لماذا أنكر "نتنياهو" علمه بهجوم حماس؟

كلمة نتانياهو قبل قليل
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (الجزيرة)

لماذا أنكر رئيس وزراء الكيان الصهيونيّ بنيامين نتنياهو علمه المسبق باحتمال تعرّض الغلاف الحدوديّ مع قطاع غزّة لهجماتٍ من فصائل المقاومة الفلسطينيّة، وعلى رأسها حماس، رغم تأكيد ذلك من مصادر عديدةٍ؟ وإذا صدق نتنياهو في إنكاره؛ لماذا لم يتخذْ إجراءاتٍ رادعةً للهجوم، بعد أنْ علم به منذ بدايته في الساعة 6:25 من صباح يوم السبت 7 أكتوبر 2023م، وتأخّر في مخاطبة شعبه حتّى الساعة 11 صباحًا؟ ولماذا أمر بنقل كتيبتين من الكتائب الثلاث المسؤولة عن حماية الشّريط الحدودي مع قطاع غزة إلى الضفة الغربية؟ وما علاقة إقامة مهرجان "الغيبوبة" الموسيقيّ البرازيليّ داخل الشريط الحدودي رغم ضعف الاحتياطات الأمنية؟

أمر نتنياهو بإعادة نشر كتيبتين من الكتائب الثلاث بغلاف قطاع غزّة؛ في الضفة الغربيّة لتوفير الأمن لعيد العرش اليهودي الذي صادف الأسبوع السّابق للهجوم

كشف الكذب

المعلومات التي تتابعتْ بعد يومين من وقوع الهجوم، تؤكّد علم قيادة الكيان الصهيوني وأجهزة استخباراته، بقرب حدوث عملٍ كبيرٍ وعنيفٍ في قطاع غزّة ضدّ الشريط الحدوديّ الشرقيّ الشمالي مع الكيان الصهيونيّ. ومع ذلك غضّت القيادة الصهيونية واستخباراتها الطرف عن هذه المعلومات التي أنكرها نتنياهو ووصف الأخبار التي تتناقلها بأنّها محض افتراء، وفيما يلي طرفٌ من هذه الأخبار المتضافرة التي لا تدع مجالًا للشكّ في صحّة معلوماتها:

إعلان

نشرت وكالة "أسوشيتدبرس" للأنباء يوم الإثنين 9 أكتوبر 2023م نقلًا عن مسؤولٍ في جهاز الاستخبارات المصرية طلب عدم الكشف عن اسمه؛ أنّه "تمّ تحذير (إسرائيل) مرارًا من أنّ انفجار الموقف قادمٌ، وقريبٌ جدًا، وسيكون كبيرًا، ولكنّهم قلّلوا من شأن هذه التحذيرات". وفي اليوم التّالي، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركيّة، عن أحد كبار مسؤولي الأمن الصهيونيّ قوله: "قبل فترة قصيرة من تدفّق المهاجمين إلى الشريط الحدودي فجر السبت الماضي، اكتشفت المخابرات (الإسرائيلية) أنّ هناك شيئًا غير عادي يحدث، وأرسلوا تنبيهًا إلى الجنود الذين يحرسون الحدود في غزة، ولكنّ التحذير لم يتمّ التعامل معه". وقد أكد ذلك للصحفيين عضْو مجلس النواب الأميركي مايكل ماكّاول، رئيس لجنة الشؤون الخارجيّة بالمجلس بعد اجتماعه المغلق بالمشرّعين حول الهجوم؛ بقوله: إنّ "(إسرائيل) تلقت تحذيرًا من مصر حول أعمال عنف متوقعة قبل ثلاثة أيام من الهجوم"، وفقًا لوكالة الأنباء الفرنسيّة يوم الأربعاء الماضي.

وهنا يبرز السؤال الكبير: لماذا أمر نتنياهو بنقل كتيبتين من الكتائب الثلاث المسؤولة عن تأمين الشريط الحدودي الشرقي الشماليّ مع قطاع غزّة، والذي يبلغ طوله حوالي 51 كم؟ فقد نشرت وكالة "تاس" يوم 12 أكتوبر 2023م نقلًا عن الصحفي الاستقصائي الأميركي الشهير "سيمور هيرش" وفقًا لمصدرٍ إسرائيليّ مخضرم في الأمن القومي الصهيونيّ لم يذكر اسمه، أنّ نتنياهو أمر بإعادة نشر كتيبتين من الكتائب الثلاث في الضفة الغربية لتوفير الأمن لعيد العرش اليهوديّ الذي صادف الأسبوع السابق للهجوم، مشيرًا إلى أنّ المصدر الإسرائيليّ ألقى باللائمة على نتنياهو في هذا القرار.

وهذا يدفعنا إلى السؤال عن الدافع وراء تنظيم مهرجان يونيفيرسو باراليللو (Universo Paralello) الموسيقيّ في مستوطنات الغلاف مع قطاع غزّة، رغم ضعف الاحتياطات الأمنيّة، وعلم القيادة الإسرائيليّة باحتمال وقوع هجمات من فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة ضد الغلاف الحدودي، وهي فرقةٌ برازيلية مشهورة بتقديم موسيقى (الغيبوبة) تمّ استضافتها لأوّل مرّة في دولة الكيان الصهيوني، ضمن فعاليات الاحتفال بنهاية عيد "العرش" (Sukkot). وقد انطلق المهرجان في تمام الساعة 10 من مساء يوم الجمعة، واستمرّ حتّى الساعة 6:30 من صباح السّبت، حيث تعرّض لهجومٍ من مقاتلي حماس، سقط فيه العشرات من القتلى والجرحى. قد يكون توقيت المهرجان جاء مصادفةً، ولكنّ حجم الحدث وما يصاحبه من غموضٍ، يدعونا إلى التوقّف عند كل حركةٍ وسكنة، من أجل الاقتراب من الحقيقة، خصوصًا أنّ المهرجان يقام للمرّة الأولى، والمنطقة دائمة التوتر، ولا يوجد أيّ مقوّمات استثنائيّة تدعو لإقامة المهرجان فيها.

إعلان

أحداثٌ ووقائع كثيرة تقف أمامها مئات الأسئلة، في انتظار الإجابة عنها لمعرفة حقيقة ما دار فيها، ومعرفة لماذا أنكر نتنياهو تلقيه معلوماتٍ مسبقةً عن الهجوم، ولماذا لم تسارع قوات الجيش إلى التدخّل المباشر لصدّ الهجوم فور وصول المعلومات إليها بالمستوى اللازم الذي يتناسب مع إمكاناتها وقدراتها وتجهيزاتها القتاليّة. إنّ الإجابة عن هذه الأسئلة قد تظهر في الأيام والأسابيع القريبة القادمة، وقد لا تظهر مطلقًا، وتبقى دفينةً في التقارير السرّية للمخابرات الصهيونيّة، وتحت تراكم الروايات المفبركة فوق الحقيقة، على نحو ما قامت به الولايات المتحدة في إغلاق ملفّ "هجمات 11 سبتمبر".

ومع ذلك فإنّ هذه النقاط التي استعرضناها تعزّز احتمالات علْم القيادة الصهيونيّة برئاسة نتنياهو بالهجوم، وربما بتوقيته، وتؤكّد على أنّ هناك الكثير من الحقائق التي مازالت غامضةً حول حقيقة الخطّة التي أعدّها نتنياهو للقضاء على حركة حماس.

إنّ تحقيق هدف القضاء الشامل على حركة حماس يمثل تحديًا إستراتيجيًا للكيان الصهيوني وشركائه ينتظرون تحقيقه بفارغ الصبر، كما أنه يمثل تحديًّا وجوديًا بالغ الخطورة لحركة حماس لن يترك لها الكثير من الخيارات، وسيدفعها إلى الاستبسال حتى آخر طلقة وآخر رمق لإفشال الهدف

أهداف قذرة مشتركة

أعلن نتنياهو أنّ الهدفّ الإستراتيجيّ من العمليّة العسكريّة الإجراميّة الجارية ضدّ قطاع غزّة؛ هو القضاء على حركة حماس. وهو الهدف الذي يعتبر هدفًا مشتركًا للكيان الصهيونيّ والدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وبعض شركائه الإقليميين. يلي هذا الهدف مجموعةٌ أخرى من الأهداف الكبرى التي تتجاوز بكثيرٍ هدف القضاء على حركة حماس، وفي مقدمتها:

الاستيلاء على بقية الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة عام 1967م، وقد أظهرت ذلك بكلّ وضوح الخريطة التي عرضها نتنياهو الشهر الماضي في اجتماعات الجمعيّة العامة للأمم المتحدة، وتغطّي جميع مساحة فلسطين دون وجود الضفة الغربيّة وقطاع غزّة. التخلّص من مشروع الدولة الفلسطينيّة، وإيجاد حلول إنسانيّة للسكّان الفلسطينيين بمساعدة الدول الغربية والعربية. فرض الاستقرار السياسيّ والأمنيّ في الشرق الأوسط، بما يسمح بتنفيذ المشروعات الاستثمارية الكبرى التي يشتمل عليها مشروع الشرق الأوسط الجديد. زيادة هيبة الكيان الصهيونيّ في الشرق الأوسط، وتعزيز دوره الريادي والقياديّ فيه.

إعلان

وحيث إنّ الأطراف المشتركة في تحقيق هدف القضاء على حركة حماس؛ تعتبره شرطًا أساسيًا لتحقيق الأهداف الأربعة السابقة، وخاصةً في ضوء التقدم والتحديث المتواصل للقدرات العسكريّة والقتالية لكتائب عزّ الدين القسام، الجناح العسكري للحركة، والتي أذهلت العالم باقتحامها الشريط الحدوديّ مع قطاع غزّة، والذي أسفر عن آلاف القتلى والجرحى والأسرى في صفوف القوات الصهيونيّة والمستوطنين، ومن هنا قام نتنياهو باستثمار هذا الهجوم لإنجاز هدف القضاء على حماس، واضعًا نصب عينيه ما يأتي:

حاجة الكيان الصهيونيّ الماسّة للتخلّص نهائيًا من حركات المقاومة الإسلامية وعلى رأسها حركة حماس، لتعزيز الأمن الداخليّ، واستكمال مسلسل اتفاقيات التّطبيع مع الدول العربية، وما يصاحبها من مشروعات استثمارية كبرى. حاجة الكيان الصهيونيّ إلى ذرائع قويةٍ تبرّر له أمام المجتمع الدوليّ -ولو شكليًا- حجم الدمار والقتل والجرائم التي سيقوم بها أثناء عملية الاستئصال الشاملة لحركة حماس من قطاع غزّة، حتى لا يتعرض للضغط الذي كان يتعرض له في الجولات السابقة. وقد رأينا شدّة التضامن الأميركي والغربي غير المسبوق مع الكيان الصهيوني، بصورة جعلتهم لا يأبهون لجحيم الدمار الماحق الذي يقوم به ضد المدنيين في قطاع غزة، ويتسابقون بإعلان الالتزام الكامل بالدفاع عن الكيان الصهيونيّ، بل والقيام بذلك عمليًا على نحو ما فعلتْه الولايات المتحدة وبريطانيا. كون حماس تنتمي فكريًا لجماعة الإخوان المسلمين، وهي مصنّفة تنظيمًا إرهابيًا في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وعددٍ من الدول العربية والغربية، لذا يدخل استئصالها ضمن الحرب الدوليّة المعلنة على الإرهاب، وسيقابل استئصالها باستحسانٍ كبيرٍ لدى الدول الغربية وعددٍ من الدول العربية، مثلما حدث في عددٍ من الدول العربية بعد أحداث الربيع العربي، بل وحتى استحسان بعض الأطراف الفلسطينية التي تنتظر بفارغ الصبر للتخلص من خصم سياسي يستحوذ على معظم المشهد الفلسطيني.

إعلان

إنّ نجاح الكيان الصهيونيّ في تحقيق هدفه بالقضاء الشامل على حركة حماس بات يمثّل تحديًا إستراتيجيًا له ولشركائه الذين ينتظرون إنجازه على أحرّ من الجمر. كما أنّه يمثل تحديًّا وجوديًا بالغ الخطورة لحركة حماس، لن يترك لها الكثير من الخيارات، وسيدفعها إلى الاستبسال حتّى آخر طلقة وآخر رمقٍ، من أجل إفشال الهدف وإحراق آخر ورقة في يد نتنياهو قبل أن يتمّ شطبه سياسيًا وإدانته في محكمة التّاريخ، ليس على أيدي حماس فحسْب، وإنما بأيدي أبناء شعبه الذين غرّر بهم، وألبسهم أقنعة الوهم، وساقهم إلى أودية الجحيم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان