السينمائيون والعمل الخيري وقت الأزمات

يقود أبو أحمد سيارته وهو يتحدث في الهاتف مع الشيخ حسن الحسيني ويسأله عن مقدار زكاة ماله، فيخبره أنها 250 ألف ريال. يستغرب أبو أحمد من كبر المبلغ ويحثه الشيخ على أداء هذه الفريضة قبل فوات الوقت، فيطلب مهلة لدراسة الأمر. وقبل أن يصل أبو أحمد إلى وجهته بالسيارة يقع له حادث ينقل على إثره إلى المستشفى قبل يلفظ أنفاسه الأخيرة في فيلم "أمنية" من إخراج محمد راشد الصقر عام 2016.
الفيلم أنتجته مؤسسة قطر الخيرية وعرض على سينما كتارا بالدوحة ضمن جهود التوعية بأهمية العمل الخيري، وهو فيلم درامي قصير بإمكانات إنتاجية محدودة لكن فكرته وتذييله بأنه مستوحى من قصة حقيقة أضفى عليه لمسة مختلفة. وهو نموذج من الأفلام التي أنتجت لأغراض خيرية والتي تبرز العلاقة بين الأفلام والعمل الخيري، كما أنه يقدم إحدى الإجابات عن سؤال دور السينما والسينمائيين قبل وبعد وقوع الكوارث والأزمات الكبرى.
سنركز في هذا المقام على دور السينمائيين، ويمكن تلخيصه في 4 مستويات رئيسة في أنحاء العالم، إذ من المهم رصدها للوقوف على حجم هذا الدور ومن ثم قياس مدى فاعليته وفائدته للعمل الخيري في المقام الأول وللسينمائيين أنفسهم ثانيا.
المستوى الأول: التبرع بالنجومية
يعني أن يظهر النجم إن كان ممثلا أو مخرجا مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية ليدعو للتبرع لها سواء في حملات إعلانية أو حفلات جمع تبرعات. فمن ناحية يضفي وجوده مصداقية على الجمعية وأهدافها، ومن ناحية أخرى يلفت نظر جمهوره العريض إلى وجود الجمعية ويأتي لها بمتبرعين جدد.
أحيانا تستغل بعض المؤسسات الخيرية لا سيما الدولية منها شهرة بعض النجوم للفت النظر إلى بعض القضايا الإنسانية العامة مثل قضايا مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة التي اعتمدت منصبا شرفيا تحت مسمى سفير النوايا الحسنة، وهو منصب يضفي مزيدا من الوجاهة على النجم وتدخل المنظمة شريكا معه في عالم الشهرة والأضواء بغرض تسليط الضوء على بعض القضايا مثل الممثل عادل إمام الذي عينته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سفيرا للنوايا الحسنة من أجل رفع الوعي العام بقضايا اللاجئين في المنطقة العربية.
بعد ذلك عينت منظمة اليونيسيف الممثل أحمد حلمي سفيرًا إقليميًّا في مصر ثم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويعد هذا النوع من العمل الخيري موسميا وفضفاضا إلى حد كبير، فتأثيره عام وواسع ويصعب رصده إلا من خلال آليات معقدة، وتستفيد منه المنظمة كما يستفيد منه النجم في تعزيز شعبيته.

أسست الراحلة شادية قبل اعتزالها مركز "عبد الرحمن بن عوف" الخيري في حي الهرم بالجيزة في مصر الذي يضم مسجدا ودارا لتحفيظ القرآن ومستوصفا طبيا مجانيا، ولا يزال قائما حتى الآن.
المستوى الثاني: التبرع بالمال
وهو أكثر الأدوار شيوعا بين العاملين في الحقل السينمائي سواء أكانوا نجوما أم لا، وسواء قُدّم هذا التبرع في العلن أو في السر. وعادة ما يتخذ شكل التبرع بقيمة جائزة مالية لمصلحة غرض خيري أو لإحدى الجمعيات الخيرية مثلما تبرع الممثل الهندي أميتاب باتشان عام 2018 بتسديد ديون أكثر من 1300 مزارع هندي تجاوزت ديونهم نصف مليون دولار في مسقط رأسه بولاية أوتارا براديش شمالي الهند. والعديد من الممثلين العرب يقومون بهذا على نحو دوري، وهو أيضا نوع التبرعات الموسمية وتأثيره محدود وحجمه الإعلامي ربما أكبر من تأثيره الواقعي وإن كان كل تبرع في حد ذاته محمودا.

المستوى الثالث: العمل التطوعي
وهذا من أهم الأدوار وأكثرها فاعلية لكنه دور نادر وغير شائع، وهو أن يخرج النجم بنفسه ليقدم الطعام أو المساعدة بيديه للمحتاجين كما تفعل الممثلة الأميركية أنجلينا جولي. ويظهر هذا الدور غالبا وقت الأزمات الكبرى، وعادة ما يلجأ المتطوعون من النجوم الغربيين إلى أكثر المناطق مأساوية في العالم للقيام بهذا الدور، وقد قام به أخيرا عدد من النجوم الأتراك إثر فاجعة الزلازل الأخيرة وظهر بعضهم يقوم بأعمال التطوعية مع إحدى الجمعيات الإغاثية. وربما لا يدرك كثيرون أن تأثير هذا الدور أكبر على نفسية النجم رغم أن مجهوده البدني قد لا يعني الكثير للجهة التي يقوم بخدمتها. هذا فضلا عن الدور الدعائي والتوعوي الذي تحمله مشاركته في هذه المهمة.

وهذا المستوى يرتكز بالأساس على ثقافة العمل التطوعي البدني؛ وفضلا عن الجانب الخيري والديني والإيماني فيه فهو أيضا بلسم نفسي شاف للضغوط النفسية التي يتعرض لها الناس في الحياة الحديثة لا سيما النجوم. وهناك كثير من الدراسات والمقالات حول دور العمل التطوعي في الوقاية وعلاج الهشاشة النفسية التي تفرضها طبيعة الحياة الحديثة وأضواء الشهرة.
المستوى الرابع: إنشاء المؤسسات وإدارتها
هو أن يقوم النجم بتأسيس مؤسسة خيرية يشرف على إدارتها وتمويلها لغرض خيري. وهذا المستوى يجمع بين مزايا المستويات الثلاثة السابق ذكرها، إذ يستغل النجم شهرته في جلب التبرعات ويساعد من ماله في إقامة بنيان المؤسسة ويتطوع بالعمل فيها سواء في الجانب الإداري أو الميداني.
تبدو هذه التجربة ضخمة من بعيد لأنها ترتبط بأسماء نجوم كبار خاضوها مثل مؤسسة الممثل الأميركي ليوناردو دي كابريو المعنية بالحفاظ على البيئة. ولكن التجربة ليست بهذه الصعوبة، إذ لا تتطلب سوى التخطيط الجيد لها والشفافية لأن طبيعة العمل الخيري تختلف عن العمل التجاري. وقد أقدمت على هذه الخطوة الممثلة الراحلة شادية قبل اعتزالها إذ أسست مركز "عبد الرحمن بن عوف" الخيري في حي الهرم بالجيزة في مصر الذي يضم مسجدا ودارا لتحفيظ القرآن ومستوصفا طبيا مجانيا ولا يزال قائما حتى الآن.
كل هذه المستويات تصبّ بشكل مباشر وغير مباشر في مصلحة السينمائيين، ولا نبالغ إذا قلنا إن السينمائيين يحتاجون للعمل الخيري خاصة وقت الأزمات ربما أكثر من حاجة العمل الخيري لجهودهم؛ فهي خطوة تقربهم من الناس خاصة أثناء فترات العوز والاحتياج، وهي جزء من حق هذا الجمهور عليهم.
