تحديات تواجه ترامب في تعيين إدارته

FILE PHOTO: U.S. President-elect Donald Trump gestures as he meets with House Republicans on Capitol Hill in Washington, U.S., November 13, 2024. REUTERS/Brian Snyder/File Photo
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب (رويترز)

يحاول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إخضاع مؤسسات الحكم الأميركي الفدرالية لسيطرته السياسية عبر اختيار وزراء يُدينون له بالولاء، مما يثير معارك سياسية وقضائية يريد حسمها مُبكرًا لصالحه.

ومن شأن نجاحه في خطوة كهذه أن يحقق ما صرح به مرارًا أثناء حملته الانتخابية من ملاحقة خصومه الذين يصفهم بالأعداء من الداخل، وخططه لتغيير الكثير من الممارسات والسياسات في دوائر الخدمة المدنية الأميركية والمؤسسات الأمنية والعسكرية وقيمها الثقافية.

ولكن هل سينجح في تعيين أعضاء إدارته كما يشاء؟

فوز مختلف هذه المرة

لم يكن فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية هذه المرة مثل سابق فوزه بانتخابات عام 2016، عندما ناوشته حينذاك سهام الحزب الديمقراطي الحادة، مشككةً تارةً في مشروعية فوزه تحت دعاوى التدخل الروسي لصالحه من خلال بث الشائعات السياسية أثناء فترة الحملات الانتخابية، ومذكرةً تارةً أخرى بفشله في الحصول على أصوات أغلبية الناخبين الأميركيين.

أما فوزه هذه المرة، فجاء وهو يتمتع برأسمال سياسي منحته إياه أغلبية أصوات الكلية الانتخابية، وكذلك أغلبية الناخبين الأميركيين من كافة الأعراق والطوائف الدينية في الولايات المتحدة.

بيد أن عددًا قليلًا من أعضاء مجلس الشيوخ ربما يقف عقبةً مستقبليةً أمام تعيين مرشحي الرئيس المنتخب، بما كفله الدستور الأميركي لمجلس الشيوخ من سلطة واسعة في الموافقة على ترشيح الرئيس الأميركي لأعضاء إدارته الحكومية تحت مبدأ "النصح والموافقة"، يمنح فيه مجلس الشيوخ موافقته على أعضاء إدارة الرئيس بعد جلساتٍ مطولةٍ من استجوابات التعيين قبل إجراءات التصويت النهائي بشأنهم.

إعلان

يسعى ترامب جاهدًا لتجاوز تصويت مجلس الشيوخ من خلال ثغرة قانونية تمنح الرئيس الحق في تعيين أعضاء حكومته دون الرجوع للمجلس، ما دام أن التعيين جاء في إجازة لا تنعقد فيها جلساته.

ورغم ذلك، يبقى من المستبعد جدًا أن يتنازل نواب مجلس الشيوخ الأميركي عن صلاحياتهم التي منحها لهم الدستور الأميركي، أو أن يوافقوا على منح الرئيس سلطة مطلقة في تعيين أعضاء حكومته المقبلة.

فشل ترشيح غيتس لوزارة العدل

فشل ترامب في إقناع مجلس الشيوخ الأميركي والإعلام والرأي العام الأميركي بمرشحه لمنصب المدعي العام – وزير العدل- مات غيتس، عضو مجلس النواب المثير للجدل وصاحب الولاء المطلق له.

تم ترشيح غيتس في وقت يخضع فيه لتحقيقات برلمانية في تُهمٍ أخلاقيةٍ جسيمةٍ وملاحقات قضائية سابقة لا تجعل منه شاهدًا مقبول الشهادة – إذا ثبتت إدانته- فضلًا عن قيادة وزارة فدرالية تُعنى بإرساء وتحقيق قيم العدل والمساواة في أميركا.

رأى الكثيرون في ترشيح غيتس صفعة قاسية لوزارة العدل، التي طالما اتهمها ترامب باستهدافه شخصيًا في الفترة السابقة، وهدد باستخدامها – حال دخوله البيت الأبيض- في ملاحقة خصومه السياسيين والقانونيين الذين جعلوه – حسب قوله- هدفًا لتحقيقات قضائيةٍ متواصلةٍ وانتهاكات لحقوقه الشخصية، وصلت درجة تفتيش مقر إقامته الشخصية في ولاية فلوريدا، كسابقة نادرة في التاريخ الأميركي.

سحب غيتس ترشيحه نتيجةً لشكوك قيادات جمهورية في مجلس الشيوخ بحظوظ الموافقة عليه، وكذلك نتيجةً لتغطية إعلامية كشفت جوانب مخجلة من التحقيقات والتهم الموجهة إليه في مجلس النواب.

لم يتأخر ترامب طويلًا لتقديم مرشح بديل، إذ سرعان ما أعلن ترشيح المدعية العامة السابقة لولاية فلوريدا وعضو طاقم محاميه ذات الولاء المطلق له، بام بوندي، لتولي وزارة العدل الأميركية.

سيكون ترشيح بام بوندي أكثر حظًا في الحصول على موافقة مجلس الشيوخ الأميركي من المرشح السابق غيتس ولا شك. بيد أن قربها الشديد من الرئيس المنتخب سيلقي ظلالًا من الشكوك حول قدرتها في الحفاظ على وزارة العدل والمؤسسات العدلية الأخرى كيانًا مستقلًا عن التوجهات والرغبات السياسية والشخصية للرئيس.

إعلان

مرشح منصب وزير الدفاع

لم تكن شخصية بيت هيغسيث، الذي تم ترشيحه لمنصب وزير الدفاع، أقل إثارةً من مات غيتس، إذ سرعان ما ألقى الإعلام الأميركي الضوء على عدد من الأخبار المثيرة حول شخصيته وسلوكه الأخلاقي، من حادثة تحرش لم يُدَن قضائيًا فيها، إلى قصة استبعاده من المشاركة – حسب روايته- في تأمين حفل تنصيب الرئيس بايدن في يناير/ كانون الثاني 2021 خشية توجهات شخصيةٍ لديه أثارها وشمٌ مرسومٌ في جسمه يُجسّد صليبًا مسيحيًا مستخدمًا إبان الحروب الصليبية الأوروبية.

عمل هيغسيث في قناة "فوكس نيوز" الإخبارية ذات التوجهات السياسية المحافظة والموالية للحزب الجمهوري الأميركي بعد خدمة في الجيش الأميركي شارك خلالها في حربي العراق وأفغانستان.

ولم يحمل رتبة عسكرية مرموقة كتلك التي نالها جنرالات الجيش المرموقون ممن شغلوا هذا المنصب في إدارات حكومية سابقة، وكذلك لا يمتلك خبرة إدارية تمكّنه من إدارة البنتاغون الأميركي، الذي تبلغ ميزانيته المالية السنوية أكثر من 800 مليار دولار أميركي، ويعمل لديه أكثر من 3 ملايين موظف من عسكريين ومدنيين.

لكن هيغسيث في المقابل، يتوقع أن يكون طوع بنان الرئيس متى ما قرر مثلًا استخدام الجيش الأميركي في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، أو في أي ظرفٍ طارئٍ آخر. كما أن لهذا المرشح لوزارة الدفاع مشروعًا أيديولوجيًا محافظًا يزيل من خلاله القيم الليبرالية في الجيش الأميركي، مثل: مشاركة المرأة في العمليات القتالية، وقضايا حقوق الأقليات الأخرى. سيكون هيغسيث – حال الموافقة على ترشيحه من قبل مجلس الشيوخ الأميركي- أقل وزراء الدفاع الأميركيين خبرةً في العصر الحديث.

والقائمة تطول

ستكون تشكيلة الإدارة القادمة – بصورتها التي هي عليها الآن- أكثر إدارة أميركية إثارةً للجدل، إضافة إلى كونها لا تمتلك القيم الأخلاقية الكافية للمحافظة على تقاليد الديمقراطية الأميركية والممارسات السياسية العريقة.

إعلان

كما ستبذل هذه الإدارة جهدًا كبيرًا في سبيل إرضاء الرئيس وتجنب إغضابه، مما يحرمه من فرص مناقشة أفكاره وسياساته من قبل فريق إداري متمرس يحرص على مصالح البلاد الإستراتيجية.

وتضم قائمة المرشحين أسماء عديدة تحوم حولها الكثير من الشبهات، مثل: سبستيان غوركا مرشح منصب مدير مكافحة الإرهاب، وتولسي غابارد مرشحة منصب مديرة الاستخبارات الوطنية. كما لا يحظى المرشح لمنصب وزارة الصحة الأميركية، روبرت كينيدي الابن، بدعم كثير من العاملين في هذا المجال؛ بسبب مواقفه المناهضة للتطعيم الصحي.

اختير ستيفن ميلر نائبًا لمنصب كبير موظفي البيت الأبيض، وهو سياسي صعد صعودًا قويًا في فترة ترامب الأولى؛ لتبنيه سياسات مناهضة للهجرة الأميركية، مثل سياسات حظر المسلمين من دخول الولايات المتحدة إبان فترة رئاسة ترامب الأولى.

أبدى ميلر تصريحات أكثر تشددًا هذه المرة، ليس فقط ضد ذوي الإقامات غير القانونية في أميركا، بل حتى ضد أولئك الذين حصلوا على الجنسية الأميركية، وذلك بدعوته إلى ضرورة مراجعة طلبات حصولهم على الجنسية الأميركية من أجل إيجاد أي بيانات كاذبة أو معلومات مضللة فيها، تمهيدًا لسحبها منهم وترحيلهم من الولايات المتحدة.

ستبقى الأيام القادمة حبلى بالكثير من المعارك القضائية والسياسية، تذكرنا بما شهدته دورة الحكم الأولى للرئيس ترامب من دراما. وستبقى كذلك الإجابة عن السؤال الذي يشغل بال كثيرين من المتابعين للشأن الأميركي حول مدى قدرة المؤسسات الأميركية السياسية على الصمود في وجه ذلك. هذا أمر يصعب التنبؤ به حاليًا. ولكن، كما قال شاعر العربية الجاهلي طرفة بن العبد قديمًا:

  سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلًا  ***  وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّد

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان