"حلّل يا دويري".. المعنى والعلاقة برسالة "أبوعبيدة"
"حلّل يا دويري"؛ نداء أطلقه بأعلى الصوت مقاتل من أبطال المقاومة الفلسطينية البواسل في قطاع غزة؛ فرحًا، وسعادةً بما أنجزه باستهداف عشرة جنود لجيش الاحتلال متحصنين في بناية بمنطقة "جحر الديك"، وإيقاعهم بين قتيل وجريح.
الدنيا كلها، سمعت المُقاتل قاصدًا، مُناداة الخبير العسكري الأردني اللواء فايز الدويري، الذي يطل مرات عديدة يوميًا من شاشة "قناة الجزيرة" التي اختارت- دائمًا- الوقوف بما لها من ثقل إعلامي، إلى جانب الشعب الفلسطيني، ومقاومته، في قضيته العادلة، دون التخلّي عن المهنية والموضوعية والرصانة.
المقاوم البطل المُنادي للدويري، من مقاتلي "كتائب القسام"، الذين أنهكوا- مع سرايا القدس- جيشَ العار الإسرائيلي، الذي لا يُتقن سوى قتل المدنيين العُزل؛ من الأطفال والنساء والشيوخ، والتنكيل بهم؛ بينما جنوده يفرون مذعورين تحت ضربات المقاومة.
إيمان بعدالة القضية
"الدويري"، استدعته قناة الجزيرة، للمتابعة والقراءة العسكرية الآنية لمجريات، ومآلات "العدوان الصهيوني" الغاشم على القطاع. الرجل (الدويري)، يُنجِز المُهمة على أكمل وجه، بما يمتلكه من خبرةٍ وعلم عسكريَين، ومعرفة واسعة بـ "القضية الفلسطينية"، وإلمامٍ عميق بها، وبتاريخها، وإيمانٍ بعدالتها، وشرعية المقاومة.
خلاصات تحليل "الدويري"، مبنية على أسس فنية وعسكرية، بعيدًا عن العاطفة، لا سيما أنه على إدراك بالتكوين التربوي، والعَقَدي للمقاوم الفلسطيني الذي لا يهاب الموت.. مقابل الجُندي الإسرائيلي المرعوب، والمهزوم معنويًا، رغم تحصّنه داخل آليات فائقة الحماية والتدريع.
ضرب الروح المعنوية للاحتلال
فصائل المقاومة في غزة، ضمن خطتها الإعلامية، وحربها النفسية على الجيش والمجتمع الإسرائيلي، لجأت للتوثيق بمقاطع فيديو لبعض هجماتها وعملياتها العسكرية، والكمائن، والفخاخ التي تنصبها لجنود الاحتلال وآلياته، حيث لا يمكنها ميدانيًا، تصوير كل الضربات.
التوثيق بمقاطع الفيديو، وإن كان كافيًا لإثبات المصداقية، وضرب الروح المعنوية للاحتلال، ورفع معنويات الشعب الفلسطيني والعربي والمسلم، إلا أن هذه المقاطع- التي تستغرق دقائق، أو ثوانيَ- ليست كافية لبيان الجهود الجبارة- الخفية عن الجمهور- التي تسبق تنفيذ أي عملية.
هنا، تأتي "مهمة الدويري"، تفسيرًا، وتشريحًا، لبطولات، وشجاعة وبسالة، وبأس، وجسارة رجال "المقاومة". كذلك، بيان ما هو خفي، وسابق لعمليات المقاومة، من أمور فنية عسكرية؛ تخطيطًا، واستطلاعًا، وجمعًا وتحليلًا للمعلومات عن تحركات جيش الاحتلال، ثم إعداد واختيار السلاح المُلائم؛ لاستهداف الجنود، سواء كانوا متحصنين داخل آلياتهم، أم بنايات أو راجلين، أو الإيقاع بهم في كمائن، وأنفاق مفخخة.
الهندسة العكسية ومحاكاة القذائف
الخبير العسكري الدويري في هذه المهمة الإعلامية، يأخذنا إلى "الهندسة العكسية"، شارحًا بأنّها محاكاة لقذائف، أو أسلحة لا تملكها "المقاومة"، بتصنيع مثيلات لها، في طريقة عملها، ووظيفتها، بل تفوّقها أحيانًا، بمراعاة نقاط الضعف الكامنة في آليات الاحتلال.
يلفت "الجنرال الأردني" نظرنا إلى تواضع تكلفة تصنيع هذه الأسلحة، بمكونات محلية، تحت الحصار الخانق منذ عام 2005، فـ "صاروخ المقاومة"، تكلفته عدة آلاف من الدولارات، تتصدى له "القبة الحديدية" الإسرائيلية، بصاروخ يتكلف مليون دولار، وأكثر في بعض الأنواع، والحالات.
ويضرب للمشاهدين أمثلة كثيرة؛ شارحًا في تبسيط مواصفات عبوّة "شواظ"، المُصنعة محليًا؛ لتفجير "الآليات، وتقنية العمل، والمسافة الفاعلة لقذائف "تي بي جي" لتفجير البنايات، والياسين 105 لضرب الآليات، وغيرها، على شاكلة مُسيرات المقاومة التي تستهدف عموديًا الآليات، والأفراد.
ارتباك الرواية الإسرائيلية
الخبير الدويري، لا يفوته دائمًا، التذكير، بأنّ المقاومة بإمكاناتها المحدودة، وضرباتها، تهزم جيش الاحتلال- حتى الآن على الأقل-، وتحول دون انتصاره.
في إطلالاته اليومية، على فضائية "الجزيرة"، منذ "طوفان الأقصى، يشدّد الدويري على سيطرة المقاومة، وتماسكها، ويبرهن على أن لها اليد العُليا؛ استنادًا إلى جهوزيتها؛ بدليل إحباطها عمليةَ تحرير جندي إسرائيلي أسير لديها، واستمرارية عملياتها النوعية، وإيقاعها الخسائر يوميًا في الجُند والعتاد، لجيش الاحتلال بمناطق الاشتباك كافةً.
كما يُسلط الدويري الضوء على هوان الجيش الإسرائيلي، (الرابع عالميًا في التكنولوجيا العسكرية)، كاشفًا ارتباك "روايته العسكرية"، والطابع التمثيلي لمقاطع الفيديو التي يبثها؛ على شاكلة إطلاق جنوده النار على "جدران مدرسة مهجورة"، والسلوك المشين بتعرية المدنيين والتنكيل بهم؛ زعمًا بأنهم مسلّحون.
الانهزاميون ودعاة التطبيع
"اللواء الدويري"، في تحليله "المهني" لما يدور في غزة، من منظور عسكري، إستراتيجي، يبث الأمل وينشر الرجاء والثقة بأنَّ انتصار المقاومة قادم، لا محالة، على عكس ما يروّجه الانهزاميون العرب ودعاة التطبيع. وهو في هذا يتماهى، في مهمته، مع رسالة "أبوعبيدة"، وبياناته المُحملة بمعاني القوة، والعزة، والبطولة، والكفاح، وفي علاقة تكاملية معها، ومع المقاومة بعملياتها المؤلمة للاحتلال الصهيوني، وهي رسائل ينتظرها الشارع العربي والإسلامي، ويتلقاها بلهفة.
مسيرة عسكرية
لا يميل "الجنرال الدويري"، لاستخدام مُصطلحات مُقعرة، ومفردات أجنبية غير مفهومة، مُنفّرة للمشاهدين، بل يلجأ إلى شرح الأمور الفنية والعسكرية التي يتناولها، في سلاسة ويسر مُفعمين بالاحترام والتقدير والإجلال لمقاتلي المقاومة، والفخر بعقولهم التخطيطية والتصنيعية الفذّة، وعزائمهم التي لا تلين، وجهادهم في سبيل الله، وقضيتهم العادلة.
اللواء فايز الدويري (71 سنة)، أردني المولد، والجنسية، صاحب مسيرة عسكرية وأكاديمية ثرية.. وصل إلى منصب قائد كلية الأركان الأردنية برتبة لواء، قبل الإحالة إلى التقاعد في عام 2005، ثم حصل على درجة الدكتوراه في فلسفة التربية من الجامعة الأردنية.
النداء (حلل يا دويري)، فجّر ينابيع الإعزاز والتقدير التي يكنّها ملايين العرب والمسلمين لـ "اللواء الدويري"، ومهمته الجليلة، ويعني أن رسالة الدويري وصلت، وأن المقاومة تثمّن دوره، وتدعوه للاستمرار عبر شاشة "الجزيرة".
المجد للمقاومة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.