تنديد كولومبيا وصمت السلفادور.. كيف نقرأ موقف الرئيسين من العدوان على غزة؟!

الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو (رويترز)

يبدو أنّني لم أعد في حاجة للتعريف بالرئيس الكولومبي غوستافو بيترو، بعد أن ملأت صورُه وسائلَ الإعلام العربية، منذ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي، مباشرةً على إثر انطلاق عملية "طوفان الأقصى".

فقد كان أول الرافضين وصفَ حركة حماس بالإرهابية، ولم يكلّ إلى اليوم، عن تذكير العالم بجرائم الاحتلال الإسرائيلي "النازي" حسب تعبيره، الذي دفع حركات المقاومة في غزة للانفجار بتلك الطريقة، إضافةً إلى التصعيد الدبلوماسي الذي اتخذه مع الحكومة الإسرائيلية.

ويبدو كذلك أنه لا ضرورة للتعريف برئيس السلفادور، نجيب بوكيلة، باعتبار شهرة أصوله الفلسطينية لدى العرب. لكن بين هذا وذاك- في الموقف ممّا يحدث في غزة- مسافة إنسانية شاسعة، تستحق التوضيح.

والحاجة إلى طرح هذا الموضوع في الحقيقة، تعود إلى النقد الدولي اللاذع الذي تلقاه الرئيس الكولومبي بيترو في كلمته في قمة المناخ الأخيرة في دبي، واتهامه بإقحام موضوع الدفاع عن غزة في كل المحافل الدولية، في غير موضعه، والتمادي في اتهام الجانب الإسرائيلي بتهم يرى البعض أنَّها مبالغ فيها، على غرار: "الإبادة الجماعية الممنهجة" و"الأساليب النازية".

في المقابل، وتزامنًا مع فعاليات القمة، أعلن رئيس السلفادور غيابه القادم عن منصب الرئاسة؛ تفرغًا لترشحه لمدة رئاسية ثانية في فبراير/ شباط 2024، وذلك امتثالًا للشروط الجديدة في القانون الانتخابي.

واللافت هنا أن الرئيس بوكيلة، اكتفى بنشر تغريدة متسرّعة يوم انطلاق عملية "طوفان الأقصى"، ولم يعد للتعليق على الموضوع الذي شهد تطورات مثّلت أهم أحداث العالم.

وقال في التغريدة التي نشرها باللغتين: الإسبانية والإنجليزية: إن حماس لا تمثل الفلسطينيين، وإنه من الأفضل أن تختفي إلى الأبد. واصفًا عناصر حماس بـ "الحيوانات المتوحشة"، ومعتبرًا أن كلّ من يدافع عنها، يصطف في النهاية إلى جانب المجرمين. وكانت إشارته يومها تُلمّح إلى تغريدات الرئيس الكولومبي. فهما كانا وما زالا يعيشان حربًا كلامية على منصة "X"؛ بسبب اختلاف أيديولوجيتهما.

عدم إغضاب اسرائيل

لم يكن من المنتظر أن ينصر الرئيس بوكيلة أهالي غزة، إذا عدنا إلى مواقفه السابقة المخيّبة من القضية. لكن شيطنة حماس، بذلك الوصف، كانت قاسية ومخجلة حتى لسُمعة والده المهندس الفلسطيني اللامع، الذي اعتنق الإسلام في السلفادور، وقام ببناء مساجد عديدة في البلاد، وكان خير نصير للقضية الفلسطينية.

لكن يبدو أنّ ابنه الذي نال بركات القرار الإسرائيلي الأميركي- عندما زار تل أبيب بدعوة من رئيس بلدية القدس نير بركات في 2018، وبعدها بسنة واحدة، فاز برئاسة السلفادور- أصبح حريصًا على عدم إغضاب إسرائيل، وهو على بُعد شهرين فقط من احتمال انتخابه لفترة رئاسية ثانية.

الغريب في الأمر، أن الرئيس بوكيلة لم يأبه، بموقفه الأخير، لأصوات الجالية الفلسطينية المقدرة بـ 100 ألف في بلد يبلغ عدد سكانه حوالي سبعة ملايين.

كما لم يعوّل عليهم في الانتخابات السابقة، عندما نشر صور زيارته إلى تل أبيب بكل سعادة، وهو يقوم بممارسة الطقوس اليهودية برفقة شخصيات إسرائيلية، وعلى حائط المبكى، وفي متحف الهولوكوست.

وكانت الصحافة الإسرائيلية، وقتذاك، قد نشرت مقالًا لم يخلُ من التشفّي، بعنوان: "والده كان إمامًا، وزوجته لديها أصول يهودية، وهو اليوم أمام حائط المبكى".

وبالتالي، فإنه يكاد من المستحيل أن يندّد الرئيس بوكيلة- في هذه الفترة الحرجة بالنسبة له- بما تقترفه إسرائيل من جرائم حرب في حق المدنيين في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية؛ لاسيما أن ترشحه لفترة ثانية، يعتبر سابقة في تاريخ بلاده. فالقانون في السلفادور كان يمنع منح أي شخص شغل فترتَين رئاسيتَين متتاليتَين، لكن تفاصيل يطول شرحها، يمكن تلخيصها بالخدعة الدستورية مكّنت الرئيس بوكيلة من الترشح من جديد.

الرئيس الكولومبي وموقفه الشجاع

على الجانب الآخر، وفي الوقت الذي يكافح فيه الرئيس الكولومبي بيترو مكائد المعارضة كل يوم في بلاده، لايفوّت الرجل مناسبة محلية أو دولية إلا ويشير إلى الحرب على غزة، ويندّد بإجرام الاحتلال الإسرائيلي على غرار تغريدته السبت الماضي، التي قال فيها: "يقولون إن هذه ليست بنازية! قتل 5300 طفل وطفلة فلسطينيين ممارسة نازية، رغم عدم إعجاب ضمير الغرب بهذه الحقيقة".

وآخر هذه المناسبات، مشاركته في قمة المناخ في دبي هذا الشهر، حيث رأى أغلب الإعلام الكولومبي أن الرئيس بيترو لايُقدّر أهمّية الفعاليات الدولية التي يحضرها بوصفه رئيسًا لكولومبيا، لا مُحاميًا للفلسطينيين.

واتهمته بعض المواقع بأنه دخل مرحلة الهذيان في الدفاع عن أهل غزة، مُشيرة إلى أن الوقت المخصص لكلمته في قمة المناخ كان محددًا بثلاث دقائق، مدّدها هو لتسعٍ، لـ"إقحام" موضوع الحرب على غزة، وربطه بظاهرة عدم المساواة وتنامي ظاهرة الهجرة من الجنوب نحو الشمال كنتيجة للتحولات المناخية.

ومثّل تشبيهه لما يحدث في غزة بالمثال الأوضح لحضور فكرة هتلر، وتنفيذ سياسته النازية وسط صمت القوى الصناعية الكبرى، النقطة التي أجّجت غضب المعارضة وحذَّرته من خلق أزمات دبلوماسية مع بعض الدول الصديقة، على غرار الرفض الذي نشرته الخارجية الألمانية، لتصريحاته التي ربط فيها بين تداعيات أزمة المناخ، عبر ظاهرة الهجرة، والمعاناة في غزة ومقارنتها بالفترة النازية.

وللأمانة، لم يكن الحديث عن القضية الفلسطينية في مشاركات الرئيس بيترو في الفعاليات الدولية وليد "طوفان الأقصى"، بل كان هذا موضوعًا حاضرًا حتى قبل توليه رئاسة كولومبيا في أغسطس 2022.

فقد كان يذكّر الحاضرين في أغلب الفعاليات بازدواجية معايير الغرب في التعاطف ودعم الشعب الأوكراني وقيادته، ضد الغزو الروسي، مقابل السكوت عن جرائم إسرائيل التي تقترفها يوميًا في حق الشعب الفلسطيني الأعزل.

لكن هذا الخطاب، ورغم اعتراف الجميع به في السرّ، فإن الجهر به مزعج، لاسيما في قاعات الأمم المتحدة. وما زالت وسائل إعلام المعارضة الكولومبية إلى اليوم تحتفي بمشهد الحضور المنسحب مع بداية كلمة الرئيس بيترو في آخر اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، على اعتبار أنه "هذيان"، كما تصفه!

عندما فاز الرئيس بوكيلة برئاسة السلفادور في 2019، نشرت شبكة القدس الإخبارية مقطعَ فيديو قصيرًا عن مسيرته، بعنوان: "ليس كل ما يلمع ذهبًا"؛ للتعبير عن خيبة الفلسطينيين في ابنهم، فلم يكن أحد يتوقع في ذلك الوقت أن الدعم والتعاطف والنصرة قد تأتي من الغريب الكولومبي أو البوليفي أو البرازيلي، في تلك القارّة النائية، لا من الأقارب!

رئيس السلفادور أمام حائظ البراق (المبكي)، جذور فلسطينية والتوجه صهيوني (الصحافة الإسرائيلية)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان