بعد "طوفان الأقصى".. ملامح الصفقة القادمة لتبادل الأسرى
تستحق عملية "طوفان الأقصى" أن نطلق عليها وصف حرب، فسماتها ونتائجها تفوق ما حققته مواجهات بين الجيوش العربية وإسرائيل، وتداعياتها ستستمر فترة من الزمن، ولكننا في هذا المقال نقف لنبحث أثرا واحدا يمكن أن ينجم عن هذه العملية ونتساءل: هل هناك صفقة قادمة لتبادل الأسرى؟
حسب المعلومات المتاحة، هناك اختلاف كمي ونوعي كبير في عدد الأسرى الإسرائيليين في أيدي عناصر المقاومة الفلسطينية، فهم هذه المرة بالعشرات، ويقول الفلسطينيون إن من بينهم معظم ضباط قيادة المنطقة الجنوبية في إسرائيل وقائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي، إضافة إلى أعداد من المدنيين.
والمؤكد أنه بعد تأمين أماكن احتجاز هؤلاء سيكون من الضروري أثناء الاتفاق على وقف إطلاق النار أو بعده أن تسعى إسرئيل للاتفاق على عملية استعادة الأسرى الصهاينة، فيما ستسعى المقاومة إلى مبادلتهم بأسراها، وقد أعلن أحد قادة المقاومة أن ما لديهم من الأسرى الإسرائيليين "يضمن تحرير كل أسير في سجون الاحتلال".
وإذا كنا بصدد استشراف ما يمكن أن يسفر عنه المستقبل بهذا الخصوص فمن المجدي أن نرجع بالذاكرة إلى الوراء للاستئناس بما حدث من صفقات سابقة.
تاريخ صفقات تبادل الأسرى
عدد صفقات تبادل الأسرى التي تمت بين العرب وإسرائيل منذ العام 1948 حتى اليوم هو 38 صفقة، بعضها تمت بوساطة من الصليب الأحمر الدولي، وبعضها بوساطة ألمانية، وبعضها مصرية، وبعضها بتفاوض مباشر دون وسيط كما في حالة الأسرى الإسرائيليين لدى الأردن ومصر.
أكبر صفقات تبادل الأسرى وقعت في أعقاب الحروب الكبرى بين العرب وإسرائيل، وتحديدا عقب حروب 1948 و1967 و1973، حيث أسرت إسرائيل آلافا من العسكريين والمدنيين في تلك الحروب وبادلتهم بأسراها لدى الدول العربية أو بجثث قتلاها.
وخلال العقدين الأخيرين كان الفلسطينيون واللبنانيون وحدهم محور صفقات تبادل الأسرى، وذلك في ضوء المواجهات التي تحتدم كل فترة بين إسرائيل وحزب الله أو بينها وبين مجموعات المقاومة الفلسطينية، لكن الصفقات التي تمت قبل هذين العقدين تضمنت أسرى أو جثثا لمصريين وأردنيين وسوريين إضافة إلى الفلسطينيين، وفي أعقاب حرب 1948 ضمت قائمة الأسرى العرب المحررين -في إطار صفقات التبادل- جنودا من السعودية واليمن والسودان أيضا.
أول صفقة تمت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل كانت عام 1968، وذلك بعد موجة خطف للطائرات الإسرائيلية بدأتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين باختطاف طائرة إلى الجزائر، وأعقبتها عملية ثانية في 1969، ثم عمليات عدة في 1970، وفي كل مرة كانت تتم عملية تفاوض تنتهي بإطلاق سراح عدد من الأسرى والمسجونين العرب في سجون الاحتلال.
وهناك عمليات تبادل طال بها الأمد ولم تتم حتى الآن، أقدمها المطالبة الإسرائيلية بجثة الجاسوس الإسرائيلي من أصول مصرية إيلي كوهين الذي تم إعدامه في دمشق عام 1968، وأحدثها الأسرى الذين تحتفظ بهم حماس منذ 2014، وهم شاؤول آرون الذي أسر في يوليو/تموز من ذلك العام في عملية قتل خلالها 14 جنديا إسرائيليا، وهدار غولدن الذي أسر في أغسطس/آب من العام ذاته، وهو من أقرباء وزير الجيش الإسرائيلي السابق موشيه يعالون.
ويضاف إلى الأسرى السابقين أفيرا منغستو، وهو يهودي إثيوبي اجتاز السياج الفاصل إلى شمال قطاع غزة في سبتمبر/أيلول 2014 أيضا، وأخيرا هشام السيد وهو من عرب النقب الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
وقالت كتائب القسام في تصريح صحفي في يوليو/تموز 2019 إن إسرائيل لأسباب عنصرية لم تطالب أبدا باستعادة الإثيوبي منغستو خلال المفاوضات لمبادلة بقية الأسرى.
لم يبخل الطرف العربي في تضمين صفقات التبادل أشخاصا ليسوا عربا، وفعلت إسرائيل ذلك أيضا، وعلى سبيل المثال لا الحصر استعاد حزب الله عام 2004 أسيرا ألمانيا كان متعاونا معه، وذلك في إطار صفقة تبادل عقدت في ذلك العام، وقبلها في عام 1985 اشترطت إسرائيل في إحدى صفقات التبادل الإفراج عن 39 رهينة أميركي لدى حركة الجهاد الإسلامي في لبنان.
الجواسيس الإسرائيليون أيضا شملتهم تلك الصفقات، فعلى سبيل المثال كان إطلاق سراح عزام عزام الجاسوس الإسرائيلي من أصول عربية المسجون في مصر محور صفقة عام 2004.
واستردت إسرائيل عددا من عملاء الموساد المعتقلين في الأردن عام 1997 مقابل إنقاذ رئيس حركة حماس خالد مشعل الذي تم تسميمه في الأردن والإفراج عن مؤسس الحركة الشيخ أحمد ياسين من سجون الاحتلال.
ومن غرائب الصفقات أن إسرائيل قبل عام 2009 أفرجت عن 20 أسيرة فلسطينية مقابل شريط فيديو من حماس يثبت أن الجندي جلعاد شاليط لا يزال حيا لديها.
ما الذي يمكن أن تتضمنه صفقة جديدة؟
السؤال الآن: ماذا سيفعل الفلسطينيون بعد هذا العدد الكبير من الأسرى الذين احتجزوهم في إطار عملية "طوفان الأقصى"، إضافة إلى 4 أسرى سابقين احتجزوا قبل العملية؟
الشرط الأول -حسب التوقعات- سيكون تفريغ السجون الإسرائيلية من كافة السجناء العرب مهما كانت جنسيتهم أو ديانتهم، وتشير التقديرات إلى وجود نحو 6 آلاف أسير داخل سجون الاحتلال، وشرط من هذا النوع سيزيد بلا شك التأييد الشعبي العربي والفلسطيني لحركات المقاومة.
لن يكون مثيرا للعجب -مع هذا العدد من الأسرى- أن تشترط الفصائل الفلسطينية إعادة إعمار غزة ورفع الحصار عنها أو تخفيف قيوده، فهذه المدينة هي الأكثر اكتظاظا في العالم، وسكانها يعيشون أسوأ الظروف الاقتصادية والإنسانية بسبب الحصار المضروب عليها منذ عقد ونيف من الزمان وبسبب الغارات الإسرائيلية المتتالية على منازلها ومدنييها، ومن شأن خطوة كهذه رفع شعبية فصائل المقاومة لدى فلسطينيي الداخل الذين لطالما قالت إسرائيل إنهم سبب ما يعيشه الفلسطينيون من أوضاع متردية.
ونعتقد أيضا أن الجانب الفلسطيني لن يبخل في الإصرار على عودة العديد من اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم إسرائيل إلى الخارج مؤخرا، وربما تشترط كذلك عودة مقدسيين إلى مساكنهم التي قامت الحكومة اليمينية الحالية بهدم العشرات منها ضمن مخطط تهويد المدينة المستمر منذ العام 1967.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.