كفاح التعايش في السينما الهندية مع تجربة شاروخان

يسأل قائد الجيش الباكستاني طبيبه الذي يطالع الأشعة بقلق إن كان مصابا بالسرطان فيجيبه بالإيجاب، يتمالك نفسه ويستفسر عن سنوات حياته الباقية فيقول "ربما 3 سنوات"، في غضون ذلك يبث التلفزيون في الغرفة خبر إلغاء الحكومة الهندية الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير.
حينئذ يقرر الجنرال الباكستاني وهو لا يزال عند الطبيب الانتقام من الهند واستغلال السنوات المتبقية من حياته في هذه المهمة؛ يتخذ قرارا بتوقيع عقد من منظمة مسلحة خاصة تخوض بدورها حربا استخباراتية مع وحدة عسكرية أسسها عميل هندي سابق يدعى باثان قام بدوره الممثل الهندي المسلم الشهير شاه روخ خان والمعروف باسم "شاروخان" في الفيلم الهندي "باثان" للمخرج وكاتب السيناريو الهندي سيدهارث أناند، إنتاج عام 2023.
أتذكر في عام 2015 حينما زار شاروخان مدينة إدنبرة ليتسلم شهادة الدكتوراه الفخرية من الأميرة آن رئيسة الجامعة، كان يرتدي حلة رسمية وألقى محاضرة شهيرة عن النجاح في الحياة، بعدها خلع هذا الرداء الرسمي على مسرح الجامعة وشمّر عن ساعديه وانخرط في وصلة رقص هندي تقليدي أمام الحضور على أنغام الموسيقى الهندية وسط هتاف الطلاب وإعجابهم.
يحمل الفيلم الجديدة عدة تناقضات لا تخطئها عين، فالبطل هو النجم الأول المتربع على عرش سينما بوليود الهندية والملقب بالملك خان، لكنه ينتمي في الوقت ذاته للأقلية المسلمة التي تتعرض للاضطهاد السياسي والاجتماعي في البلاد. ورغم أنه حقق نجاحا جماهيرا وماديا كبيرا، فإن فيلمه الأخير لم ينج من فخاخ الاستقطاب الحادث في المجتمع.

فقد أشعل مظاهرات ليس بسبب موضوعه ولكن بسبب لباس بحر ارتدته إحدى الممثلات بلون الزعفران ورأت فيه جماعات متطرفة هندوسية إهانة لهذا الرمز الديني، فقاموا بإحراق ملصق الفيلم في المظاهرات مطالبين بمقاطعة الفيلم، ووصل الأمر إلى تهديد راهب هندوسي بإحراق شاروخان حيًّا إذا رآه.
هذه التناقضات تبدو سمة مألوفة ليس في الهند فقط ولكن على صعيد مسيرة الممثل شاروخان نفسه الذي يمثل حالة كفاح للتعايش في مجال صناعة السينما الهندية، وسط طوفان من التحديات المهنية والشخصية المستمرة.
فشبه القارة التي كانت يضرب بها المثل بالتعايش بين الأديان والثقافات واللغات المختلفة أصبحت بين عشية وضحاها مصدرا لأخبار اعتداءات واضطهاد اليمين الهندوسي المتطرف بحق المسلمين. كذلك الأمر لدى شاروخان الذي يبلغ من العمر 58 عاما وقدم الشخصية الرومانسية المغلوبة على أمرها في عدد من أفلامه يعود بدور حركة وإثارة ومغامرات في فيلمه الجديد "باثان".
فهو تارة يكون في أفلامه عاشقا يبحث عن الحب والأمان، وتارة المسلم المسكين، وتارة يكون البطل الخارق المغوار. وهو أيضا في الواقع المعبر عن فخر مسلمي الهند والممثل لنجاحهم، خاصة أنه أتى من الطبقة المتوسطة، بينما يراه آخرون معبرا عن التعددية الدينية في البلاد لأن عائلته بها أديان أخرى.
الممثل المثقف سفير السينما الهندية
في كثير من المواقف يأبي شاروخان إلا أن يذكّر بأنه يجمع بين كثير من الأمور التي تبدو متناقضة، فأتذكر في عام 2015 حينما زار مدينة إدنبرة ليتسلم شهادة الدكتوراه الفخرية من الأميرة آن رئيسة الجامعة كان يرتدي حلة رسمية وألقى محاضرة شهيرة عن النجاح في الحياة. أظهره هذا التكريم وهذه المحاضرة بمظهر المثقف الواعي وذكّرا بأنه حاصل على درجتي البكالوريوس والماجستير، بعد ذلك خلع هذا الرداء الرسمي على مسرح الجامعة وشمّر عن ساعديه وانخرط في وصلة رقص هندي تقليدي أمام الحضور على أنغام الموسيقى الهندية وسط هتاف الطلاب وإعجابهم.
ويبدو شاروخان كمن تربّع على عرش سينما بوليود بلا منازع كما تدين له هذه السينما بالفضل في انتشارها عالميا في السنوات الأخيرة. وقصته قصة نجاح فردي وجماعي تبدو ملهمة غير أن نهايتها غير محسومة بعد، لأن شاروخان لا يزال في مرمى النيران الهندوسية المتطرفة التي تطالب بمقاطعة الممثلين المسلمين في السينما الهندية.
وهذه دراما أخرى واقعية يتابعها معجبو الرجل في نشرات الأخبار، يختلط فيها الإنساني بالسياسي والفني بالشخصي. ويجابه شاروخان هذا كله بانضباط لافت في التصريحات والتصرفات، فلم يتورط في ردود غير مسؤولة على حملات الكراهية التي تستهدفه وتستهدف المسلمين، وذلك عزز شعبيته محليا ودوليا وجعله يحافظ على صورته رغم المشاكل التي تتوالى عليه بين الفينة والأخرى.
قبل سنتين وُجّهت إلى نجله أريان تهمة حيازة مخدرات وقضى 3 أسابيع في السجن بالعاصمة نيودلهي قبل تبرئة التحقيقات له من هذه التهمة، كما حاول أحد الضباط ابتزاز نجله وهو الأمر الذي كشفته المحكمة لاحقا. واضطر شاروخان إلى الغياب شهورا عن الرأي العام والجماهير قبل أن يعود مرة أخرى.
هذا الكفاح ضد العنصرية يكلّله كفاح مهني وطبقي واضح في مسيرة الرجل، ولا يمكن فصله عن ثقافة متجذرة عن مسلمي الهند راكمت خبرة تاريخية في التعامل مع هذه الموجات من الكراهية. فقد كان والد شاروخان عضوا في حركة "عبيد الله" التي أسسها عبد الغفار خان أحد رواد النضال اللاعنفي في الهند ضد الاحتلال البريطاني ورفيق درب المهاتما غاندي، وكانت الحركة تولي أهمية كبيرة للعيش ببساطة والقيام بعمل تطوعي لمدة ساعتين في اليوم على الأقل.
اللافت أيضا في مسيرة شاروخان أنه دائما يتحدث ويحلل أسباب الفشل كما يحلل أسباب النجاح، وليست لديه مشكلة في الاعتراف، ووصف هذا وذاك في تصالح مع النفس نادرا ما يتم التعبير عنه بهذه الصراحة في أوساط نجوم السينما العالميين.
ربما هذه الصفات كانت عاملا يضاف إلى الشعبية التي يتمتع بها شاروخان في العالم العربي؛ فيمكن أن نصنف الولع العربي بالسينما الهندية تاريخيا في كفة وظاهرة شاروخان في كفة أخرى. وعندما نعقد مقارنة بسيطة بين إنتاج الكتب باللغة الإنجليزية واللغة العربية عن شاروخان نجد أن الكتب الإنجليزية تناولت الشخصية وحالة الظاهرة والنجومية مثل كتاب "ملك بوليود" للناقدة والكاتبة الهندية أنوباما شوبرا، بينما انخرطت الكتب العربية في التعبير الأدبي والوجداني عن الظاهرة مثل رواية "شاروخان بالعقال" لأمين الشامي وكتاب "البحث عن شاروخان، 40 يوما في الهند" لمهدي مبارك.