هل تؤدي أزمة تشيلي مع فنزويلا إلى القطيعة الدبلوماسية؟
تمرّ العلاقات الفنزويلية – التشيلية بأزمة لا تُوحي بالانفراج، تبادلت خلالها الجهات الرسمية تصريحات مستفزة من الطرفين، وانتهت باستدعاء رئيس تشيلي غابرييل بوريك الخميس الماضي، سفيرَ بلاده لدى فنزويلا خايمي غازاموري من أجل التشاور.
في المقابل، لا تزال مواقف وتصريحات الجانب الفنزويلي من مواضيع الخلاف، ماضيةً في العناد، رغم اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وارتفاع نبرة الاتهامات الدولية لنظام الرئيس مادورو بالدكتاتورية، وتوالي انتقادات حلفاء الأمس الإقليميين له.
موقف حرج
يمكننا تلخيص ملامح الأزمة الأخيرة بين حكومتي فنزويلا وتشيلي في ثلاثة أحداث، أخذت زخمًا إعلاميًا دوليًا، وزادت موقف الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو حرجًا، فيما يتعلق بملفّ حقوق الإنسان ونزاهة الانتخابات في بلده.
حيث يتعلّق الحدث الثالث وهو الأكثر حساسية، بجريمة تصفية الملازم السابق في الأمن الفنزويلي، المعارض الشاب رونالد أوخيدا، الذي لجأ إلى تشيلي منذ 2018، على إثر اتهامه بـ "خيانة الوطن"، وفقًا للقضاء الفنزويلي.
حيث نشر الادعاء العام التشيلي، الخميس الماضي بيانًا جريئًا، صرّح فيه بأن جريمة اختطاف أوخيدا على أراضيها في 21 فبراير/ شباط الماضي، واكتشاف تصفيته من خلال وجود جثته بعد عشرة أيام من ذلك الحدث، تمّت بتخطيط من داخل فنزويلا، وأن "الدافع السياسي هو خطّ التحقيق الأجدر بالمتابعة إذا ما اعتمدنا المعطيات المتوفرة"، حسب تصريحات المدعي العام إكتور بارّاس.
وتعتبر هذه التصريحات في الحقيقة، الأولى من نوعها، التي يوجّه فيها مكتب المدعي العام في تشيلي أصابع الاتهام في جريمة تصفية سياسية إلى حكومة فنزويلا، بهذه الصراحة والجرأة، رغم اتهامات حكومات عديدة من دول الجوار، نظامَ الزعيم الراحل شافيز وخلفِه مادورو بملاحقة المعارضين في الخارج.
وانسجامًا مع تصريحات المدعي العام، دعمت حكومة تشيلي النتائج التي توصّل لها الادعاء العام، ووجّه رئيس تشيلي غابرييل بوريك رسالة مباشرة للحكومة الفنزويلية والقضاء الفنزويلي، طالبًا فيها التعاون التامّ مع القضاء التشيلي، من خلال إلقاء القبض على مُتورّطَين فنزويليَّين محتملَين في جريمة تصفية المعارض أوخيدا، دخلا تشيلي بشكل غير قانوني وعادا إلى فنزويلا بنفس الطريقة.
وأضاف أن القضاء الفنزويلي "مُلزَم" بتسليمهما إلى تشيلي، لاستكمال التحقيقات معهما. علمًا أن الأمن التشيلي تمكن من إلقاء القبض على واحد فقط من الأربعة المتورطين في الجريمة، التي تمت بأسلوب القتلة المأجورين.
تجارة المخدرات
وزيرة الداخلية التشيلية، كارولينا توها، وتفاعلًا مع تصريحات المدعي العام، قالت؛ إنها ستطالب فنزويلا بالامتثال لمعاهدة تسليم المجرمين، سارية المفعول منذ عام 1962 بين البلدين. لكنها أعربت عن مخاوفها من عدم امتثال فنزويلا لذلك، نظرًا لحساسية القضية والطابع السياسي الذي تتسم به، كما أشارت إلى أهمية الخطوة على الصعيد الدولي؛ نظرًا لكونها تمثل فرصة لنظام الرئيس مادورو، وقضاء بلاده للتعبير عن احترامهم للقانون.
أمّا الحدث الثاني الذي زاد العلاقات الفنزويلية – التشيلية توتّرًا، فيتعلق بالمواقف المتضاربة لسلطات البلدين، حول عصابة الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات المُلقّبة بـ"كارتال قطار أراغوا" والمنسوبة إلى فنزويلا، حيث تضاعف حجم شكاوى السلطات التشيلية بشأن الجرائم المنسوبة للعصابة الفنزويلية المذكورة، على الأراضي التشيلية، وإنكار الجانب الفنزويلي انتماءَ العصابة لفنزويلا، رغم الشّهرة الواسعة للعصابة في المنطقة، على غرار عصابات الإكوادور وبيرو، التي تعمل تحت إشراف العصابات الكولومبية والمكسيكية الذائعة الصيت.
غير أنّ الخطوة التي دفعت رئيس تشيلي لاستدعاء سفير بلده في كراكاس من أجل التشاور، جاءت على إثر تصريحات الوزير الفنزويلي إيفان غيل، الذي أكد الأسبوع الماضي أن "كارتال قطار أراغوا" هي خيال ابتكرته وسائل الإعلام الدولية لمحاولة وصم فنزويلا بالإجرام المنظم. وهو ما اعتبره رئيس تشيلي إهانة لضحايا هذه العصابة المنظمة، ووصف تصريحات الوزير بغير المسؤولة وتبعث على القلق، مُضيفًا أنها تُظهر عدم التزام من الجانب الفنزويلي بمعايير التعاون الدولي بشأن الأمن العابر للحدود.
وبعيدًا عن الموقفين الرسميَين للبلدين في هذا الشأن، تؤكد الدراسات الأمنية في منطقة أميركا الجنوبية، أنّ "كارتال قطار أراغوا"، عرفت توسّعًا غير مسبوق في الإكوادور وبيرو والبرازيل وتشيلي، مع تلقّي هذه البلدان موجات لجوء ملايين الفنزويليين، بعد أزمة 2019 السياسية في بلادهم، واستغلت العصابة ذلك الوضع؛ لنشر عناصرها في المنطقة للقيام بجرائم "القتل المأجور"، والسطو المسلح، وتجارة المخدرات، وتهريب البشر في أكثر من بلد، من أجل منافسة باقي العصابات، وكسب ثقة العصابات المكسيكية، المُشرفة على المنطقة.
مواقف شجاعة
وأمّا الحدث الثالث، فيتمثل في تجدّد اتهامات الجانب التشيلي للفنزويلي بعدم التزامه بالحدّ الأدنى للتعاون الأمني في مجال الجريمة العابرة للحدود، مع مقتل الملازم إيمانويل سانشيز سوتو من الشرطة التشيلية، يوم الأربعاء الماضي، على يد عصابة، أحدهم فنزويلي، حصل على أمر طرد منذ عام 2020، ولم يتمّ ترحيله مع عشرات المجرمين الآخرين؛ بسبب مماطلة الجانب الفنزويلي وفقًا للمعلومات التي قدمها نائب وزير الداخلية التشيلي، مانويل مونسالف. وقد لمّحت تصريحات رئيس تشيلي، ونائب وزير الداخلية، إلى أنّ رفض الترحيل كان يتمّ بأوامر من أعلى هرم القرار الفنزويلي، في إشارة إلى الرئيس مادورو.
في المقابل، يرى المدعي العام الفنزويلي، طارق ويليام صعب، أن رفض استعادة بعض المتورطين في جرائم في بلدان أميركا الجنوبية، هو قرار قضائي بالأساس، ويخضع لشروط معقدة، لا دخل للنظام السياسي فيها. وهي شهادة ليست بالغريبة على صعب، الذي تصفه المعارضة الفنزويلية بـ"الملمّع القانوني" للرئيس مادورو وحلفائه.
تأتي هذه الأزمة في توقيت حسّاس بالنسبة للرئيس مادورو، حيث تتوالى الانتقادات له ولنظامه، من زعماء وأنظمة يسارية كانوا يعربون عن دعمهم نظامَ سلفه الزعيم الراحل شافيز، غير أنّهم أصبحوا مؤخرًا ينأون بمواقفهم عن الرئيس الحالي مادورو، لاسيّما فيما يتعلّق بملف حقوق الإنسان وتعامله مع المعارضة. وهي مواقف شجاعة تُحسب لرؤساء: البرازيل، وكولومبيا، وتشيلي، ورئيس باراغواي السابق، خوسيه موخيكا، الذين أعربوا عن امتعاضهم من استعدادات الرئيس مادورو لفترة انتخابية قادمة، تبدأ مع بداية السنة القادمة، ليمتدَّ بذلك الحكم بين يدَي الحزب الحاكم الحالي من سنة 1999 إلى 2031، حتى وإن قاطع الفنزويليون الانتخابات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.