كوسوفو وسيناريو المرحلة المقبلة

كوسوفو وسيناريو المرحلة المقبلة


سمير حسن

مناورات صربيا والبديل الأميركي الأوروبي
خطة أهتساري والسيناريو المتفائل
حرب أم توتر؟
البعد الإقليمي وحمى الاستقلال

تؤكد جميع المؤشرات أن كل ما يتعلق باستقلال كوسوفو يسير وفق الجدول الزمني المحدد له، فمهلة الشهور الأربعة التي طلبتها روسيا من مجلس الأمن لاستئناف المفاوضات انتهت في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري بالفشل.

ثم اتفقت دول الاتحاد الأوروبي في اجتماعها في الرابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الحالي على إرسال بعثة مدنية وأمنية إلى كوسوفو.

وإن كانت معظم وسائل الإعلام قالت إن دول الاتحاد فشلت في اتخاذ موقف موحد من استقلال كوسوفو على الرغم من أن ذلك كان متوقعا, إذ لم يكن هدف الاتحاد الأوروبي البحث عن موقف موحد في ظل اطلاعه على المواقف المسبقة لبعض الدول من استقلال كوسوفو مثل قبرص، بل كان هدفه الاتفاق على إرسال البعثة الأمنية والمدنية إلى كوسوفو.

ثم جاء اجتماع مجلس الأمن في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الحالي الذي عرض فيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقرير الترويكا (الأوروبية الروسية الأميركية) بشأن مفاوضات الصرب والألبان، والذي خلص إلى أن المفاوضات لم تسفر عن أي اتفاق.

مناورات صربيا والبديل الأميركي الأوروبي
هنا يتوقع المحللون أن تنتهج موسكو وبلغراد نفس السياسة الرامية إلى إيجاد أفكار جديدة بهدف استئناف المفاوضات، حسب ما صرح به وزير ملف كوسوفو في الحكومة الصربية سلوبودان سمرجيتش.

كما تواصل صربيا مناوراتها السياسية التي تتمثل في التحذير من أن استقلال كوسوفو سيشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي ويزعزع استقرار المنطقة.

غير أن هذه المناورات تتخذ أبعادا أخرى غير تصريحات المسؤولين، منها مقاطعة الانتخابات البرلمانية والبلدية التي جرت في السابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي لأن الصرب أقلية في البرلمان, ولكن في البلديات التي تسكنها أغلبية صربية لن يتضرروا من مقاطعة الانتخابات البلدية على أساس أنهم يشكلون مؤسسات متوازية على صعيد الصحة والتعليم في هذه البلديات.

"
هناك اتجاه لمنح كوسوفو استقلالا تحت إشراف دولي بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وربما يكون ذلك بعيدا عن مجلس الأمن لتجنب تهديد روسيا باستخدام حق النقض
"

وإذا كانت لديهم هذه المؤسسات فلماذا لا تكون لهم بلديات خاصة بهم يحكمونها بأنفسهم، وهو ما يبدو ورقة مستقبلية بديلة للصرب مفادها انفصال المناطق الواقعة شمال نهر أيبار (شمال كوسوفو)، الأمر الذي يرفضه الألبان على جميع المستويات السياسية والشعبية.

أما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فسيطرحان خطة مارتي أهتساري المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة كحل نزيه ومناسب لتحديد مصير كوسوفو خاصة, حيث قال المندوب الأميركي فرانك ويزنر فور إعلان فشل المفاوضات "إن خطة أهتساري باقية على قيد الحياة ولم تمت".

كما أكد المفوض الأوروبي السابق للشؤون الخارجية كريس باتن أنه لا يوجد بديل لخطة أهتساري, والأقوى من ذلك أن الاتحاد الأوروبي أعرب عن استعداده لتحمل مسؤولية دعم خطة أهتساري على صعيد ضمان تطبيق مبدأ سيادة القانون وقيادة المكتب المدني الدولي في كوسوفو.

وبات واضحا أن هناك اتجاها لمنح كوسوفو استقلالا تحت إشراف دولي بدعم من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وربما يكون ذلك بعيدا عن مجلس الأمن لتجنب تهديد روسيا باستخدام حق النقض (فيتو) من أجل احتفاظ حليفها صربيا بسيادته على كوسوفو, لكن هل تسكت روسيا على ذلك؟ وهل سيقبل مجلس الأمن بأن يرسل الاتحاد الأوروبي بعثته الأمنية والمدنية بدون غطاء قانوني يتمثل في قرار منه؟

ربما تعتبر الإجابة على هذا السؤال أعقد ما في السيناريو المتوقع لكوسوفو في المرحلة المقبلة, وفق قراءة دقيقة في المطروح والمتاح بعد إصرار الألبان على عدم مواصلة المفاوضات لأنها من وجهة نظرهم عديمة الفائدة.

كما أن الاتحاد الأوروبي أصبح لديه إدراك أفضل لمسؤولياته تجاه ما يحدث في مناطق الأزمات الأوروبية، خاصة أن كوسوفو وبعض دول غرب البلقان (البوسنة) أصبحت مهددة بزعزعة الاستقرار فيها وأن المزيد من التأخير في تحديد مصير كوسوفو قد يعود بالمنطقة مرة أخرى إلى زمن الحرب.

خطة أهتساري والسيناريو المتفائل
ولذلك فإن دول مجموعة الاتصال الدولية (فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة) ستتجاهل معارضة روسيا (عضو في مجموعة الاتصال الدولية) وصربيا لفشل المفاوضات، وستبدأ في تطبيق خطة أهتساري لنقل كوسوفو سلميا إلى مرحلة الاستقلال المشروط التي نصنت عليها الخطة.

وكانت هذه الخطة طرحت مطلع العام الجاري ولم تشر صراحة إلى استقلال إقليم كوسوفو، لكنها أوضحت أن من حق الإقليم أن يكون له دستور ونشيد وطني وأن يخضع في مدة 120 يوما لإشراف دولي.

وقد حظيت الخطة آنذاك بتأييد أميركي وبعض دول الاتحاد الأوروبي ورفضتها صربيا وقبلها الألبان وحالت روسيا دون التصويت عليها في مجلس الأمن باقتراح إرسال لجنة تقصي حقائق إلى كوسوفو من سفراء الدول الأعضاء في المجلس، وبعد عودة اللجنة قرر مجلس الأمن تمديد المفاوضات لمدة أربعة أشهر انتهت في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

وتشير توقعات مصادر دبلوماسية وسياسية مطلعة إلى أنه في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الحالي سيواصل كوسوقو جهوده لتشكيل البرلمان الجديد الذي سيفرز حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ومن ثم تهيئة المؤسسات التي ستقود عملية الاستقلال.

"
سيناريو الاستقلال المتفائل لا يخلو من مخاوف من إثارة التوتر وربما الصراع المسلح في كوسوفو خاصة في المناطق التي يوجد فيها ألبان, لكن استعداد قادة حلف شمال الأطلسي للتدخل من أجل القضاء على بؤر التوتر يجعل سيناريو الحرب يتلاشى 
"

وربما في يناير/ كانون الثاني أو فبراير/ شباط 2008 سيدعو برلمان كوسوفو الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لفتح المكتب المدني الدولي في كوسوفو.

وإذا لم ترغب روسيا في الشراكة، فإن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة سيبدؤون في التشاور في إطار مجموعة الاتصال الدولية بشأن الإجراءات الخاصة بالمكتب المدني الدولي للاتفاق حول إذا ما كانت البعثة الحالية للأمم المتحدة في كوسوفو ستتولى هذه المهمة تحت مسمى جديد أم أن هناك ترتيبات أخرى.

قيادة كوسوفو ستعمل مع مندوبي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للسعي لاستيعاب البلديات الصربية وتحويل بعض الجيوب التي يعيش فيها الصرب ولم تتضمنها خطة أهتساري مثل جراتشانيتسا ورانيلوج إلى بلديات.

قوات الناتو المعروفة باسم "كي فور" وشرطة الأمم المتحدة وشرطة كوسوفو يعدون خطة أمنية محكمة تكون جاهزة للسيطرة على أي محاولة لزعزعة الاستقرار وحماية الصرب والألبان خاصة في شمال كوسوفو.

وسيعمل الاتحاد الأوروبي أثناء المدة الانتقالية (أربعة أشهر) التي نصت عليها خطة أهتساري على تفعيل بعثة سيادة القانون وأيضا المندوب السامي الأوروبي الذي من المفروض أن يتولى رئاسة المكتب المدني الدولي.

في حين سيسعى حلف شمال الأطلسي لتشكيل وإعداد وتجهيز قوات أمن كوسوفو لتولي مسؤولية الأمن في الدولة التي ستعلن استقلالها بحلول شهر مايو/ أيار أو يونيو/ حزيران 2008 وتبدأ دول مجموعة الاتصال الدولية في الاعتراف بها.

ولا يخلو هذا السيناريو المتفائل من مخاوف من إثارة التوتر وربما الصراع المسلح في كوسوفو وخاصة في المناطق التي يوجد فيها ألبان وصرب مثل كوسوفوسكا ميتروفيتسا شمالي كوسوفو، وتعرض الصرب الذين يسكنون في جيوب داخل المدن الألبانية كما هو الحال في بيتش وبريشتينا وغيرهما لمضايقات.

ولا شك أن حلف شمال الأطلسي من خلال قواته التي يطلق عليها "كي فور"، يراقب تطورات الوضع في كوسوفو ومستعد لأي جديد حسب قادة الحلف.

حرب أم توتر؟
لكن الخطر لا يزال قائما من اشتباكات مسلحة هنا وهناك خاصة إذا شعر معظم الصرب الذين يرون في كوسوفو جوهرا ثقافيا وتاريخيا بالنسبة لهم أن الإقليم سيصبح دولة مستقلة للألبان, وهنا قد يبرز دور جماعة "حرس الملك لازار" التي تتوعد من صربيا ومناطق الصرب في شمال كوسوفو بشن حرب موسعة ضد الألبان إذا ما استقل الإقليم.

ويقول قائد جماعة "حرس الملك لازار" حاجي أنريا ميليتش إن "معركة كوسوفو الجديدة ستكون قصيرة وسريعة، نحن مستعدون لكننا لن نرد على الاستفزازات الصغيرة وعندما نبدأ لن يبقى حجر على حجر".

وجماعة "حرس الملك لازار" كانت قد كشفت مشروعها بإعادة كوسوفو إلى السيطرة الصربية في مايو/ أيار الماضي، مؤكدة أن ليس لها علاقة بالحكومة الصربية وأنها تحظى بدعم من متطوعين روس. لكن إدارة الأمم المتحدة في كوسوفو اعتبرتها جماعة إرهابية.

و"لازار" هو الملك الذي قاد الصرب لمواجهة الجيش العثماني بقيادة السلطان مراد الأول، لكنه قتل في معركة كوسوفو الشهيرة عام 1389م.

وفي الجهة المقابلة تبرز مليشيا ألبانية مسلحة تطلق على نفسها الجيش القومي الألباني وقد بدأت عناصرها بالقيام بما يصفونها بدوريات الحراسة في شمال كوسوفو للدفاع عن الإقليم حتى يستقل، وهي تعتبر "حرس الملك لازار" عدوها اللدود.

والجيش القومي الألباني يتكون من عناصر انشقوا عن مليشيا جيش تحرير كوسوفو بعد انتهاء الحرب في الإقليم عام 1999.

وليس بعيدا عن ذلك فإن المخاوف لا تزال تطل برأسها على المستوى الإقليمي ليس فقط بسبب تأخير تحديد مصير كوسوفو بل أيضا وفي حالة إعلان الألبان الاستقلال.

البعد الإقليمي وحمى الاستقلال

"
بعد استقلال الجبل الأسود عن صربيا قبل عام ونصف فإن استقلال كوسوفو إذا تم سيكون نتاج محاولات ألبانية استمرت أكثر من مائة سنة، لكنها دون شك ستؤكد نهاية حلم صربيا الكبرى التي طالما راهن سلوبودان ميلوسوفيتش على وجودها
"

ويلوح صرب البوسنة بالانفصال عن البوسنة كرد على استقلال كوسوفو، وهو ما يروج له رئيس وزراء صرب البوسنة ميلوراد دوديك حتى قبل وصوله إلى السلطة مدعوما من رئيس وزراء صربيا فويسلاف كوشتونيتسا.

مقدونيا أيضا التي يشكل الألبان ربع سكانها والذين يتمركزون في الشمال الغربي، قد تواجه أزمة مماثلة كالتي حصلت بين عامي 2000 و2001 مع جيش التحرير الوطني الذي خاض صراعا مسلحا ضد الجيش المقدوني للمطالبة بحقوق الألبان في مقدونيا، وما زالت عناصر هذا الجيش تتحرك بحرية بين كوسوفو ومقدونيا.

وهو نفس السيناريو الذي ربما يحدث أيضا في جمهورية الجبل الأسود حيث يشكل الألبان أكثر من 10% من سكانها.

خوف بلغراد من استقلال كوسوفو ينبع أيضا من أن ذلك سيحفز الألبان في جنوب صربيا على المطالبة بمزيد من حقوقهم السياسية واستخدام اللغة الألبانية في ظل ما تعانيه مناطقهم من إهمال السلطات الصربية، والمطالبة أيضا بلامركزية السلطة في مناطقهم كما تطالب صربيا بحقوق الصرب في كوسوفو.

ويمثل الألبان في جنوب صربيا أغلبية السكان في ثلاث مدن تعرف بوادي بريشفو متاخمة للحدود مع كوسوفو هي بريشفو وبويانوفاتس وميدفيجا. وقد شهد العام 2001 مواجهة مسلحة بين مليشيات ألبانية والجيش الصربي انتهت دون أن تحقق شيئا لألبان جنوب صربيا.

تخشى بلغراد أيضا انتقال عدوى المطالبة بالانفصال إلى الأقلية المجرية في إقليم فويفودينا شمال صربيا حيث يعيش ثلاثمائة ألف مجري يتعرضون بين حين وآخر للتمييز العنصري, رغم أن الإقليم يعد مصدرا أساسيا لغذاء صربيا بأكملها. وهناك أحزاب تدعو إلى تمتع الإقليم بالحكم الذاتي الذي كان يتمتع به أيام الرئيس اليوغوسلافي الراحل يوسيب بروز تيتو.

وبعد استقلال الجبل الأسود عن صربيا قبل عام ونصف العام، فإن استقلال كوسوفو إذا تم سيكون نتاج محاولات ألبانية استمرت أكثر من مائة سنة لكنها بلا شك ستؤكد نهاية حلم صربيا الكبرى التي طالما راهن سلوبودان ميلوسوفيتش على وجودها.

لكن هل تصبح المنطقة بعد استقلال كوسوفو أمام مشروع جديد يحلم به الألبان أيضا من اليونان وألبانيا شمالا مرورا بمقدونيا والجبل الأسود وحتى كوسوفو جنوبا اسمه ألبانيا الكبرى؟
ــــــــــــــــ
مراسل الجزيرة في كوسوفو

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.