الصراع الدولي والإقليمي في الصومال

الصراع الدولي والإقليمي في الصومال

محمد مورو

لماذا الصومال ومنطقة القرن الأفريقي؟
الأطماع التاريخية لإثيوبيا في الصومال
أميركا.. أهداف ومخاوف
المحاكم الإسلامية.. الحلم الصومالي
مستقبل المنطقة

في عام 1515 استنجد الأحباش بالدول الأوروبية بسبب انتصار المسلمين الصوماليين عليهم، وتدخلت البرتغال بالفعل ووصلت إلى ساحل الصومال في ذلك العام, وهذا بالطبع لا يفسر كل عوامل وأسباب وتداعيات الصراع فيما بعد، ولكنه أحد المحددات التي تحكم على الأقل الصراع الإثيوبي الصومالي، ومدخل كذلك أو حجة للتدخلات الأوروبية.

فقد جاءت فرنسا إلى جيبوتي عام 1862، ثم إيطاليا وبريطانيا وكان هناك صراع بين هذه الدول الأوروبية الاستعمارية على النفوذ في تلك المنطقة لارتباطها بطرق التجارة الدولية من البحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن، وهو الأمر الذي حكم مع عوامل أخرى الصراع بعد ذلك إلى الآن.

لماذا الصومال ومنطقة القرن الأفريقي؟
صعد الاهتمام الدولي والإقليمي بمنطقة القرن الأفريقي في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة وذلك في إطار أهمية منطقة القرن الأفريقي جغرافياً وإستراتيجياً باعتبارها منطقة ربط للتجارة الدولية، وباعتبارها تشرف على مناطق إنتاج ونقل البترول ولأسباب أخرى ثقافية وسياسية.

وقد اهتمت الولايات المتحدة بتحقيق نوع من النفوذ هناك، وقامت وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت بعدة زيارات للمنطقة وكذا الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في إطار الاهتمام بالحلول محل النفوذ الفرنسي والإيطالي هناك، وفي إطار جعل تلك المنطقة منطقة نفوذ وقواعد عسكرية، وفي إطار الرغبة الأميركية في حصار مصر والسودان والشمال العربي والأفريقي، بل الدول العربية المطلة على البحر الأحمر عموما.

"
اهتمت الولايات المتحدة بتحقيق نوع من النفوذ في القرن الأفريقي في إطار استخدامها منطقة نفوذ وقواعد عسكرية، وفي إطار الرغبة الأميركية في حصار مصر والسودان والشمال العربي والإفريقي، بل والدول العربية المطلة على البحر الأحمر
"

وهذا الأمر هو ما فعلته إسرائيل دائماً، أي أنه تم لدعم هذه الإستراتيجية الإسرائيلية أو التنسيق معها، ومن المعروف أن إسرائيل ذات علاقة تقليدية بإثيوبيا.

القرن الأفريقي عموما شديد الأهمية، ولكن للصومال أهمية خاصة، فهي التي تمتلك أكبر ساحل على المحيط الهندي، في حين أن إثيوبيا لا تمتلك أي منافذ بحرية!! ومن ثم فإن اهتمام الولايات المتحدة بتحقيق نوع من النفوذ في الصومال قفز إلى مرحلة متقدمة في بداية التسعينيات من القرن الماضي.

ونجحت الولايات المتحدة في الدخول بقواتها ضمن إطار قوات الأمم المتحدة في ذلك الوقت، بل واستصدرت قراراً من مجلس الأمن بالسماح لتلك القوات بالحرب بدعوى القضاء على أمراء الحرب والمليشيات في الصومال بعد سقوط نظام سياد بري.

أي أنها حصلت على تفويض بالحرب والدخول في الصراع عام 1993، وقد اعترف جوناثان هاو في مجلة النيوزويك عام 1995 بوجود مشروع في الصومال على غرار المشروع العراقي فيما بعد، ولكن قيام قوات الجنرال عيديد بإسقاط طائرتين عموديتين أميركيتين في الصومال في 3 /10/ 1993 وقتل 18 جندي أميركي وإصابة 84 جنديا آخرين، بل وسحب جثة أحد الجنود المقتولين الأميركان في شوارع مقديشيو وانتشار تلك الصورة على نطاق إعلامي واسع، شكل فضيحة للعسكرية الأميركية جعلت الرئيس كلينتون يضطر إلى إعلان نيته في الانسحاب من الصومال.

وتم تنفيذ هذا الانسحاب في 31/1/1994 مما جعل أميركا تغير إستراتيجيتها في الصومال باتجاه دفعها نحو الضعف والتفكك خوفاً من قيام نظام إسلامي مستقر بها، وتوافق هذا تماماً مع رغبة إثيوبيا التي أصبحت قاعدة للدعم الأميركي والاعتماد الأميركي والإسرائيلي عليها بدلاً من إريتريا التي شعرت بتخلي الأميركيين والإسرائيليين عنها، فقفزت إلى المعسكر الآخر.

الأطماع التاريخية لإثيوبيا في الصومال
في عام 1954 قام الاحتلال البريطاني بتسليم إقليم أوغادين الصومالي إلى إثيوبيا، وبديهي أن ذلك تم على عكس رغبة أهل الإقليم وعلى عكس رغبة الصومال. وكان هذا الأمر بمثابة إضافة عامل جديد للحساسية بين إثيوبيا والصومال اللتين تشتركان في حدود طولها 2800 كيلو متر، وتشعران بشيء من العداء الديني التاريخي ومراحل متواصلة من أشكال الصراع.

"
إثيوبيا لا تريد صومالاً قوياً بل ضعيفاً مفككاً، لأن قوة الصومال ستكون دعما لحركات المعارضة العرقية والدينية داخل إثيوبيا ذاتها، والتنسيق بين السودان والصومال يمكن أن يشكل محورا إسلاميا أفريقيا ضاغطا على إثيوبيا
"

وقد دخل البلدان في حرب عامي 1977 و1978 ونجحت القوات الصومالية في تحرير جزء من إقليم أوغادين إلا أنها اضطرت إلى الانسحاب بسبب التواطؤ الدولي!! 

وبديهي أن الصوماليين لن ينسوا إقليم أوغادين، وبديهي أيضاً أن الإثيوبيين يعرفون ذلك، وهكذا فإن إضعاف الصومال هدف إثيوبي ثابت.

وفي هذا الصدد قال الرئيس الإثيوبي الأسبق منغستو هيلا مريم يوم فراره من أديس أبابا عند الإطاحة بحكومته " لو كان لشعب إثيوبيا بقية عقل وإدراك لعرف أن لي فضلا كبيرا عليهم. لقد نجحت في تفكيك الدولة العدوة لهم وهي الصومال".

وبالإضافة إلى موضوع أوغادين فإن إثيوبيا لا تريد صومالاً قوياً بل ضعيفاً مفككاً، لأن قوة الصومال ستكون دعما لحركات المعارضة العرقية والدينية داخل إثيوبيا ذاتها، والتنسيق بين السودان والصومال مثلاً يمكن أن يشكل محورا إسلاميا أفريقيا ضاغطا على إثيوبيا، ولا تخفي إثيوبيا ذلك، ودعمها للحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله يوسف الذي تم تنصيبه بضغط إثيوبي في 10/10/2004 يأتي في هذا الإطار، بل أكثر من هذا فإن الحكومة الإثيوبية تريد تغيير مناهج التعليم الصومالية ومنع مراكز تحفيظ القرآن الكريم في الصومال حتى لا تظهر في الصومال قوة إسلامية تهدد التماسك الإثيوبي برمته.

أميركا.. أهداف ومخاوف
مع انسحاب القوات الأميركية من الصومال في 31/1/1994، فإن التكتيكات الأميركية بالنسبة للقرن الأفريقي تغيرت ولكن الإستراتيجية والأهداف ثابتة، فمحاولة تحقيق نفوذ على حساب فرنسا وإيطاليا في القرن الأفريقي وفي أفريقيا عموما هدف أميركي مستمر، والسيطرة على منافذ البحار في القرن الأفريقي أيضاً هدف أميركي مستمر.

ومن ثم فإن الصومال لا تزال هدفا أميركيا، ولكن عن طريق غير طريق القوة العسكرية، لأن تجربة الولايات المتحدة في هذا الصدد مريرة، ولأن أوضاعها الحالية والمأزق العراقي والمستنقع الأفغاني لا يسمحان بذلك.

لذلك جاءت ضرورة البحث عن دولة إقليمية تحقق الأهداف الأميركية، وليس هناك بالطبع سوى إثيوبيا، لأسباب تاريخية وأسباب تتعلق بالقدرات العسكرية فإريتريا مثلاً لا تصلح لذلك، وهكذا فإن السياسة الأميركية دعمت إثيوبيا في حربها ضد إريتريا، أي أن الولايات المتحدة فضلت التحالف مع إثيوبيا لتحقيق النفوذ الأميركي في القرن الإفريقي، ثم هي أيضاً لا تريد استقرارا في الصومال، فإما أن تقوم هناك حكومة عميلة للولايات المتحدة وإما ترك الصومال في فوضى.

"
الصومال لا تزال هدفا أميركيا، ولكن أميركا التي أصبحت مهمومة حتى النخاع بمحاربة الإرهاب، لديها مخاوف من أن تصبح المحاكم الإسلامية طالبان جديدة، وأن تصبح الصومال مرتعاً لعناصر القاعدة
 "

ويروي الرئيس الانتقالي الصومالي السابق عبد القادر صلاد أن مندوباً من السفارة الأميركية في نيروبي قال له إن أميركا تساند الفوضى في الصومال، ولذا لا عجب في أن أميركا دعمت كل أنواع أمراء الحرب على اختلاف مشاربهم.

وبالإضافة إلى هذه الأهداف هناك مخاوف، فمع صعود المحاكم الإسلامية خشيت الولايات المتحدة، وهي التي أصبحت مهمومة حتى النخاع بمحاربة الإرهاب، أن تصبح تلك المحاكم طالبان جديدة، وأن تصبح الصومال مرتعاً لعناصر القاعدة، خاصة أن رئيس شورى المحاكم الإسلامية حسن ضاهر عويس متهم لدى الأجهزة الأميركية بالمشاركة في تفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام عام 1998، وفندق مومباسا في كينيا.

وقد تدرب -حسب الدوائر الأميركية الاستخبارية- في أفغانستان، والتقى بزعيم القاعدة أسامة بن لادن، وحتى لو كان هناك معتدلون أمثال شريف شيخ أحمد رئيس المكتب التنفيذي للمحاكم، فإن هذا الاعتدال لا يرقى إلى الرضا الأميركي، لأنه يستهدف إقامة دولة إسلامية يمكن أن تصبح نموذجاً منافساً للنموذج الأميركي الذي يتم الترويج له، ويمكن أن يحقق استقرارا للصومال ونهضة وقوة، وهذا كله يمكن أن يحدث خللاً في المعادلات الأميركية بالقرن الأفريقي.

وهكذا فمنذ صعود المحاكم الإسلامية ونجاحها في القضاء على أمراء الحرب، وتحقيق الأمن والاستقرار وسيطرتها على معظم أراضي الصومال، فإن الولايات المتحدة تبحث عن طريقة للقضاء على هذه القوة الشابة وإعادة الصومال إلى الفوضى، وقد تطابقت المصالح بين إثيوبيا والولايات المتحدة في ذلك.

ولا شك أن إثيوبيا قبلت أداء هذا الدور لأن لديها ما تخشاه بدورها من ترك المحاكم تسيطر على الصومال وتوحدها وتصبح قوة شابة صاعدة، وهكذا قامت القوات الإثيوبية بغزو الصومال علناً وبإعلان حكومي إثيوبي كامل بعد أن كان ذلك يتم سراً، ووصل حجم القوات الغازية إلى 20 ألف جندي بدؤوا معاركهم بالطائرات والدبابات منذ 24/12/2006 .

المحاكم الإسلامية.. الحلم الصومالي

"
نشأت المحاكم الإسلامية عام 1994 بتوافق من شيوخ القبائل لتكون حكماً في النزاعات بين الناس بعد أن غابت الحكومة وتفككت الإدارة، ثم تحولت إلى حركة سياسية تقود الصومال وتحلم بتوحيده كاملا 
"

نشأت المحاكم الإسلامية بصورة أولية عام 1994 وذلك بتوافق من شيوخ القبائل لتكون حكماً في النزاعات بين الناس بعد أن غابت الحكومة وتفككت الإدارة، ومع إحساس الناس بنزاهة وتجرد تلك المحاكم التفوا حولها، وزاد عدد المحاكم وأصبحت شبكة كبيرة ثم اندمجت في كيان واحد عام 2004.

ومنذ ذلك الوقت تصاعدت قوة الحركة وأصبح الشيخ شريف أحمد رئيساً للمكتب التنفيذي للمحاكم وانضم إليها العسكريون الصوماليون السابقون، وعدد كبير من قوات أمراء الحرب، ونجحت المحاكم بذكاء سياسي وإرادة عسكرية صلبة في القضاء على الفوضى والفتن والإتاوات والاعتداء على الأموال والأعراض الذي كان يقوم به أمراء الحرب، مما أشعر الأهالي الصوماليين بالأمان لأول مرة منذ 15 عاماً على الأقل.

وهكذا أصبحت المحاكم الإسلامية هي القيادة الطبيعية للشعب الصومالي، وبالإضافة إلى ذلك فإن الفكرة الإسلامية مقبولة لدى شعب كله مسلم بل كله ينتمي إلى المذهب الشافعي أي أنه لا مشاكل مذهبية أو دينية في هذا الصدد.

المحاكم تحولت إذن إلى حركة سياسية تقود المجتمع، وبديهي أن داخلها تفاعلات بين متشدد ومعتدل، ولكن لأنها إسلامية وصومالية فهي تحلم بتوحيد الصومال كله، وهذا يعني أنها تريد تحرير أوغادين من إثيوبيا، وتريد تحرير منطقة أنفدي التي ضمتها كينيا عام 1963، ولكن هذه أحلام لن تصبح واقعية قبل فترة طويلة ولذا لا تصلح تبريراً للغزو الإثيوبي للصومال، إلا أنها تفسر التآمر الإثيوبي والكيني على المحاكم.

مستقبل المنطقة
وفقاً لتحليلات واقعية نرى أن الغزو الإثيوبي سيفشل في النهاية، صحيح أن القوات الإثيوبية حققت نجاحات سريعة ولكن هذا يدخل في إطار الضرورة، لأن قوة مكونة من 20 ألف جندي بدبابات وطائرات لا يمكن مواجهتها مباشرة، بل جرها إلى مناطق انتشار واسعة، وزيادة رقعة إمداداتها ومواصلاتها ثم إرهاقها بحرب العصابات، وهذا ما فعلته المحاكم الإسلامية ولو فعلت غيره لكانت حمقاء.

وعلى أي حال فإننا أمام نتيجتين لا ثالث لهما، فإما أن يتم القضاء على المحاكم الإسلامية، وهذا لا يعني سيطرة الحكومة الانتقالية على الأوضاع، لأنها حكومة مفككة متعارضة، لا يجمع رجالها إلا الخوف من انتصار المحاكم، ومن ثم فإن الحالة ستعود إلى سيطرة أمراء الحرب السابقين أو المستجدين وتردي الأوضاع والفوضى وهذا عين ما تريده إثيوبيا والولايات المتحدة.

"
نحن أمام نتيجتين لا ثالث لهما فإما أن يتم القضاء على المحاكم الإسلامية، وتعود الفوضى إلى الصومال, وإما تنجح في الصمود واستنزاف القوات الإثيوبية خاصة أن الشعب الصومالي يشعر بأنه أمام غزو خارجي
"

وإما أن تنجح المحاكم الإسلامية في الصمود، واستنزاف القوات الإثيوبية خاصة أن الشعب الصومالي يشعر بأنه أمام غزو خارجي وليس مجرد صراع بين أجنحة صومالية، ومن ثم فكل الشعب الصومالي سينضوي تحت قيادة المحاكم في مواجهة أعداء الخارج وحفنة من عملائهم وهذا الفرز يفيد المحاكم جداً، ويجعل المسألة واضحة، ودخول معارك حرب العصابات سيقوي المناعة العسكرية المستقبلية للمحاكم، وكذلك يزيد قوتها وخبرتها السياسية ويؤدي إلى المزيد من الالتفاف الشعبي حولها.

فإذا ما انسحبت القوات الإثيوبية في النهاية حتى ولو بعد حين طويل أو متوسط، فإن المحاكم والصومال ستتحول إلى قوة شابة إقليمية واعدة سيكون لها أثرها في إطار المعركة الإسلامية العالمية ضد الولايات المتحدة.

وأيضا فإن الانتصار الصومالي والهزيمة الإثيوبية يعني أن إثيوبيا ذاتها معرضة للتفكك، بسبب إمكانية استغلال حركات المعارضة الداخلية في إثيوبيا للفرصة! وكذا حركات المقاومة في إقليم أوغادين مثلاً.

بل يمكننا أن نتوقع غزواً إريترياً للحصول على الأراضي التي تدعي إريتريا أن إثيوبيا اغتصبتها، ومن ثم فإن تغيرات دراماتيكية إقليمياً ودولياً سوف تحدث.
ـــــــــــــــ
كاتب مصري

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.