الاقتصاد الأفغاني.. الفرص والتحديات
يبدو في الأفق البعيد ملامح لصعود الاقتصاد الأفغانيّ في ظلّ تقارير دولية متشائمة لا تعكس قراءة عميقة لواقع وطبيعة الاقتصاد الأفغانيّ، تنطلق هذه التقارير من المعطيات التي تطرحها التقارير الغربية التي تنطلق عادة من تراجع دور المرأة في المدن الأفغانية الكبرى، في ظل إصدار حكومة طالبان منذ العام 2021 أكثر من 140 مرسومًا، منها 90 تقيّد حركة المرأة وعملها في الحكومة.
لكن هذه التقارير لم تأخذ في حساباتها أن المرأة في الريف الأفغاني لم تتأثر بهذه القرارات، حيث إنها عماد البيت الأفغاني اقتصاديًا؛ بمساهماتها في الإنتاج الزراعي وممارستها العديد من الأنشطة الاقتصادية.
فضلًا عن أن تحجيم وجود المرأة في العمل في المدن في بعض المهن أدَّى – طبقًا لإفادة غرفة التجارة والصناعة الأفغانية – إلى أن هناك 2471 شركة مرخصة و5400 شركة غير مرخصة تملكها نساء، لكن غلق صالونات التجميل التي تمتلكها النساء في صيف 2023، ترك 60 ألف امرأة بلا عمل، فضلًا عن تفضيل أصحاب العمل الرجال على النساء؛ تفاديًا لمضايقات الشرطة.
كانت الحقبة السابقة على حكم طالبان، نجحت في بناء قوى عاملة في المدن الكبرى من النساء في مجالات القضاء والمحاماة والشرطة والجيش، فيما أحصت بيانات حكومية حوالي 10000 امرأة يعملن كطبيبات وممرضات، و68 ألفَ معلمة، منهن 800 كوادر علمية في الجامعات.
التكيف مع الظروف
من ملامح القراءة العميقة للواقع الأفغاني، يتبين التكيف تحت أقصى الظروف، هذا العامل لم يُؤخذ في الاعتبار لدى العديد من التقارير عن الاقتصاد الأفغاني، فمنذ الاحتلال الروسي، أفغانستانَ عام 1979 والمواطن الأفغاني كيّف نفسه على العيش تحت أقصى الظروف.
هذا العامل إذا جاء مع استقرار نسبي ومتزايد يومًا بعد يوم تحققه طالبان الآن، يوفر فرصة تعطي أفغانستان درجة من درجات الأمل المفقود في المستقبل، هذا ما يؤشّر على نجاح قد يقود طالبان إلى كسب أرضية متزايدة داخل أفغانستان.
إن الملمح الأساسي، هو أن طالبان الآن غير طالبان قبل الاحتلال الأميركي عام 2001، فاتّجاه طالبان نحو البراغماتية واضح، فضلًا عن إدراكها أن أمن حدود أفغانستان مع جيرانها، خاصة الصين، له تبعات إيجابية على الاقتصاد، فصرفت حكومة أفغانستان جهودها نحو ذلك، مما زاد في حصيلة الجمارك وتدفق المنتجات الزراعية الأفغانية، وغيرها إلى الخارج، لذا كانت طالبان بعيدة عن كل ما يثير جيرانها، فالمحيطُ الجغرافي يكفل لأفغانستان الكثير من الفرص الواعدة.
عوامل سلبية
إن العديد من العوامل السلبية تعصف بالاقتصاد الأفغاني، فالمساعدات الإنسانية تراجعت في عام 2023 إلى النصف، وكانت في عام 2022 تمثل 3 مليارات دولار. كما أدَّى حظر طالبان زراعةَ الأفيون إلى خفض دخول الأسر التي تعمل في زراعته، وكان دخْل البلاد منه يتجاوز المليار دولار.
فضلًا عن ترحيل باكستان لـ400 ألف أفغاني؛ مما أدى إلى مزيد من الضغوط على سوق العمل، مع تراجع نسبي مؤقت للصادرات الأفغانية، واكب تراجع أسعار الفحم، وهي السلعة التصديرية عالية القيمة، خاصة مع تراجع طلب باكستان له، وبلغت صادرات أفغانستان من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول 2023، مليارًا و300 مليون دولار، مسجلة انخفاضًا قدره 0.5 % عن ذات الفترة من العام السابق.
وسجَّلت صادرات الفحم انخفاضًا قدره 17 %، ومن ناحية أخرى ارتفعت الصادرات الزراعية التي تشكل 63 % من إجمالي الصادرات بنسبة 11 %، وزادت صادرات المنسوجات التي تشكل 14 % من إجمالي الصادرات بنسبة 44%، وساعدت الزيادة في صادرات الخضراوات إلى الهند وباكستان في تعويض انخفاض الصادرات.
وتظل باكستان أكبر سوق لصادرات أفغانستان، حيث تمثل 55 % من إجمالي الصادرات، تليها الهند بنسبة 29%، مع الأخذ في الاعتبار أن الصادرات الأفغانية إلى باكستان انخفضت بنسبة 15 % في الشهور التسعة الأولى من عام 2023.
عوامل إيجابية
إن امكانات النمو المستقبلي في أفغانستان تتوقف على قوة رأس المال البشري، فافتقاد أفغانستان للأطباء والمهندسين والمعلمين، يعوق التنمية بمفهومها الشامل، لذا وجهت طالبان جهودها نحو الأمن الداخلي، مما أدى لتدفق الطلاب إلى المدارس الابتدائية، عكس الفترات السابقة. فالأولاد ما بين 13 و18 عامًا، 4.4 % منهم التحقوا بالمدارس، وهي نسبة عالية، مقارنة بالحقب السابقة، لكن يبقى نقطة ما زالت طالبان في حاجة إلى تداركها، وهي تدنّي نسبة التحاق الفتيات بالتعليم الثانوي، مما قد يلحق أضرارًا بالغة بخطوات التنمية الشاملة.
تسبَّبت قوة العملة الأفغانية في انخفاض معدلات التضخم بشكل حادّ فقد بلغ في عام 2022، نسبة 18.3 %، هذا ما أدى إلى انتعاش لقيمة الأجور، كما تم استئناف مشروع خط نقل الطاقة من قرغيزستان إلى باكستان، وهو ما سيوفر عائدات جيدة للاقتصاد.
إن المصدر الأكثر قيمة للتنمية الاقتصادية في أفغانستان هو مناجم المعادن الغنية المتوفرة على نطاق واسع في البلاد، فيوجد بها 1400 من رواسب المعادن من الأحجار الكريمة والنحاس والحديد والذهب، قدّر خبراء أميركيون هذه الثروات بـ 3 تريليونات دولار، لكن الترجيحات الأخيرة تذهب إلى أن قيمتها تتجاوز هذا الرقم.
تعدّ رواسب الليثيوم في أفغانستان ثروة ضخمة إذ تقدر بتريليون دولار، وتزداد قيمتها لأهميتها في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية التي يتزايد الطلب عليها عامًا بعد عام، وأطلق بسبب هذا على أفغانستان (مملكة الليثيوم).
تعدُّ الاستثمارات الصينية هي الأهم في أفغانستان، فشركة تشانيا الأفغانية تضخّ حاليًا استثمارات قدرها 350 مليون دولار في عدد من مشاريع توليد الكهرباء، وتصنيع الإسمنت والرعاية الصحية.
كانت حكومة طالبان وقّعت اتفاقًا في عام 2023 مع شركة شيناغانغ آسيا الوسطى للبترول والغاز الصينية؛ لاستخراج النفط من حوض أموداريا في شمال أفغانستان باستثمارات قدرها 540 مليون دولار في ثلاث سنوات.
إن كل ما سبق يؤشر على أن أفغانستان لديها فرص ولديها مشكلات موروثة، وعلاجها يعتمد على معالجة مشكلة الفقر المستشري في البلاد، والذي جعلها لسنوات من أعلى معدلات الفقر في العالم.
لذا، فإن توجه طالبان نحو الاهتمام بالتعليم ومكافحة الفساد- حيث نجحت فيهما بشكل كبير في العامين الأخيرين- يقودان على المدى البعيد إلى تغير وجه أفغانستان، لكن هذا يعتمد على مدى نمو القطاع الخاص، مع التركيز على معالجة ضعف البنية التحتية في البلاد، والعديد من المؤشرات تشير إلى نجاح نسبي في هذين المجالين، ومما يساعد أفغانستان على ذلك، هو أن المجتمع الأفغاني ليس لديه نزعة استهلاكية حادة على النمط الغربيّ.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.