ردود إسرائيل المتوقعة على عمليات المقاومة في الضفة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

في توجه واضح للتصعيد، أعلن ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أن المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن (أهم دائرة صنع قرار في تل أبيب) قرر في اجتماعه أمس الثلاثاء استهداف منفذي عمليات المقاومة في الضفة.

بيان الديوان ألمح إلى أن الرد على عمليات المقاومة لن يقتصر على حدود الضفة، بل سيطول أطرافا في الخارج تدّعي تل أبيب أنها مسؤولة عن التحريض على تنفيذ هذه العمليات وتوجيهها.

وعلى الرغم من أن نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت اتهما أمس إيران والجماعات المتحالفة معها بالمسؤولية عن لعب دور في توفير بيئة تسمح بتنفيذ هذه العمليات، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت بشكل واضح إلى أن تل أبيب تحمّل قيادتي حركة حماس في غزة والخارج تحديدا المسؤولية عن توجيه هذه العمليات.

 نائب رئيس جهاز الموساد السابق رام بن براك: عندما نحول حياة 3 ملايين مواطن فلسطيني إلى جحيم ونحاصرهم بالحواجز العسكرية، هل نعتقد أنهم سيسلمون بذلك؟! علينا أن نتخلى عن الحلم بأنه يمكننا أن نسيطر على الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن

ومما يعزز التوجه لتحميل حماس المسؤولية عن هذه الموجة حقيقة أن الحركة سارعت لإعلان مسؤوليتها عن نفي عملية إطلاق النار في الخليل أمس الأول، فضلا عن أن القيادات الأمنية الإسرائيلية لم تنفك منذ عدة أشهر عن التسريب لوسائل الإعلام في تل أبيب أنها تحمّل بشكل خاص نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري المسؤولية المباشرة عن إصدار التعليمات لتنفيذ هذه العمليات.

ومما يحفز حكومة نتنياهو على الرد على عمليات المقاومة حقيقة أن الأحزاب والقوى المشاركة في هذه الحكومة باتت تشعر بحرج شديد أمام الرأي العام الإسرائيلي لأن عدد القتلى في صفوف المستوطنين اليهود وجنود الاحتلال منذ تولي هذه الحكومة مقاليد الأمور بات الأعلى منذ انتهاء الانتفاضة الثانية في 2005، حيث قتل 35 مستوطنا وجنديا منذ بداية العام الجاري؛ في حين كان عدد الذين قتلوا خلال العام الماضي 32 مستوطنا وجنديا.

فممثلو المعارضة والنخبة الإعلامية في تل أبيب يسخرون من حقيقة أن الأوضاع الأمنية تتدهور بشكل غير مسبوق، وتحديدا في عهد الحكومة الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل.

إلى جانب ذلك، فإن عددا من التحولات طرأت على سمات عمليات المقاومة أثارت قلق عميق في أوساط النخبة السياسية الحاكمة والمؤسستين العسكرية والاستخبارية في تل أبيب.

فعمليات المقاومة المتواصلة في الضفة الغربية ليست مجرد موجة محدودة، كما كانت عليها الأمور عامي 2015 و2017، بل حالة نضالية متصلة لا يوجد ما يدلل على أنها مرشحة للخفوت.

في الوقت ذاته، باتت عمليات المقاومة أكثر جرأة؛ حيث إن منفذي عمليات إطلاق النار من المقاومين لا يترددون في استهداف مستوطني الاحتلال وجنوده من مسافة صفر بالقرب من الحواجز العسكرية وفي تخوم المستوطنات المحصنة. كما أن بعض منفذي العمليات يمتازون بقدر كبير من المهنية القتالية، حيث يتم إطلاق النار على الأهداف وإصابتها من سيارات مسرعة.

إلى جانب ذلك، فإن عمليات المقاومة باتت تنفذ في جميع أرجاء الضفة الغربية بعد أن كانت محصورة في شمالها، وتحديدا في منطقتي  نابلس وجنين. وهذا يزيد حجم الأعباء على جيش الاحتلال، حيث لم يعد قادرا على تأمين الطرق التي يسلكها المستوطنون، حتى بعد أن دفع بـ22 كتيبة من قوات المشاة إلى الضفة الغربية، واستعانته بأكثر وسائل جمع المعلومات الاستخبارية تقدما.

ومما فاقم الأمور تعقيدا بالنسبة للاحتلال نجاح المقاومة في تشكيل خلايا تنظيمية محلية، من دون أن يتمكن جيش الاحتلال من تفكيكها قبل شروعها في تنفيذ عمليات.

كما يتبين بشكل لا يقبل التأويل أن الإستراتيجية التي يعكف عليها جيش الاحتلال حاليا في مواجهة عمليات المقاومة في الضفة قد فشلت في احتوائها؛ فهذه العمليات تتواصل رغم محاصرة جيش الاحتلال التجمعات السكانية الفلسطينية ومداهمتها واعتقال المئات من الشباب الفلسطيني لمجرد الاشتباه في الانتماء إلى هذا التنظيم المقاوم أو ذاك، فضلا عن اغتيال عدد كبير من المقاومين، لا سيما في مناطق: جنين ونابلس وأريحا.

وإزاء هذا الواقع، فإنه يرجح أن تكون القرارات التي صدرت عن المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن والمتعلقة بآليات الرد على عمليات المقاومة ترجمة لإستراتيجية جديدة ستعكف عليها إسرائيل في القريب العاجل بهدف تقليص هذه العمليات وتقليل كلفتها.

ويرجح أن تشمل إستراتيجية إسرائيل الجديدة لمواجهة عمليات المقاومة في الضفة الخطوات التالية:

أولا: تكثيف العمليات العسكرية في أرجاء الضفة الغربية

وضمن ذلك التوسع في تنفيذ عمليات الاغتيال وتدمير منازل منفذي العمليات. فحسب ما كشفته قناة "13" الإسرائيلية، فقد أوضح ممثلو المؤسسة الأمنية لأعضاء المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن أهمية الاغتيالات كأحد الأدوات في مواجهة عمليات المقاومة. وستحاول إسرائيل تصميم عملياتها العسكرية في الضفة بحيث لا تسفر عن انهيار السلطة الفلسطينية، حيث إنه سبق لبنيامين نتنياهو وقادة الأجهزة الأمنية في تل أبيب أن أكدوا أن بقاء السلطة الفلسطينية يخدم المصالح الإسرائيلية.

لكن أكثر المتفائلين في إسرائيل لا يمكنه أن يتوقع أن يسفر هذا التكتيك عن نتائج كبيرة. فإذا كانت العملية الواسعة التي نفذها جيش الاحتلال قبل شهرين في مدينة جنين ومخيمها والتي شارك فيها 1000 جندي بمشاركة سلاح الجو واستمرت 3 أيام قد أخفقت في تقليص الفعل المقاوم هناك، فكيف ستكون عليه الأمور عندما يتعلق الأمر بشن عمليات عسكرية في جميع أرجاء الضفة الغربية. وقد سارع عدد من كبار المعلقين العسكريين في إسرائيل -ومن بينهم ألون بن دافيد، المعلق العسكري لقناة "13"، وطال لفرام المعلق العسكري لصحيفة "معاريف"- إلى تحذير دوائر صنع القرار في تل أبيب من الرهان على مخرجات العمليات العسكرية في الضفة الغربية.

ثانيا: احتمالية شن هجوم عسكري علي حماس

رغم اتهام إسرائيل حركة حماس في قطاع غزة بالوقوف خلف توجيه عمليات المقاومة، فإنه من المستبعد أن تشن إسرائيل عملا عسكريا شاملا على حركة حماس في القطاع لأن هذا التصعيد سيفضي إلى مواجهة شاملة قد تمتد فترة طويلة، وستهدد العمق المدني الإسرائيلي في ظل استشراء الانقسام السياسي الداخلي والتشظي المجتمعي نتيجة رفض قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي خطة التعديلات القضائية. لذا يرجح أن تعمد إسرائيل إلى تنفيذ عمليات اغتيال صامتة ضد بعض قيادات الذراع العسكرية لحماس في غزة التي تتهمها بالمسؤولية عن توجيه عمليات المقاومة في الضفة، دون ترك آثار تدل بشكل قاطع على مسؤولية تل أبيب عن هذه العمليات. فقد سبق لمخابرات الاحتلال أن أوعزت لـ3 من عملائها الفلسطينيين باغتيال القيادي في حماس مازن فقها في 24 مارس/آذار 2017 في غزة بعد أن اتهمته بتوجيه عمليات المقاومة في الضفة.

ثالثا: اغتيالات صامتة

يرجح على نطاق واسع أن تحاول إسرائيل تنفيذ اغتيالات صامتة أيضا ضد بعض قيادات حماس في الخارج الذين تدعي أنهم يسهمون في توجيه وتمويل الفعل المقاوم في الضفة.

لكن بغض النظر عن الخطوات العسكرية التي ستنفذها إسرائيل في سعيها لإخماد عمليات المقاومة في الضفة، فإنه محكوم على هذا التوجه بالفشل الذريع لأنه يتجاهل الأسباب التي تدفع الشباب الفلسطيني لتنفيذ العمليات، وعلى رأسها تواصل الاحتلال وسعي حكومة نتنياهو الحثيث لحسم مصير الأرض الفلسطينية بالاستيطان والتهويد وتمكينها المستوطنين من مواصلة تنفيذ جرائمهم الإرهابية ضد القرويين الفلسطينيين في جميع أرجاء الضفة. فحالة المقاومة المتأججة في الضفة الغربية لا يحركها قرار يصدر عن هذا التنظيم الفلسطيني أو ذلك، بل رفض الشباب الفلسطيني التطبع مع العيش في ظل الاحتلال.

وعبر عن هذا الواقع بشكل دقيق نائب رئيس جهاز الموساد السابق رام بن براك، وهو عضو كنيست عن حزب "ييش عتيد" الإسرائيلي المعارض، حيث قال في مقابلة مع الإذاعة العبرية الرسمية الأحد الماضي "عندما نحول حياة 3 ملايين مواطن فلسطيني إلى جحيم ونحاصرهم بالحواجز العسكرية، هل نعتقد أنهم سيسلمون بذلك؟! علينا أن نتخلى عن الحلم بأنه يمكننا أن نسيطر على الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان