الأزمة بين الأردن وحماس.. أبعادها وتداعياتها

الأزمة بين الأردن وحماس.. أبعادها وتداعياتها


undefined
محمد أبو رمان

– انتصار حماس أردنيا
– ردود فعل عكسية
– النظام العربي وحماس
– ما بعد الأزمة

يمثل إعلان الحكومة الأردنية عن اكتشاف مخزن أسلحة وأفراد من حركة حماس كانوا يستطلعون أماكن مدنية لضربها، عشية زيارة محمود الزهار التي لم تتم إلى عمان، تتويجا لرؤية تيار داخل النظام الأردني يرى في انتصار حماس مشكلة للأردن، وحافزا لمزيد من النفوذ والمكاسب لجماعة الإخوان المسلمين التي تمثل العمود الفقري للمعارضة.

وعلى الرغم من أن البيان الحكومي كان حذرا وتحدّث عن "عناصر من حماس" بما يفتح مجالا محدودا للتفسيرات، فإن ردود الفعل المباشرة والتغذية العكسية التي وصلت إلى الحكومة خلال فترة قصيرة أظهرت عدم الارتياح الشعبي والنخبوي لهذه الرواية المتهافتة.

وأيّا كانت صيغة الإخراج الحكومية المنتظرة سواء جاءت بمشهد فيه عدد من المعتقلين يعترفون على التلفاز بتخطيطهم للعملية أو ابتكار أساليب جديدة، فإن علامات الاستفهام والتشكيك ستبقى هي عنوان موقف الشارع الأردني من هذه الرواية الرسمية.

ومما يحسب لحماس ويضعف كثيرا من موقف الحكومة الأردنية، أنّ هناك اعترافا من أعدائها قبل أصدقائها أنها حركة إسلامية وطنية فلسطينية، وأنها لا تمارس العنف خارج فلسطين، ولم يحدث أن اتهم أي طرف حماس بالسعي إلى أعمال مسلحة داخل أراضيه.

فكيف إذا كانت حماس قد أعلنت الهدنة المسلحة حتى مع إسرائيل والتزمت بها منذ ما يزيد على عام، وهي في نفس الوقت تمر بحصار دولي وإقليمي يتطلب منها درجة عالية من الحذر والذكاء، مما يعني أن قبول الرواية الأردنية يتطلب قدرا كبيرا من غياب المنطق.

وإذا قبلنا جدلا برواية الحكومة الأردنية بقيام "عناصر من حماس" بتهريب أسلحة والتمهيد لأعمال داخل الأردن، فما المانع من موقف إيجابي أردني تجاه حماس، خاصة أنه كان بالإمكان تمرير زيارة الزهار واحترامه كوزير خارجية يمثل الشعب الفلسطيني، ثم فتح الموضوع في قنوات معينة مع حماس والاتفاق على مخرجاتها.

أمّا الإعلان عن العملية عشية زيارة الزهار لإلغاء الزيارة، فمن الواضح أن في ذلك توجها أردنيا رسميا غير متفق مع حماس على أقل تقدير.

على العموم من المفيد أن نخرج من محاكمة الرواية الأردنية ومدى صحتها إلى استجلاء الأبعاد والتداعيات المتوقعة لهذا التطور الخطير في العلاقة.


"
الخشية الحقيقية هي الخشية من أن يكون الموقف من حماس مقدمة لمواجهة حكومية أشد مع جماعة الإخوان لجرها إلى فك الارتباط مع حركة حماس، وإلى توجيه رسالة واضحة للإخوان مقتضاها أن النظام لن يسمح لهم بطموح أكبر من دورهم الحالي
"

انتصار حماس أردنيا
تشير دراسة صدرت مباشرة بعد فوز حماس في الانتخابات عن معهد الشرق الأدنى للدراسات، ومحرر الدراسة هو الصهيوني المعروف روبرت ساتلوف، إلى أنّ الموقف الأردني رحّب بنتائج الانتخابات الفلسطينية إلا أنّه ربط طبيعة العلاقة بين الحكومة الأردنية والحكومة الفلسطينية الجديدة بسلوكها السياسي.

وعلى النقيض من الأصوات الصحفية التي بدأت تصدر بعد فوز حماس في الانتخابات مطالبة الحكومة الأردنية بفتح صفحة جديدة مع الحركة وقيادتها، ثمة جدال كبير داخل النظام حول التعامل مع فوز حماس وتداعياته المحتملة.

وينقسم طرفا الجدل الرئيسان بين اتجاهين، اتجاه متشدد يرى أن فوز حماس ليس في صالح الأردن، وأنّه سيعزز من قوة الإخوان المناكف الرئيسي لسياسات الحكومة، وسيفتح أعينهم على السلطة.

أما الاتجاه الثاني فيرى أن مصلحة الأردن الحيوية تقتضي التعامل مع حركة حماس، وإذا كان هناك من مشكلة في العلاقة مع المكتب السياسي لحماس بقيادة خالد مشعل، القريب من خط دمشق- طهران، فيمكن بناء قنوات نفوذ في حماس الداخل والحكومة الجديدة.

البوصلة تشير إلى تغلب رؤية الاتجاه المتشدد حتى الآن، الأمر الذي يتضح من خلال إغلاق الأردن أمام قادة حماس في الزيارة الأولى التي قام بها المكتب السياسي إلى عدة دول عربية، وعدم استقبال الزهار هذه المرة بحجة اكتشاف مخزن الأسلحة.

لكن الخشية الحقيقية هي الخشية من أن يكون الموقف من حماس مقدمة لمواجهة حكومية أشد مع جماعة الإخوان لجرها إلى فك الارتباط مع حركة حماس، وتوجيه رسالة واضحة للإخوان مقتضاها أن النظام لن يسمح لهم بطموح أكبر من دورهم الحالي، وأنّ محاولة تغيير قواعد اللعبة الحالية لن تعود على الإخوان بفوائد ولا مكتسبات جديدة، بل إنهم قد يفقدون امتيازاتهم الحالية.

هناك رسائل متبادلة بين النظام والإخوان يمكن التقاطها في الفترة الأخيرة بدءا من مقال استثنائي نشر في صحيفة الرأي الأردنية، على الصفحة الرئيسة من الجزء الثاني بتوقيع "محرر"، قبل أيام من اختيار زكي بني رشيد أمينا عاما لجبهة العمل الإسلامي، يتضمن رسالة شديدة اللهجة، بعنوان "هل تعين حماس الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي القادم"؟

واعتبر أنّ بني رشيد موظف في حركة حماس يدير استثمارات لها، في حين تمثّل الرد الإخواني في اختيار بني رشيد بالفعل أمينا عاما للجبهة.

كما فتحت الحكومة ملف جمعية المركز الإسلامي العصب المالي للإخوان بدعوى وجود مخالفات مالية فيها. وفي مقابل تصريح النائب الإسلامي عزام الهنيدي باستعداد الإخوان لتشكيل الحكومة الأردنية في المستقبل، نشرت عدة مقالات تهاجم الإخوان وترى أنهم يرون أنفسهم بديلا للنظام.

بالتأكيد سينقل التيار المتشدد داخل النظام أزمته المعلنة مع حماس، والكامنة إلى الآن مع جماعة الإخوان إلى قانون الانتخابات المنتظر للحيلولة دون أية صيغة ستزيد من قوة ودور الإسلاميين في البرلمان القادم، مما يعني ترحيل المضامين الحقيقية للإصلاح السياسي إلى أجل غير معلوم!

ما يمكن أن يضاف إلى الحسابات السابقة هو أن افتعال الحكومة أزمة مع حركة حماس أو جماعة الإخوان سيشغل الإعلام والرأي العام بعيدا عن تداعيات ارتفاع أسعار السلع جراء رفع الدعم الحكومي عن المحروقات.

وهذا الأمر سيزيد من حالة السخط والإحباط لدى فئات اجتماعية واسعة وعريضة متضررة، خاصة مع استمرار أسعار النفط في الارتفاع عالميا، الأمر الذي يهدد استقرار الموازنة الأردنية مرة أخرى.

ومن المعروف أن الأردن شهد انتفاضات شعبية على خلفية الأوضاع الاقتصادية أبرزها انتفاضة الجنوب 1989 التي أطاحت برئيس الوزراء زيد رفاعي، وانتفاضة 1996 التي أدت إلى مواجهات عنيفة بين الجيش والمواطنين الفقراء في الجنوب أيضا، وبالتحديد في مدينة معان.


"
الرسالة العربية وراء حصار حماس مزدوجة التوجه، فهي موجهة إلى الولايات المتحدة أولا لإبلاغها أن البديل عن الواقع السياسي الحالي هو حركات أصولية معادية للمصالح الأميركية، وإلى الشعوب العربية ثانيا لإفهامها أنّ الإسلاميين أصحاب شعارات وسيفشلون إذا استلموا السلطة
"

ردود فعل عكسية
التيار المتشدد ربما لا ينجح في فرض رؤيته إلى النهاية بالضرورة، فالسياسة الأردنية معروفة بالتقلب والتردد، ومن الممكن تماما أن ترتفع أصوات -وقد بدأت إرهاصات ذلك بالفعل- ترى في الخيار المتشدد إضرارا بالمصالح الأردنية، لأن اتخاذ موقف سلبي من حماس والمساهمة في حصارها سيترك شرخا في العلاقة الأردنية- الأردنية، إذ سينظر المواطنون الأردنيون "من أصل فلسطيني" إلى السياسة الأردنية بغضب وخيبة أمل كبيرة، وستضعف مصالح الأردن داخل الأراضي المحتلة.

كما أنّ تأزم العلاقات مع حماس سيعزز من اتجاهها إلى طهران ودمشق، بدلا من محاولة بناء قنوات من التواصل والحوار تخدم المصالح الأردنية الفلسطينية على السواء.

أمّا إضعاف الإخوان فسينظر إليه على أنه إضعاف للأردنيين من أصول فلسطينية الذين باتت جماعة الإخوان الإطار الأكبر لتمثيلهم السياسي.

في المقابل ربما لا يؤدي فتح أزمة مع حماس والإخوان إلى التغطية على أزمة الأسعار والأوضاع الاقتصادية المتدهورة للشرائح العريضة من المجتمع، بل على النقيض من ذلك ربما يضيف أزمة إلى الأزمات القائمة تكون مؤشرا جديدا على فشل الحكومة في إدارة ملفاتها الداخلية والخارجية، وسنكون إذاك أمام أزمات مفتوحة ومجالات توتر وانفعال تشمل أغلب الأردنيين.


النظام العربي وحماس
يفسر كثير من المحللين إعلان الأردن عن اكتشاف مخبأ الأسلحة والاعتذار عن استقبال الزهار بأنه استجابة للضغوط الأميركية الإسرائيلية، وهي الحالة ذاتها التي تنطبق على مصر، عند رفض وزير الخارجية المصري استقبال الزهار متذرعا بالانشغال، كما تنطبق أيضا على دول عربية أخرى تعاملت مع حماس بحرج شديد، حتى لا تسيء إلى علاقتها بالولايات المتحدة.

المشكلة في الحقيقة لا تكمن في الضغوط الأميركية الإسرائيلية فقط، إذ النظام العربي يقرأ تجربة حماس من منظور "البديل الإسلامي"، لذلك يبدو إفشال حماس مطلبا عربيا قبل أن يكون مطلبا أميركيا إسرائيليا.

والرسالة العربية في هذا السياق "مزدوجة"، فهي موجهة إلى الولايات المتحدة الأميركية أولا لإبلاغها أن البديل عن الواقع السياسي الحالي حركات "أصولية معادية للمصالح الأميركية"، وإلى الشعوب العربية ثانيا لإفهامها أنّ الإسلاميين هم أصحاب شعارات وخطابات رنانة، وأنهم إذا استلموا السلطة سيفشلون وسيجرون المجتمعات العربية إلى الهاوية وإلى الجوع والحصار.

يبدو أننا أمام مرحلة يلتقط فيها النظام العربي أنفاسه بعد شهور من الضغوط الخارجية، إلا أن تطور الأوضاع السيئة في العراق واكتساح الحركات الإسلامية للانتخابات العربية، وتطور أزمة البرنامج النووي الإيراني دفعت بالضغوط الأميركية إلى الوراء، وارتفعت أصوات داخل الولايات المتحدة تطالب بإعادة النظر في جدوى الديمقراطية الحالية إذا كانت ستضر بمصالح الولايات المتحدة.

"
ترى النظم العربية أنها في حال تمكنها من حصار تجربة حماس السياسية الحالية وصولا إلى إفشالها سيصب ذلك أيضا في ممانعتها لرياح التغيير التي هبت على المنطقة في الشهور الأخيرة
"

وإذا كنا لا نجزم تماما بتخلي الولايات المتحدة عن دعوتها إلى "الديمقراطية"، فإن ما يمكن قوله هو أن هناك غموضا ينتاب الضغوط الأميركية الآن.

وهذا ما يلتقطه محرر شؤون الشرق الأوسط في مجلة كريستان ساينس مونتور هارولد لافرانشي إذ يرى أن الضغوط الأميركية تراجعت وأن الوضع الحالي يتسم بالحذر والتخفيف من الحماسة من أجل الديمقراطية.

على صعيد آخر فإن الأوضاع المتفلتة في العراق وإرهاصات الحرب الأهلية تحتل مساحة الرؤية كاملة لدى المواطن العربي، على حد تعبير الكاتب السوري أكرم البني، وهو ما ينطبق على الأزمة المستعصية في لبنان، مما يجعل الفرصة مناسبة تماما للحكومات العربية لأخذ زمام المبادرة من جديد وإشاعة مناخ الطوارئ سعيا إلى إعادة المعارضة إلى المربع الأول.

وترى النظم العربية أنها في حال تمكنها من حصار تجربة حماس السياسية الحالية، وصولا إلى إفشالها سيصب ذلك أيضا في ممانعتها لرياح التغيير التي هبت على المنطقة في الشهور الأخيرة.


ما بعد الأزمة
وفي المحصلة فإن اندلاع الأزمة بين حماس والحكومة الأردنية بمثابة مقدمة لمرحلة جديدة على الصعيد الداخلي وعلى صعيد العلاقة مع السلطة الفلسطينية.

وفي الوقت الذي تنظر فيه شريحة واسعة من الأردنيين والفلسطينيين إلى الحكومة الأردنية على أنها تستقوي على حماس، فإنّ شعور الفلسطينيين بالخذلان وخروج مظاهرات في فلسطين ضد الموقف الأردني كتلك التي خرجت في العراق كفيل بقلب حسابات الحكم وتغيير سياساته، خاصة إذا تمكنت حماس من الصمود في تجربتها السياسية الوليدة.
__________________
كاتب أردني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.