على أن "جورج بوش لم يتدخل في أفغانستان لمساعدة هذا الشعب على الانتصار في (حربه التحريرية)، ذلك أن البيت الأبيض لم يعترض، حتى 11 سبتمبر/ أيلول، على وجود نظام الطالبان المتخلف والدموي، وأجرى مفاوضات سلمية مع هذا النظام لكي يسلمه بن لادن، وكان من الممكن أن تستمر عمليات انتهاك حقوق الإنسان والمرأة في أفغانستان، بموافقة الأميركيين، بعد ذلك التاريخ لو قبل نظام الطالبان تسليم بن لادن"، واعتبر المقال أن جورج بوش صمم على أن يخوض حربه بمفرده، وأن يحدد أبعادها وتفاصيلها في إطار المصالح الأميركية، وبعيدا عن بقية العالم، بينما "تتطلب مواجهة الإرهاب، تضامنا عالميا. ولكن هذه الفرصة ضاعت، ودفنها جورج بوش، عندما اختار التأكيد، بشكل منفرد، على التفوق والهيمنة الأميركية".
في هذا الإطار، اختارت صحيفة لومانيتي تناول الأمر من زاوية القانون الدولي، عبر حديث مطول مع روبير شارفان أستاذ القانون الدولي في جامعة نيس، الذي أعرب عن اعتقاده في أن "القانون الدولي مريض، وبالرغم من أن القوى العظمى زودته بالأدوات اللازمة في البداية، إلا أنها عادت لإسكات صوته بعد 11 سبتمبر/ أيلول، ويواجه العالم اليوم عدة أسئلة حول أثر الإرهاب على العلاقات الدولية؟ والدور الذي ينبغي أن تلعبه الأمم المتحدة؟. وهل يمكن للجمعية العامة أن تتمتع بوزن أكثر أهمية من مجلس الأمن؟. وهل تتمتع المحاكم الاستثنائية، التي يريد بوش إقامتها، بأي وزن قانوني؟".
” فليهتم كل منكم بعقيدته وإيمانه وهذه هي القضية الرئيسية، سواء في عهد المسيح، أو في عهدنا الراهن بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول ”
|
أجرت صحيفة الفيجارو أحاديث مع ثلاثة من رجال الدين المسيحي واليهودي، حول مبادئهم وآرائهم في الحرية وما هو مقدس والقانون، بعد ما حدث في 11 سبتمبر/ أيلول، ونشرت الصحيفة اليوم، أول حديث مع الأسقف ميشيل دوبوس، الذي أبدى دهشته من سؤال حول تأثير ما حدث على القيم الدينية والإيمان، وقال معلقا على الرؤية الغربية للأمور "يرى البعض أن الرب لم يقم بدوره، ويصفه آخرون بالمجرم، ويفضل الكثيرون عدم وجود رب لعالم يشهد هذه الجرائم. وحقيقة الأمر أن كلا منا يصنع مثالا متفقا مع مبادئه السياسية، بينما يروي الإنجيل قصة حادث انهيار برج ومصرع عدة أشخاص، وعندما وجه الناس السؤال للسيد المسيح عن الخاطئ، الذي أدت خطيئته لوقوع هذه الكارثة، أجابهم قائلا: فليهتم كل منكم بعقيدته وإيمانه. وهذه هي القضية الرئيسية، سواء في عهد المسيح، أو في عهدنا الراهن بعد اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول".
فرمان بيت لحم
تحت هذا العنوان أشار مقال في باب الآراء في صحيفة ليبراسيون، إلى أن ياسر عرفات سارع فور عودته إلى الأراضي الفلسطينية عام 1995 للمشاركة في قداس منتصف الليل في عيد الميلاد، مما شكل إشارة قوية إلى الطابع متعدد الثقافات للتاريخ والشعب الفلسطيني، ومنذ ذلك الحين استمر الرئيس الفلسطيني في التأكيد على هذا المعنى من خلال عدة إجراءات رمزية وسياسية، وهي رسائل مفهومة جيدا في الخارج، على العكس من الدولة العبرية التي رفضت دوما صفة التعددية والعالمية للمدن والأماكن المقدسة في فلسطين، لذلك يمكننا أن نتخيل أن شارون رأى في هدنة
” أدت مذبحة صبرا وشاتيلا إلى انقلاب الرأي العام الغربي، بعد أن كان مترددا، وبعد 19 عاما، ارتكب شارون الخطأ ذاته بمنع عرفات من المشاركة في قداس عيد الميلاد في بيت لحم ”
|
عيد الميلاد -التي تحترمها كافة بلدان العالم- تهديدا لأمن إسرائيل، وقرار منع عرفات إنما هو إنكار ورفض للتعددية الدينية للشعب الفلسطيني، وخاطر شارون، عندما اتخذ قراره، بأن يكشف نواياه للجميع، التي تبدو واضحة في إستراتيجيته منذ سبتمبر/ أيلول 2000 الهادفة لتحويل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى صراع ديني، ولكن الأسقف ميشيل صباح، عندما توجه إلى المقعد الخالي، وبالتالي إلى سجين الجيش الإسرائيلي قال له "إنك بيننا الليلة، أكثر من أي وقت مضى".
وعلقت صحيفة فرانس سوار على الأمر بأن قانون الأقوى أصبح السياسة الوحيدة لإسرائيل، وقالت الصحيفة في تعليق خاص "أدت مذبحة صبرا وشاتيلا إلى انقلاب الرأي العام الغربي، بعد أن كان مترددا، وبعد 19 عاما، ارتكب شارون الخطأ ذاته بمنع عرفات من المشاركة في قداس عيد الميلاد في بيت لحم، ذلك إن مشهد المقعد الخالي، كان أقوى وأكبر رمز من أي مشهد آخر.