عن البودكاست.. بين الحاجات والفوائد

ما عليك سوى أن تضع السماعات في أذنيك والاستماع لكل أنواع الحكايا

عالم لا يتوقف.. مسؤوليات لا تنتهي

في عالم تكنولوجي متسارع، متطور لا يتوقف، ينقل فلسفة الراحة من مكان إلى آخر بضغطة على لوحة مضيئة، تمتلئ بالخيارات، يجعلك تنهي أعقد المسائل واصعبها، تدير محرك سيارتك من منزلك، تسيطر على الإنارة، تتحكم بحجم التكييف. اختلف شكل المتعة من الجلوس بجانب الراديو وانتظار كوكب الشرق لتغني، إلى مشاهدة أهم الحفلات العالمية ببث مباشر من هاتفك، قد لا تملك الوقت الكافي لقراءة كتاب، أو الاهتمام بموضوع ما، أو مشاهدة قصة أو قضية تتفاعل معها.. يتحكم بك إيقاع الحياة، ينهب أوقاتك بالمسؤوليات التي لاتنتهي، والأعمال المتراكمة عليك.

تظهر وسيلة رقمية جديدة، شكل إعلامي بديل، يعتمد في شكله الحداثة والسرعة وفلسفة الراحة الجديدة، لكن مضمونه مختلف تمامًا، فيه كل ما تريد من عصارة التجارب والقصص الملهمة، والبرامج التي تناقش كل شيء، نعم يا عزيزي، كل شيء، وسيلة إعلامية صوتية، أطلق عليها البودكاست، تتعدد منصاته، مواضعاته، سرديته الجديدة المرتبطة شكلًا ومضمونًا بالعالم الجديد.
تستمع له بالمكان والزمان الذي تريد، تقوم بالأعمال المترتبة عليك أثناء الاستماع.. تستلهم تجارب الآخرين، تتعلم شيئًا جديدًا من حواراتهم، تستمع إلى قصص تحفز خيالك، وتغذي مخيلتك.

هجرة عكسية من الشاشات إلى المنصات الصوتية

لا تقتصر أضرار الشاشات على العيون فحسب، بل تجعل نومك غير مريحًا، وتؤثر على مهاراتك اللغوية والإبداعية حسب دراسة علمية أجرتها جامعة هارفارد، فالنوم العميق مفتاح نمو دماغك، بل مفتاح يومك لتمارس نشاطاتك على أكمل وجه؛ فهذه الشاشات تقلل من إفراز هرمون الميلاتونين الذي يجعل نومك هانئًا.

ولنعزز هذه الرواية يظهر تقرير لمعهد رويترز بعنوان "Digital News Report 2018" ، أن هنالك هجرة ضخمة من الشاشات إلى المنصات الصوتية نظرًا لجودة المحتوى، وسهولة الوصول الذي يعتمد الهواتف الذكية وسيلة، وتكنولوجيا إنترنت الأشياء، وما نتج عنها من سماعات ناطقة أو أجهزة مثل جوجل هوم، ستجعل في السنوات القادمة المحتوى الصوتي الوجهة الأولى، خصوصًا بعد دخول شركات ضخمة إلى عالم صناعة البودكاست، وانتشار تطبيقات الأخبار على هذه المنصات.

قصص ممتعة

ذات صباح من العام الماضي دخل  العالم حجرًا طويلًا بسبب الجائحة التي ألمت به، وقفت البشرية عاجزة مرتبكة أمام هذا الفيروس الذي فتك بالملايين، لا تعرف القادم، ولا تجد دليلًا مكتوبًا للتعامل مع ما يحدث، اعتمدت التجريب وسيلة لمقاومته، نجحت وأخفقت، تراكمت الأزمات النفسية، الاقتصادية والاجتماعية، اختلف شكل العمل، والتواصل، باختصار قلب حياة الإنسان رأسًا على عقب.

تزيد الاعتمادية على التكنولوجيا في كل شيء، التواصل العمل، الإعلام.. لكن بقيت حاجة ملحة هنا.. حاجة هذا المخلوق الاجتماعي لسماع الحكايات.. أو سردها، ومواجهة عبثية هذا الوباء بالخيال أو بمشاركة تجاربه في ظل الحجر، فالخبر قصة، وجلوسك في المنزل قصة، وتجربتك في الحجر قصة أيضًا، كل ما نمر به أو نسمع به هو قصة لها أبطالها وحبكتها، وما يميزنا عن بقية المخلوقات، قدرتنا على الخيال، ورواية القصص، وخلق واقع موازِ.

تغير شكل السرد، تعددت الوسائل، من الكتاب إلى الشاشة، الصحف والراديو، منصات التواصل الاجتماعي التي اجتاحت الدنيا على اختلاف خصائصها، يأتي البودكاست، بمضمون لا يختلف كثيرًا، بذات الجدوى التي نحتاج، سماع قصص نغذي بها الروح نواجه القادم المجهول، ونفهم ما يدور حولنا.

استطاع البودكاست أن يفرض نفسه رقمًا صعبًا في عالم الإعلام البديل، أن يستقل بشكله وقوالبه، وطريقة طرحه، فالبودكاست وصنّاعه، يؤمنون بقوة السرد القصصي حتى وإن استند على حقائق وأرقام، وهذا أحد أسباب تميزه، وفق تقرير لمجلة "فوربس"، استمَع نحو 100 مليون شخص إلى حلقة بودكاست كل شهر في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 125 مليونًا في عام 2022.

تقدم شبكة الجزيرة، تجربة مميزة وغنية في عالم البودكاست، كانت وما زالت سبّاقة فيها إلى مواكبة التطور السريع في عالم صناعة البودكاست، باحترافية السرد، وتنوع برامجها، فإذا تصفحت الجزيرة بودكاست على المنصة الصوتية التي تستخدمها، تجد مئات النتائج لحلقات، التي تتناول كل شيء، من التاريخ إلى السياسة إلى الاجتماع والاقتصاد، قالب حديث في نراعي فيه معاييرنا المهنية، وأذواق جمهورنا، ما عليك سوى أن تضع السماعات في أذنيك والاستماع لكل أنواع الحكايا..

لا تنسَ الاشتراك ليصلك كل جديد من الجزيرة بودكاست.

المصدر : الجزيرة