"Woke".. المصطلح الأهم في القاموس السياسي الأميركي المعاصر

صورة تعبيرية من (جيتي)

حتى سنوات قليلة مضت، كانت كلمة "Woke" (معناها الحرفي "استيقظت") تعني أن تكون متيقظا للظلم والتمييز العنصريين، وكان يستخدمها بصورة حصرية الأميركيون السود. ومع ذلك، وبسبب ما تعرفه أميركا من حرب ثقافية ضروس، واستقطاب حاد غير مسبوق فيها، تطور استخدام الكلمة لتصبح سلاحا في يد المحافظين، يوجهون بها سهاما ساخرة وإهانات مباشرة إلى سياسات النخبة الليبرالية ومواقفها وفكرها.

وتعكس الكلمة وتطورها واستخدامها حجم وشراسة الحرب الثقافية التي تشهدها الولايات المتحدة، والتي يتم التعبير عنها بوضوح في التنافس السياسي المستمر.

جاء تعريف الكلمة أول مرة عند وليام ملفين كيلي، وهو روائي أميركي أسود، في مقال نشر بصحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) في عام 1962، وفي كتابته عن اللغة العامية التي يستخدمها الأميركيون السود، وعرفها كيلي بأنها تشير إلى شخص "مُطلع ولديه علم" في ما يتعلق بقضايا العنصرية وحقوق السود.

أخذ تطور الكلمة منحنى مهما بعدما استخدمته حركة "حياة السود مهمة" في المظاهرات الواسعة المناهضة للعنصرية وعنف الشرطة عقب مقتل الشاب الأسود مايكل براون في عام 2014، وكان الصياح الأشهر آنذاك "ابق مستيقظا Stay Woke".

ومع انتشار الكلمة في وسائط التواصل الاجتماعي، ابتعدت عن معناها الأصلي، وبدأت تُستخدم على نطاق واسع لوصف أي شخص أو أي مجموعة تتبنّى أفكارا تقدمية تدعو للمساواة والعدالة الاجتماعية. ثم تطور استخدامها لدى القوى المحافظة وكبار الساسة الجمهوريين، وأصبح معناها الإهانة أو التحقير، وبمرور الوقت أعيد تعريفها لتعكس تعجرف النخبة الليبرالية التقدمية المرتبطة بالحزب الديمقراطي.

ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض اتسع الاستقطاب الحاد بين القوى الليبرالية التقدمية من جانب والقوى المحافظة المتدينة من جانب آخر، ولعب ترامب دورا مركزيا في تأجيج هذا الصراع والاستفادة منه.

وأصبح الشأن الثقافي الداخلي صراعا ملتهبا بين قوى ليبرالية تتبنى أجندة تقدمية، مقابل قوى محافظة متدينة تتبنى أجندة تقليدية، وبرز الصراع الثقافي ليلقي بظله على قضايا مهمة منها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

وشكل وصول ترامب إلى سدة الحكم صدمة لكثير من الناس في أنحاء العالم، إلا أن هذا النصر كتب شهادة ميلاد جديدة للتيارات المحافظة اليمينية بالداخل الأميركي.

وتجتهد هذه التيارات وتحاول إعادة تركيب التاريخ الأميركي ليظهر كأنه تاريخ صراع مجتمعي على قضايا الهوية والعنصرية والتطرف وتحية النشيد الوطني أو حرق العلم الأميركي أو حقوق المثليين، والظهور ضحية لانتصارات متتالية للقوى الليبرالية التقدمية.

ومع ظهور ترامب، ارتبط مصطلح "Woke" ليشمل هؤلاء الداعين إلى تخفيض ميزانيات أجهزة الشرطة، وهؤلاء الذين يدعمون بشدة حقوق مجتمع الميم خاصة المتحولين جنسيا بينهم، وهؤلاء الداعين لتهميش دور العقائد الدينية في الحياة العامة، وهؤلاء المدافعين بشدة عن حقوق الأقليات والمهاجرين حتى من دخل منهم البلاد بطرق غير مشروعة، وهؤلاء الداعين لمراجعة التاريخ الأميركي خاصة في ما يتعلق بتعامل الدولة مع الأميركيين السود في ما أصبح يطلق عليه "نظرية العرق الحرجة Critical Race theory"، وهؤلاء الذين يضعون حماية البيئة قبل بقية الأولويات الاقتصادية. ويدّعي الجمهوريون أن مواقف وأفكار الـ"Woke" ما هي إلا انعكاس معاصر للماركسية الثقافية في صيغتها الأميركية.

وفي استطلاع أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal) في أبريل/نيسان، قال 55% من الجمهوريين إن "محاربة أيديولوجية الاستيقاظ في مدارسنا وأعمالنا" كانت أكثر أهمية من حماية الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية.

ويضع رون ديسانتيس، المرشح الجمهوري وحاكم ولاية فلوريدا، محاربة الـ"Woke" في قلب أجندته الانتخابية، وذلك من خلال وضع قيود واسعة على ما يمكن تدريسه في المدارس العامة، وتبنّي سياسات مناهضة للمتحولين جنسيا في فلوريدا.

وجعل حاكم فلوريدا رون ديسانتيس القضايا الثقافية المحافظة في التعليم جزءا أساسيا من جدول أعماله، وهي خطوة يشير الاستطلاع إلى أنها قد تساعده مع أكثر مؤيدي الحزب الجمهوري حماسة. ووقع ديسانتيس على قانون يحظر تعليم الجنس والحديث عن مجتمع الميم في المدارس الابتدائية، كما وقع على قانون "Stop woke" الذي يحظر التدريبات في الفصول الدراسية والشركات التي تجعل الطلاب أو الموظفين يشعرون بعدم الراحة بسبب عرقهم.

ويلجأ المحافظون إلى مهاجمة الـ"Woke" بادعاء حماية "القيم العائلية" التقليدية، الزوج والزوجة، دون اكتراث بالمتحولين أو المتزوجين من الجنس نفسه.

وفي كتابه الأخير "الشجاعة لتكون حرا"، كتب ديسانتيس أن أول لقاء له مع الـ"Woke" كان أثناء دراسته الجامعية في "ييل" حيث حصل على شهادته الجامعية الأولى، ويقول إن تجربة "اليسار الجامح في الحرم الجامعي دفعتني إلى اليمين". ومن هناك ذهب إلى كلية الحقوق بجامعة هارفارد التي "كانت يسارية مثل جامعة ييل"، ويرى أن هذه التجارب شكلت نظرته السياسية بعدما أدرك أن جامعات النخبة الأميركية تتحدث بلغات ومفاهيم يصعب على الأميركي العادي فهمها واستيعابها، بل إن هؤلاء المثقفين اليساريين يحتقرون الشعب الأميركي ويرونه شعبا جاهلا.

وفي كلمة له بمناسبة عيد الذكرى قبل أيام، قال ديسانتيس إن "علينا مواجهة الأيديولوجيات السياسية مثل Woke التي تتسلل إلى الجيش الأميركي"، وتعهد بإجراء "تغييرات كبيرة جدا" عند انتخابه. وأشار ديسانتيس إلى أن التركيز الكبير الآن على الأيديولوجيات السياسية، والترويج لمجتمع الميم، وأشياء مثل برامج التنوع والمساواة والشمول، كلها عوامل تؤدي إلى خفض جاذبية الانضمام إلى الجيش بين الشباب الأميركي، وأكد أن كثيرا من العسكريين طُردوا بسبب مواقفهم الأخلاقية، وأن ذلك تسبب في انخفاض الروح المعنوية.

ومع استعار سباق الحملة الانتخابية داخل المعسكر الجمهوري بين ترامب وديسانتيس، يتنافس المرشحان الجمهوريان على استغلال ومهاجمة ما يمثله الـ"Woke" سعيا لاغتنام أصوات الملايين من الناخبين المحافظين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان