الساحر مارادونا.. حكاية المجد والسقوط

عاش حكاية من الإخفاقات والنجاحات ألهمت كثيرين وأثارت حفيظة آخرين لكنها بالتأكيد تستحق التأمل

يا مارادونا ، ماذا فعلت بالساعة؟ ماذا صنعت بالمواعيد؟"

ماذا نفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله في الأرجنتين؟"

"مع منْ سنسهر، بعدما اعتدنا أن نعلّق طمأنينة القلب، وخوفه، على قدميه المعجزتين؟ وإلى منْ نأنس ونتحمّس بعدما أدمناه شهراً تحوّلنا خلاله من مشاهدين إلى عشّاق؟"

بهذه الكلمات وأكثر أبَن الشاعر الفلسطيني محمود درويش بطله المنشود مارادونا قبل خمسة وثلاثين عاما عندما عاد حاملًا كأس العالم لعام 1986، وكأنه رأى عام 2020 وهو يودع هذه الأسطورة الكروية بشكل جنائزي حزين.

العلامة الفارقة، الراقص والساحر، صاحب القبضة الذهبية التي قضت على أحلام الإنجليز في البقاء في كأس العالم، الأسطورة دييغو أرماندو مارادونا الذي ولد ونشأ على الهامش في أشد أحياء العاصمة الأرجنتينية فقرًا وعوزًا، وغزا العالم بعبقريته الكروية الاستثنائية، بإدمانه وصخبه وجنونه، بعلاقاته المثيرة للجدل، ليصبح مادة دسمة للحديث والحوار.

إنه مارادونا اللاعب الذي سعى وراء شغفه وأحلامه، يقفز نحوها، ويحققها بخفة غزالة، أحرز العديد من الألقاب المحلية والعالمية متنقلًا بين الأندية المحلية والأوروبية في إسبانيا وإيطاليا، فقد كان رمزًا محليًا وأضحى بطلًا عالميًَا بعدما حصد البطولات والجوائز وحقق أرقامًا قياسية وأعطى للساحرة المستديرة لونًا وطعمًأ آخر.

جدليًا كان بامتياز، فقد أثار الجدل وأبهر العالم داخل المستطيل الأخضر وخارجه بطبيعة الحال، فقد كان حديث الصحافة وصيدًا ثمينًا لصحافة الشائعات والصحف الرياضية، بحكاية إدمانه وابعاده عن الملاعب رسميًا، وعودته المتكررة لمعاقرة المخدرات وإدمانه الطويل على الكحوليات، تلك الحياة التي أخذت طابعًا سينمائيًا بعلاقاته المتعددة وأطفاله الذي اعترف بهم واحدًا تلو الآخر تحت وطأة القضايا، وعيون الصحافة. لم يكن مارادونا يجيد التصرف كشخصية عامة يسعى لاحتواء الجميع فقد انحاز  لبعض أنظمة الحكم في أمريكا اللاتينية، وربطته علاقة قوية بالزعيم الكوبي فيديل كاسترو والرئيس الفنزويلي الراحل، وانحاز بوضوح لحقوق الشعب الفلسطيني.

غابت هذه الأسطورة الجدلية مخلفة إرثًا من الأهداف والقصص والحكايات التي ما زال العالم يلهج بها، أفلت شمس دييغو ولكنها قد أنارت طريق الحالمين والمعدمين، عاش حكاية من الإخفاقات والنجاحات ألهمت كثيرين وأثارت حفيظة آخرين لكنها بالتأكيد تستحق التأمل.

المصدر : الجزيرة