سفير الجمهورية التركية في دولة قطر د. مصطفى كوكصو يكتب بمناسبة الذكرى المئوية للجمهورية:
* تركيا على موعد مع النهضة الشاملة في القرن الجديد • نشعر بالفخر بتضحيات مواطنينا .. وعازمون على تحديث دولتنا ورعاية مصالح شعبنا • قمنا بتصنيع سلاحنا محليًا .. وتركيا اليوم أصبحت مصدر إلهامٍ على الصعيد العالمي •نسعى لتوسيع تعاوننا مع الدول العربية الشقيقة التي تربطنا بها حقائق الجغرافيا وقواسم الدين والثقافة المشتركة
نحتفلُ اليوم بالذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركيَّة، ونستذكر- بمزيدٍ من الاعتزاز والفخر في هذا اليوم- الغازي مصطفى كمال أتاتورك، مؤسّس تركيا الحديثة، ورفاقه في السلاح، الذين ساهموا في انتصارات حرب الاستقلال، التي مهّدت قبل قرن من الزمان إلى تأسيس الدولة التركية.
قامَ "مجلس الأمّة التركي" بإعلان قيام الجمهورية التركيّة، وإرساء أسس الدولة الديمقراطيّة الحديثة في 29 أكتوبر 1923، ومنذ ذلك اليوم، خضعت تركيا لإصلاحات سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة شاملة وبعيدة المدى، ما رسَّخ مكانتها بين الدول الديمقراطية والحديثة في العالم.
واليوم- ومع حلول الذكرى المئوية للجمهوريّة- نشعر بالفخر ببلدنا وبكل مواطن من الـ 85 مليون نسمة، ونحن عازمون كل العزم على تحديث دولتنا، ورعاية مصالح شعبنا، ولن نفرّط في إرث الأجداد الذين بذلوا كل غالٍ ونفيسٍ، لننعمَ بالأمن والرخاء والحُرية التي نعيشها اليوم، سنواصلُ مسيرة التحديث، التي تولّاها فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي طالما حرص على تحقيق أهدافنا التنموية لعام 2023، وسنمضي في مسيرتنا لبعث الأمل للأجيال القادمة، ومنحهم الفرصة لتحقيق رؤيتَي 2053 و2071.
تركيا مصدر إلهام عالميّ
تقفُ الجمهوريّة التركية اليوم على أقدام راسخة؛ لأنّها تستند إلى بيئة ديمقراطيّة قوية، واقتصاد متنامٍ، وتتمتّع باستقلال في سياستها الخارجيّة، واعتماد على الذات في مصادر التسلّح والقدرات الدفاعيّة، ما جعل العالم أجمع يشهد بكفاءتها وتطوُّرها، وحين تخلّى عنا البعض وقيّدوا تزويدنا بالسلاح الذي نحتاجه لأمننا، قمنا بتصنيع سلاحنا محليًا بكفاءة أعلى وتكلفة أقلّ، حتى أصبحت تركيا اليوم مصدر إلهامٍ ليس في المِنطقة فقط، ولكن على الصعيد العالميّ كذلك.
وتتزامن الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية مع اشتعال الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وخاصة قطاع غزّة المحاصر منذ أكثر من 16 عامًا، وفي هذا الصدد، شدّد الرئيس رجب طيب أردوغان على ضرورة وقف إطلاق النار، وإدانة استهداف المدنيين، وتقف تركيا دائمًا إلى جوار حقوق الشعب الفلسطينيّ التاريخيّة في إقامة وطن مستقلّ عاصمتُه القدس الشرقية، وفي هذا الإطار ننسّق جهودنا مع دولة قطر الشّقيقة، ونشاركها السعي الدائم والعمل الدؤوب لنيل الشعب الفلسطينيّ حقوقَه، كما تنصّ قرارات الشرعية الدولية والأمم المتحدة.
كما تواصل تركيا القيام بواجبها في محيطيها: الإقليميّ والدوليّ، وقد لعبنا دورًا محوريًا في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا في تبادل الأسرى بين طرفَي النزاع، ما أكسبنا مصداقية من كلا الطرفَين، ولا تزال حكومتنا- بقيادة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان- تبذل كلّ جهد دبلوماسي لحلّ هذا النزاع الخطير الذي ترك تداعيات على الأمن الغذائي، وأمن الطاقة العالميّ.
دور تركيا الإنسانيّ
تستمرّ تركيا في القيام بواجبها الإنساني والأخلاقي بالوقوف مع المظلومين لنيل حقوقهم، وقدَّمت تركيا مساعدات طبية وإنسانية عاجلة وصلت إلى مطار العريش في جمهورية مصر العربية الشقيقة، في طريقها لإغاثة أهالي غزّة التي تشهد حربًا طالبت دول العالم الحرّ بوقفها على الفور في تصويت تاريخيّ للجمعيّة العامة للأمم المتحدة، أيّدته تركيا بشكل مطلق.
كما تواصل تركيا استضافةَ أكثر من 4 ملايين سوري، تحت وضع الحماية المؤقتة، إضافةً إلى أكثر من 4 ملايين مدني في شمال غرب سوريا يتشبّثون بالحياة بفضل المظلّة الأمنيّة التي توفّرها بلادنا، بالتّعاون مع المانحين الدوليين والشركاء الإقليميّين، وعلى رأسهم دولة قطر الشّقيقة، ذات الأيادي البيضاء التي يشهد لها الجميع.
كما أننا نقدم مساعداتنا الإنسانية إلى أفغانستان وسوريا والصومال، فضلًا عن مناطق الصراع والأزمات في مختلف مناطق العالم.
مكانة دوليّة مرموقة
لا تزال العضويةُ الكاملة في الاتحاد الأوروبي واحدةً من الأهداف الاستراتيجية الرئيسية لتركيا، وعلاوةً على ذلك، نحن ضالعون في الحوار في "منظمة شنغهاي للتعاون" (CSO)، وتركيا عضو مؤسِّس في "مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا (CICA)"، وشريكة الحوار في "رابطة أمم جنوب شرق آسيا" (آسيان).
وبينما تقوم بتركيا بدورها كعضوٍ نشطٍ في الهيكل الأمنيّ الأوروبيّ- الأطلسي، تعي في الوقت ذاته عمقَ تاريخها وحضورها في الشرق الأوسط، فنحن تصلنا بالدول العربيّة حدود بريّة هي الأطول من بين مختلف دول الجوار، ونسعى لتوسيع تعاوننا مع العديد من الدول العربيّة الشقيقة، التي تربطنا بها حقائقُ الجغرافيا، ووَشَائِجُ الدِّين، وقَواسمُ الثقافة المشتركة.
الشراكة الاستراتيجيّة بين تركيا وقطر
ضمن إطار التعاون الأوسع، سعت تركيا لعقد شراكة استراتيجيّة مع العديد من الدول الشقيقة، إلا أنّ التعاونَ الثنائيَّ بين تركيا وقطر يكتسب أهمية قصوى للطرفَين، وتضاعف حجم التنسيق بين حكومتَي قطر وتركيا خلال السنوات الماضية، ونحن ملتزمون بالحفاظ على الزّخم الحالي وتعزيزه في جميع المجالات وبرؤية استراتيجيّة طويلة الأجل.
ونترقّب الاجتماع التاسع للجنة الاستراتيجيّة العليا التركية- القطرية المشتركة، الذي يتوقع أن ينعقد بتاريخ 4 ديسمبر القادم في الدوحة، برئاسة صاحب السّموّ الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني، وفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، ليعطي ثباتُ انعقاد اللجنة مثالًا على الالتزام القويّ للقيادة السياسية للبلدَين في الاستثمار الدائم في عَلاقاتنا الاستراتيجية المتينة.
وتظهر أرقام التبادل التجاري ارتفاع حجم التجارة بين قطر وتركيا إلى مليارَي دولار في عام 2023، بزيادة قدرُها 100% مقارنة بالسنوات الخمس السابقة، وأصبحت تركيا الدولة السابعة التي تستورد منها قطر منتجات وخدمات أكثر من غيرها.
تخطي الأزمات
نحن ممّتنون لقطر لمساهمتها الإنسانية الفاعلة في الوقوف مع شعبنا خلال أزمة الزّلزال المّدمر الذي ضرب جنوب البلاد في السادس من فبراير الماضي، وقد أقامت قطر جسرًا جويًا للمساعدات الإنسانية، وتبرّعت بما يصل إلى 10 آلاف مسكن جاهز لإيواء المتضرّرين.
كما أننا سعداء بتعاوننا في تأمين الحدث الضخم لبطولة كأس العالم التي أثبتت اقتدار قطر وقدرتها على إقامة أحداث وفعاليات ضخمة، ونهنّئها على إقامة معرض إكسبو قطر 2023 الذي نشارك فيه بجناح مميز للجمهوريّة التركيّة، وسنعمل على زيادة تعاوننا الثقافيّ والاقتصادي مع دولة قطر الشقيقة.
وختامًا، وبمزيدٍ من الفخر، أهنئ مواطنينا الأعزّاء بهذا اليوم السعيد، وكلي ثقة بأنّ تركيا على موعد مع النهضة الشاملة، في القرن التركيّ الجديد.
كما أنقل تقدير شعبنا لدولة قطر والمواطنين القطريين الذين أعربوا عن سعادتهم ودعمهم للجمهورية التركيّة في هذه المناسبة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.