الرهان الناجح على أفريقيا

القمة الأفريقية الـ 36 (موقع الاتحاد الأفريقي)

تابعت بشغف أحداث القمة الـ 36 للاتحاد الأفريقي ثم مؤخراً الزيارة الميمونة للرئيس الفرنسي ماكرون للدول الأفريقية، ولم أستطع أن أتناسى حقيقة أن صندوق النقد أو البنك الدولي أو أي جهة أممية أخرى معنية بالتنمية الاقتصادية والتطوير لن تضع يوماً خططاً حقيقية لتنمية أفريقيا ونهضتها، لأن أفريقيا القوية والمتحدة والمالكة لقراراتها هي فكرة مرفوضة قطعياً لدى الغرب الذي لطالما تشدق بقيم العدالة والمساواة والديمقراطية وتقبل الآخر.

إن وجود المستعمر في أفريقيا لم ينته عندما أعلنت تلك الدول البائسة استقلالها، فالاستعمار لايزال موجودا حتى اليوم، ليس بالطرق التقليدية القديمة ولكن بطرق أنيقة ومخادعة ولكنها أكثر شراسة وأشد فتكاً. الاستعمار اليوم هو سلب للعقول والإرادة والموارد الاقتصادية والقرار السياسي، وهو مسألة وجودية للمستعمر وليست توسعية كما كانت في الماضي.

الاستعمار وعلى رأسه فرنسا كمثال، التي كانت وماتزال رأس الرمح في خاصرة أفريقيا، تعتمد في اقتصادها بشكل شبه كلي على أفريقيا، بحيث لو أن هذه الإمدادات انقطعت لعادت فرنسا إلى مصاف المتعثرين من دول العالم الثالث. تطبع فرنسا عملة 14 دولة أفريقية وتربط سعر صرفها بعملتها الحالية اليورو، كما تطالب 12 دولة منها بوضع 50% من الاحتياطي النقدي الأجنبي الخاص بها لدى البنك المركزي الفرنسي وهي نسبة مخفضة بشكل كبير عما كانت عليه قبل سنوات. تضع فرنسا بالنيابة عن تلك الدول سياساتها المالية والنقدية من سعر صرف ومعدل فائدة وغيره بما يخدم أجندتها، ويبقي على حالة الأزمة والاقتصاد المترنح في تلك الدول.

بالإضافة إلى حقوق التنقيب والإنتاج للنفط والغاز المحفوظة للشركات الفرنسية التي تتعامل مع تلك الموارد كما لو أنها هي الشركات الوطنية المالكة لها بسبب عقود تمت صياغتها بشكل محكم جعلت المالك هو الضيف في بيته، فضلاً عن حقوق التنقيب عن المعادن والذهب واليورانيوم والأحجار الثمينة وغيرها من الموارد التي تزخر بها أفريقيا ولا تملك حق الانتفاع بها. فمن المضحك المبكي أن يكون في فرنسا رابع أكبر احتياطي ذهب في العالم دون أن يكون على أراضيها منجم واحد بينما تملك مالي أكثر من 800 منجم ذهب تنتج حوالي 65 طنا من الذهب سنوياً وليس لديها غرام ذهب واحد كاحتياطي رسمي.

ومن المضحك المبكي أيضاً أن أفريقيا التي عانت الكثير من بلدانها من المجاعات هي سلة غذاء العالم، وتملك من ثروات زراعية وحيوانية ما لو تمت تنميتها وإدارتها بالشكل الصحيح لكانت تكفي لسد احتياجات العالم أجمع، وليس فقط احتياجات مجموعة دول استغلتها على أسوأ نحو.

واليوم تتسابق الأمم للحصول على حصة من الموارد الأفريقية مثل الصين وروسيا وحتى تركيا للاستفادة من تضاؤل النفوذ الفرنسي وأفول نجم باريس نوعاً ما من القارة السمراء. وعلى الرغم من عدم الاستقرار السياسي الذي لاتزال معظم الدول الأفريقية تعاني منه، إلا أن توحيد المواقف وتغليب المصالح اليوم أصبح ضرورة ملحة وفرصة سانحة لبداية مرحلة جديدة ومزدهرة اقتصادياً لو تمت إدارتها بالشكل الصحيح.

وأعتقد أن الاتحاد الأفريقي هو الضمان والمظلة التي يجب أن تتحرك دول أفريقيا من خلالها بدلاً عن البحث عن الفرص الاستثمارية بشكل منفرد، من خلال إعداد خطة إستراتيجية أفريقية موحدة للتنمية الاقتصادية في قطاع الطاقة وقطاع الصناعة بأشكالها كالمعادن والغذاء وغيرها. إستراتيجية مبنية على النتائج Outcome Based Strategy يتم من خلالها تحديد ما تطمح أفريقيا للوصول له، ثم وضع مبادرات استثمارية، وفق تحليل فجوة واقعي، تضع الحلول للاستفادة من موارد كل دولة على حدة والمنظومة الأفريقية بشكل عام على نحو يصل بها إلى التكامل والاكتفاء الذاتي.

ولابد من تنمية اقتصادية أفريقية تقوم على قطاع صادرات قوي يمثله جهة تفاوضية واحدة تعمل من أجل الصالح العام للمنظومة بالكامل، وتقوم بالترويج العادل للفرص الاستثمارية في دول مثل رواندا وإثيوبيا ونيجيريا والسنغال وجنوب أفريقيا، فضلاً عن دول شمال أفريقيا الزاخرة بالموارد غير المستغلة أو التي يتم استنزافها بطرق غير مجدية اقتصادياً.

إن التخطيط الإستراتيجي الصحيح والعمل المشترك هو السبيل الوحيد والأفضل لتحقيق قيمة مضافة مؤثرة في اقتصاديات أفريقيا، ووفقاً لهذا النهج سيكون الرهان على أفريقيا مستقبلاً هو رهان ناجح بكل المقاييس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.