النقابات المهنية المصرية.. هل تعيد الاشتباك مع القضايا المجتمعية؟

مشاركة واسعة في انتخابات نقابة الصحفيين المصريين ( مراسل الجزيرة نت)
مشاركة واسعة في انتخابات نقابة الصحفيين المصريين (الجزيرة)

أثار إخفاق المرشح الحكومي في انتخابات نقابة الصحفيين المصريين رغم الدعم الحكومي المالي السخي له أمام المرشح اليساري الذي يرأس تحرير موقعا إلكترونيا محجوبا، تساؤلات عديدة حول إمكانية اعتبار ما حدث مؤشرا لحدوث تغيير في النقابات المهنية التي تم إبعادها عن الالتحام بالقضايا الوطنية منذ النصف الثاني من عام 2013 وحتى الآن.

المشهد نفسه حدث من قبل بنقابة المهندسين بالعام الماضي بفوز مرشح غير حكومي، الأمر الذي دفع البعض لزيادة جرعة التفاؤل لاعتبار ما حدث بنقابة الصحفيين مؤشرا على بداية التغيير المجتمعي في ظل حالة السخط من الغلاء والاضطراب الاقتصادي، بينما اعتبر آخرون أن صدى ما حدث لن يتعدى جدران نقابة الصحفيين التي سيستمر عزلها عن القضايا المجتمعية، مثلما حدث بنقابة المهندسين بعد فوز المرشح غير الحكومي، لأن النهج العام للنظام الحاكم لا يسمح بوجود بؤر حية فاعلة تعطي الأمل للجمهور في التغيير.

حسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، توجد 25 نقابة مهنية إلى جانب بعض الاتحادات مثل اتحاد نقابات المهن الطبية واتحاد نقابات المهن الفنية وذلك بخلاف النقابات العمالية البالغ عددها 29 نقابة عامة التي يشرف عليها وزير القوى العاملة.

8 ملايين عضو بالنقابات المهنية

يبلغ عدد أعضاء النقابات المهنية بنهاية عام 2021 نحو 8 ملايين و38 ألف عضو، وكانت أكبر النقابات نقابة التطبيقيين بنحو مليون و968 ألف عضو بنسبة 24.5% من الإجمالي، ونقابة التجاريين بنحو مليون و806 آلاف عضو بنسبة 22.5%، وكانت نقابة المهن التعليمية تضم مليون و96 ألف عضو، والمهن الهندسية 796 ألف عضو، والمهن الزراعية 543 ألف عضو، والمحامين 376 ألف عضو، وعلى الجانب الآخر يبلغ عدد أعضاء أصغر نقابة -وهى نقابة التأهيل الحركي وإصابات الملاعب- 1269 عضوا، ونقابة الإعلاميين 1471 عضوا، والمهن التمثيلية 3550 عضوا، ومحفظي القرآن الكريم 8117 عضوا، والصحفيين 11 ألف و527 عضوا.

أما من حيث النشأة، فهناك 7 نقابات تسبق في نشأتها حركة الجيش، حيث تأسست نقابة المحامين عام 1912 والصحفيين 1941، والمهندسين 1946 ونقابات الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والصيادلة والأطباء البيطريين 1949، ثم تأسيس نقابة الزراعيين عام 1954، وكل من المعلمين والسينمائيين والمهن التمثيلية والمهن الموسيقية عام 1955 والتجاريين 1964.

في عهد الرئيس مبارك جرى حصار النقابات المهنية بإصدار القانون 100 لسنة 1993 الذي أسمته السلطات قانون ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية، والذي اشترط لصحة انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة العامة أو الفرعية تصويت نصف عدد أعضاء الجمعية العمومية المقيدة أسماؤهم في جداول النقابة على الأقل.

نقابة التجاريين التي لم تجتمع منذ عام 1993

كان هذا الشرط -تصويت نصف أعضاء الجمعية العمومية- من المستحيل تحققه بالنقابات المليونية مثل التطبيقيين والتجاريين والمعلمين، سواء من ناحية حضور هذا العدد خاصة مع وجود الكثير من الأعضاء للعمل بالخارج، أو بسبب عدم توفر المكان المناسب الذي يستوعب هذا العدد الضخم أو القدرات البشرية لتولى إدارة العملية الانتخابية مع تلك الأعداد.

تسبب هذا القانون بتعطل عقد الجمعيات العمومية بغالب النقابات، حتى أنه تسبب بعدم انعقاد الجمعية العمومية لنقابة التجاريين منذ ذلك الحين وحتى الآن، رغم تعديله عام 1995، ثم إعلان عدم دستوريته بالثاني من يناير/ كانون الثاني 2011 ، كما قامت الدولة بفرض الحراسة على نقابة المهندسين عام 1994، ولهذا لم تنعقد جمعياتها العامة منذ عام 1995 حتى 2011.

رغم ذلك فقد تفاعلت بعض النقابات مع القضية الفلسطينية مثل نقابة الأطباء والعلميين والصحفيين، كما تفاعلت بعضها مع القضايا العامة المحلية مثل نقابات الأطباء والبيطريين والصحفيين وغيرها في شكل ندوات ومؤتمرات، كما شهد سُلم مبنى نقابة الصحفيين وقفات احتجاجية من كافة الطوائف التي لديها مشكلات خاصة بها، وتصدت قوات الأمن لبعضها وتغاضت عن أخرى أقل جماهيرية.

شهدت الفترة التي تلت ثورة 25 يناير نشاطا مكثفا بالنقابات تمشيا مع الحراك الاجتماعي الذي تلا الثورة، وبدأت العديد من النقابات التي تعطلت انتخاباتها لسنوات في التجهيز لإجراء الانتخابات، وحصل التيار الإسلامي على مواقع مؤثرة بنقابات المهندسين والصيادلة والبيطريين والمعلمين.

فترة الرئيس محمد مرسى والتعاون بين النقابات

جرت اجتماعات للتنسيق بين النقابات مثلما تم بنقابة الصحفيين في فبراير/ شباط 2012، لبحث التعاون بمجالات الاستثمار والودائع المصرفية وصناديق التكافل وعلاج الأعضاء، والمشروعات السكنية والنوادي الاجتماعية والرحلات والمصايف، وبنقابة الأطباء في مايو/ أيار 2012.

شهد عام تولى الرئيس مرسي نشاطا مكثفا للتعاون بين النقابات المهنية، كما التقى الرئيس الراحل برؤساء النقابات بالقصر الجمهوري في 24 يوليو/ تموز 2012، حيث ذكر أن النقابات المهنية تعد بمثابة العمود الفقري للمجتمع، وقال عن نفسه إنه أحد هؤلاء المهنيين.

أعقب ذلك لقاء بين هيئات مكاتب النقابات المهنية في يوليو/ تموز بدار العلميين، لبحث الأنشطة المشتركة بين النقابات المهنية بمجالات الإسكان وميكنة النقابات والتدريب ورفع الكفاءة المهنية، وبحث كيفية المساهمة بتنفيذ برنامج الرئيس بمجالات الوقود والمخلفات والمرور. كما التقى رئيس الوزراء هشام قنديل برؤساء النقابات المهنية بمقر مجلس الوزراء في أغسطس/ آب 2012، فاستمع لمشاكلهم ودعاهم لتنمية موارد النقابات بدلا من الاعتماد على الدعم الحكومي.

كما التقى ممثلي النقابات المهنية بنقابة المهندسين في أكتوبر/ تشرين الأول 2012، لبحث كيفية مساهمة النقابات في حل المشاكل القومية، وعرضت النقابة تصورها لدورها في حل مشكلة الإسكان باعتبارها بيت خبرة هندسيا، وعرضت خدماتها الاستشارية الهندسية للمشروعات السكنية التي تقوم بها النقابات الأخرى.

اعتقالات وتحفظ على أموال النقابيين

لكن الأمر اختلف تماما منذ تولي الجيش السلطة منتصف عام 2013 والموقف من كيانات المجتمع المدني، حيث تمت عدة إجراءات للتخلص من مجالس النقابات التي يهيمن عليها التيار الإسلامي، كالمهندسين والأطباء والعلميين والمعلمين والصيادلة والبيطريين وطب الأسنان، مع اعتقال عدد من كبار النقابيين الذين ما زال بعضهم خلف القضبان حتى الآن، والتحفظ على أموال عدد من النقابيين الذي ما زال مستمرا، وضم بعضهم لقائمة الإرهابيين بما يعنيه ذلك من منع للسفر وتعنت خلال تعامله مع الجهات الحكومية، ولو مجرد استخراج أوراق شهادات ميلاد للأبناء من السجل المدني أو تجديد ترخيص سيارة خاصة.

وصلت رسالة النظام إلى النقابات فانكفأت على نفسها وركزت أنشطتها على الخدمات التقليدية للأعضاء كالمعاشات والإعانات بحالات الطوارئ والوفاة والعلاج والرحلات والمصايف والحج والعمرة، خاصة مع العجز المالي بالعديد من النقابات بما لا يمكنها من الانتظام في صرف المعاشات منذ سنوات، لقلة الموارد مثلما حدث بنقابة التجاريين رغم ضآلة قيمة المعاش.

ففي نقابة الصحفيين تم استغلال سقوط بعض القطع الحجرية من واجهة المبنى للتعلل بوجود إصلاحات تم بمقتضاها منع أية أنشطة ثقافية أو ندوات لمدة 4 سنوات، ومنع تأجير قاعات النقابة لأنشطة كيانات المجتمع المدني مثلما كان يحدث بعهد مبارك.

ساهمت الأخبار المتتالية في توصيل رسائل ذات مغزى لأعضاء مجالس النقابات، مثلما حدث مع مكتب المهندس الاستشاري ممدوح حمزة بمنع تعامل الجهات الحكومية معه لمواقفه المعارضة، وما تعرض له الفنان عادل إمام من عدم عرض مسلسله الرمضاني بسبب انتقاده أمورا سياسية، وحبس بعض الفنانين بسبب مواقفهم التي لم ترق للسلطات مثل شادي حسين وأحمد مالك.

الفنان المعارض خائن للوطن

ما حدث للفنان إيمان البحر درويش نقيب الموسيقيين الأسبق من تغييب، وما حدث من قبل بنقابة المهن التمثيلية من إسقاط عضوية كلا من الفنان عمر واكد والفنان خالد أبو النجا بسبب انتقادهما للأوضاع السياسية بالبلاد، حتى قال عنهما نقيب الممثلين أن النقابة لن تقبل بوجود أي عضو خائن لوطنه بين أعضائها.

في ضوء استحواذ الشركة المتحدة للإنتاج الفني على النصيب الأكبر من إنتاج المسلسلات والأفلام، أصبحت فرص العمل بالمجال الفني مرهونة بمدى الرضا عن الفنان، مما دفع الغالبية للمشاركة في الأعمال الدرامية التي تمجد النظام الحاكم، حتى تتوفر لهم نفقات المعيشة.

هكذا تعيش البلاد ما يقرب من 10 سنوات من استبعاد دور النقابات المهنية، وحصرها في إطار الخدمات الاجتماعية التي تقدمها لأعضائها بما لا يتيح لها مجال الانخراط في الشأن العام، فلم يسمع أحد عن موقف نقابة المهندسين في العاصمة الإدارية الجديدة مثلا، وحتى عندما احتج أعضاء نقابة المحامين مؤخرا على إلزامهم بالتسجيل بالفاتورة الإلكترونية للضرائب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كانت وقفتهم الاحتجاجية باتفاق مسبق مع الجهات الأمنية.

من هنا يمكن القول إنه من الصعب أن تخرج النقابات المهنية من تلك الحالة من الكمون، حيث يرتبط ذلك بالحالة العامة للمجتمع والحصار الأمني للمجتمع المدني، والمخاطر التي تعرض لها من انتقدوا النظام الحاكم، وغياب أية ضمانات حقوقية لهؤلاء أو حتى إعلامية. بالإضافة لوجود نصوص داخل قوانين العديد من النقابات المهنية التي تكفل للوزير المختص بالنقابة، سحب الثقة من النقيب ومجلس النقابة، استجابة لطلب من عدد محدود من الأعضاء من السهل تدبيره، وتشكيل لجنة لإدارة أعمال النقابة حتى تتم انتخابات جديدة، مثلما حدث بنقابة المهندسين في ديسمبر/ كانون الأول عام 2013.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.