الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الأمة الإسلامية

Hezbollah fighters mourn as they attend the funeral procession of their senior commander Wissam al-Tawil, during his funeral procession in the village of Khirbet Selm, south Lebanon, Tuesday, Jan. 9, 2024. The elite Hezbollah commander who was killed in an Israeli airstrike Monday in southern Lebanon fought for the group for decades and took part in some of its biggest battles. (AP Photo/Hussein Malla)
مقاتلو حزب الله في تشييع جنازة قائدهم البارز وسام الطويل، في موكب جنائزي أقيم في قرية خربة سلم بجنوب لبنان (أسوشيتد برس)

يجب أن نتحدّث بجدية عن أبعاد الإرهاب الذي تسببه إسرائيل والولايات المتحدة في غزة ولبنان وإيران واليمن وسوريا. لقد ندّدنا بما يكفي بالإرهاب والمجازر والإبادة الجماعية والاعتداءات غير القانونية التي تسببها إسرائيل والدعم غير المشروط من الولايات المتحدة، وتم نشر المئات من المقالات، والآلاف من الأخبار، ومئات الآلاف من المشاركات حول هذا الموضوع، وأعتقد أن الكلمات قد نفدت في هذا الصدد.

علينا أن ننتقد أنفسنا قليلًا؛ يجب أن نتحدث أيضًا عن الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها الأمة الإسلامية. نعم، قد يبدو الحديث عن هذه الأمور محبطًا، وخصوصًا في أماكن تُسفك فيها الدماء. ومع ذلك، إذا لم نقم بهذا النقد المؤلم في وجه الانحدار والدمار وخيبة الأمل التي نعيشها، فإننا سنواجه المزيد من هذه الكوارث.

بداية الأخطاء الكبرى في سوريا

في مقال نشرته فايننشال تايمز (30 سبتمبر/أيلول 2024) حول تحليل مقتل قادة حزب الله، تم الإشارة إلى أن مركز تسلل إسرائيل إلى إيران وحزب الله، هو تدخل حزب الله في الحرب الأهلية السورية؛ حيث خاض حزب الله حربًا شرسة وقاسية ضد الجماعات السنية، مما غيّر مجرى الحرب، وجعله محور اهتمام بين الجماعات الشيعية. استغلت إسرائيل هذه المرحلة المليئة بالقتال والاشتباكات لتتسلل بسهولة إلى حزب الله، ثم إلى النظام السوري وإيران.

على الرغم من أنني لا أتفق مع بعض جوانب هذا التحليل، فإنه ليس من الخطأ القول إن الحرب الأهلية السورية غيرت جميع التوازنات في الشرق الأوسط؛ بسبب الأخطاء القاتلة للدول الإقليمية؛ حيث قامت الدول الكبرى في المنطقة بتسليح ودعم مجموعة معينة في الحرب الأهلية السورية، مما أدى إلى ظهور مجموعات مميتة بلا هوادة.
في عام 2013؛ زرت حلب كصحفي لأكون شاهدًا على الحرب الأهلية السورية، ورأيت أن الجماعات المسلحة تسيطر على مناطقها الخاصة كل خمسة كيلومترات تقريبًا. وتقاتلت هذه الجماعات فيما بينها وقتلت بعضها البعض، وكان هناك دولة تدعم هذه الجماعات. ومن هنا نشأت فرص لا تعوّض لإسرائيل والولايات المتحدة.

ظهر "تنظيم الدولة" كأكثر المنظمات دموية وظلامًا التي أنشأتها الاستخبارات الأجنبية في هذه الفوضى، وكان الإرهاب الذي خلقه تنظيم الدولة مرعبًا، لدرجة أنه تم تشكيل ائتلاف من الدول برئاسة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتم تشكيل تحالف غير مسبوق في البحر الأبيض المتوسط.

اليوم، العديد من الطائرات التي تقصف لبنان واليمن وسوريا هي الطائرات التي جاءت إلى المنطقة في ذلك الوقت. وكان كل من حزب الله وإيران يشاركان في القتال الفعلي في سوريا والعراق ضد تنظيم الدولة، وتم تصفية العديد من الجماعات السنية بخلاف تنظيم الدولة.

دخلت الولايات المتحدة إلى سوريا، وأنشأت دولة صغيرة لحزب العمال الكردستاني، وأقامت شبكة استخبارات كبيرة مع إسرائيل في المنطقة. تم تنفيذ جهود التسلل إلى إيران وحزب الله في هذه الأثناء. كل عمليات الاغتيال الإسرائيلية التي تمت في إيران وسوريا ولبنان هي في الواقع نتيجة المعلومات التي تم جمعها في هذه المرحلة.

الذين يحتفلون بمقتل نصر الله

تبدأ الأبعاد المدمرة لحزب الله التي تسببت في مقتل آلاف الأشخاص في سوريا بالظهور حديثًا، فبعد مقتل نصر الله من قبل إسرائيل، احتفل الناس في المناطق السنية في سوريا، وقاموا بتوزيع الحلوى. عند تفسير سبب فعلهم ذلك، علمنا أن جزءًا من ذلك يعود إلى الدمار الذي تسبب به حزب الله في الحرب الأهلية السورية. لقد عانوا من ألم ورعب هائلين، لدرجة أنهم خرجوا إلى الشوارع للاحتفال بموت نصر الله.

هل كان عادياً أن يفرح الناس لمقتل مسلم على يد إسرائيل! علاوة على ذلك، لا أعتقد أن إسرائيل مهتمة بمذهب هنية أو نصر الله. إن القنابل التي تسقط في لبنان لا تدمر فقط منازل الشيعة، بل تشمل أيضًا السنة وحتى المسيحيين. بالرغم من أنني أعتقد أن الذين احتفلوا بمقتل نصر الله على خطأ، لكن يجب أن تعيد إيران وحزب الله النظر في سبب كراهية الناس لهما بهذا الشكل، وإلا لماذا لم يُظهر الجميع، سواء كانوا شيعة أو سنة، نفس الحساسية تجاه وفاة هنية؟ يجب عليهما إعادة تقييم ذلك.

التعصب المذهبي هو أكبر ورقة لدى إسرائيل

العالم الإسلامي المنقسم والمتنازع هو أكبر حلم للولايات المتحدة وإسرائيل، وأعتقد أنه لم يكن عليهما بذل الكثير من الجهد لتحقيق ذلك. كان الجرح الذي يعاني منه العالم الإسلامي كبيرًا، لدرجة أنه يتحول إلى نار عندما يتم تحريكه قليلًا، مثل التعصب المذهبي.

السبب الوحيد (أو السبب الظاهر) لقتال المسلمين ضد بعضهم في العراق وسوريا ولبنان هو التعصب المذهبي بحد ذاته. اختفت الدول، واضطرب النظام، وظهرت الفوضى، وأُزهقت أرواح أكثر من 1.5 مليون إنسان، وتهجّر ملايين من هذه الأراضي. والآن أصبحت هذه الأراضي هي الأكثر سهولة في العمليات التي تنفذها إسرائيل والولايات المتحدة.

قبل عام من مقتل قاسم سليماني، كان قد تباهى بأنه "نحن نسيطر على خمس عواصم عربية". والآن، هذه العواصم تعاني تحت الهجمات الإسرائيلية والأميركية.

أكبر ورقة تلعبها إسرائيل والولايات المتحدة هي انشغال المسلمين بسبب التعصب المذهبي، والأفكار، والمصالح الشخصية، والطموح للسلطة. هذا الخطأ القاتل هو السبب في أن إسرائيل تتصرف بهذه العدوانية لأنها تؤمن أنها ستحصل على "الأراضي الموعودة".

متى سنرى الحقيقة المؤلمة! نحن بحاجة إلى فكر جديد يجب أن نقيم كل ما يحدث ببرودة أعصاب، فلا يمكننا حل مشاكلنا فقط من خلال الصراخ ولعن إسرائيل والولايات المتحدة. يجب علينا إعادة النظر في أنفسنا من الألف إلى الياء، فنحن بحاجة إلى النقد الذاتي، ويجب أن نجد موضع الخلل، ثم يجب علينا الابتعاد عن أخطائنا القاتلة وإنتاج أفكار جديدة.

لا يمكن للعالم الإسلامي الخروج من الانحدار الذي يعيشه إلا بهذه الطريقة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان