عن القلق الإقليمي من إحياء الاتفاق النووي الإيراني

أجرى وزير الدفاع الإسرائيلي "بيني غانتس" الأسبوع الماضي زيارة إلى واشنطن في محاولة يائسة لتحذير الولايات المتحدة من مخاطر إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران. رغم أن العودة إلى خطة العمل المشتركة التي أبرمتها إيران والقوى الغربية في عام 2015 قبل أن ينسحب منها الرئيس دونالد ترامب بعد 3 سنوات؛ كانت أحد الوعود الانتخابية العريضة للرئيس جو بايدن، إلا أن إسرائيل ودول الخليج كانت تراهن على أن رغبة بايدن ستصطدم بإيران مختلفة عن 2015 وأكثر تشددا في ظل رئاسة الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي. لكن المرونة الإيرانية غير المتوقعة في المفاوضات مع القوى الغربية سهّلت وصولها إلى مراحل متقدمة في الأسابيع الأخيرة. وقد أسقط الإيرانيون أحد شروطهم الرئيسية للعودة إلى الاتفاق النووي بعدما تراجعوا عن مطلب إزالة الحرس الثوري عن قائمة الإرهاب الأميركية. كما سعوا خلال فترة المفاوضات، إلى تهدئة التوتر الإقليمي مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة لتوفير الظروف المناسبة لإنجاح المفاوضات.
على سبيل المثال، تراجعت الهجمات على منشآت النفط السعودية من قبل إيران أو وكلائها في المنطقة بشكل كبير مقارنة بالفترة التي أعقبت انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. كما تراجعت هجمات وكلاء إيران على المصالح الأميركية في العراق مقارنة بنفس الفترة. في غضون ذلك، شرعت طهران في مفاوضات مباشرة مع الرياض بوساطة عراقية للتخفيف من حدة التوتر معها، ووصلت إلى مراحل متقدمة في الآونة الأخيرة.
ويتحدّث الإيرانيون بثقة الآن عن إمكانية إعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، بينما أعلنت الإمارات مؤخرا عزمها إعادة سفيرها إلى طهران. بالإضافة إلى ذلك، أثمرت الحوارات السعودية الإيرانية هدنة في اليمن لا تزال صامدة. في حين أن تعهد رئيسي عندما تولى السلطة بالعمل على إصلاح العلاقات مع دول الجوار، ساعد في تهيئة أرضية مناسبة لحوارات مع الخصوم الخليجيين، إلا أن الانفتاح السعودي والإماراتي على الحوار مع طهران مدفوع بدرجة رئيسية بالتحوط الإستراتيجي الذي تعملان عليه في ظل الاتجاه الأميركي لتخفيف الارتباط الأمني مع المنطقة. لكنّه لا يعكس بأي حال من الأحوال اقتناعا خليجيا بإمكانية بناء علاقات مستقرة طويلة الأمد مع إيران.
استطاع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دفع بايدن إلى الانفتاح عليه ومحاولة إصلاح العلاقات مع المملكة، لكن إصرار ابن سلمان على الحفاظ على الشراكة النفطية مع بوتين لدوافع اقتصادية وجيوسياسية شجّع بايدن على التعجيل في إنجاح المفاوضات النووية مع إيران كسبيل آخر لضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية
لذلك، لا يمكن اعتبار البيئة الإقليمية الناشئة عاملا مساعدا لتوفير غطاء إقليمي لأي صفقة نووية جديدة. ولا تزال إسرائيل تعارض بشدة إعادة إحياء الاتفاق النووي لاعتبارات أمنية وجيوسياسية وتريد من الولايات المتحدة منح أولوية للخيارات العسكرية للتعامل مع إيران بدلا من خيار العودة للاتفاق النووي. وتتصدر قائمة المخاوف الإسرائيلية مطالبة إيران بأن تغلق الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقها الذي استمر 3 سنوات في انتهاكات الضمانات المزعومة في العديد من المواقع النووية الإيرانية. وجعل الإيرانيون تنفيذ الاتفاق مشروطا بإغلاق تحقيق الوكالة. وعرضت مسودة الاقتراح الأوروبية الأخيرة لإحياء اتفاقية 2015 إغلاق التحقيق إذا قدمت إيران للوكالة الدولية للطاقة تفسيرات ذات مصداقية عن آثار اليورانيوم قبل يوم التنفيذ. علاوة على ذلك، فإن العلاقة الجديدة التي بنتها مع منطقة الخليج تُساعدها الآن في تقديم جبهة خليجية إسرائيلية موحّدة تخلق بيئة إقليمية مقاومة لأي اتفاق نووي جديد.
في المقابل، فإن تجاهل إدارة بايدن للدور الإقليمي الإيراني المُهدد للحلفاء الخليجيين لا يزال يُشكل دافعا قويا لاستمرار شكوك الحلفاء بجدوى الاتفاق النووي على الأمن الإقليمي. وفي الواقع، سيكون الخليج أكثر تضررا من أي صفقة نووية مقارنة بصفقة 2015؛ لأن الشراكة مع الولايات المتحدة أصبحت أكثر سوءا من فترة أوباما، ولم تعد واشنطن تُبدي التزاما قويا بأمن منطقة الخليج، كما لم تعد راغبة في تخصيص جزء كبير من مواردها العسكرية في المنطقة بالنظر إلى أولوياتها العالمية الجديدة المتمثلة باحتواء الصين في جنوب آسيا وروسيا في أوروبا. وكان تحذير السعودية الأسبوع الماضي من أنها قد تقود منظمة "أوبك بلس" (+OPEC) في خفض إنتاج النفط مدفوعا بشكل رئيسي بالرغبة في إظهار امتعاضها من عواقب السماح للنفط الإيراني بالعودة إلى الأسواق العالمية.
ورغم أن بايدن نجح في زيارته للشرق الأوسط جزئيا في إقناع الحلفاء الخليجيين بزيادة ضئيلة في إنتاج النفط، إلا أن التقدّم السريع غير المتوقع في المفاوضات النووية دفع الرياض إلى التلويح بورقة النفط. ويبدو سلاح النفط الورقة الأكثر تأثيرا التي تمتلكها السعودية للضغط على واشنطن. مع ذلك، فإنه سلاح ذو حدّين. ولقد استطاع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان دفع بايدن إلى الانفتاح عليه ومحاولة إصلاح العلاقات مع المملكة، لكن إصرار ابن سلمان على الحفاظ على الشراكة النفطية مع بوتين لدوافع اقتصادية وجيوسياسية شجّع بايدن على التعجيل في إنجاح المفاوضات النووية مع إيران كسبيل آخر لضخ المزيد من النفط في الأسواق العالمية وتهدئة الأسعار المرتفعة التي تُهدد فرص الديمقراطيين في الفوز بانتخابات التجديد النصفي المقبلة. ومن المثير للاهتمام أن روسيا والسعودية تجدان مصلحة مشتركة الآن في الحفاظ على احتكارهما لحركة سوق النفط لدوافع مختلفة.
ولا يزال حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يُراهنون على إمكانية عودة الجمهوريين إلى البيت الأبيض في انتخابات عام 2024، وبالتالي يرون فرصة في انهيار أي صفقة نووية محتملة من جديد. مع الأخذ بعين الحسبان أن القلق الإقليمي لا يقتصر فقط على الخوف من استفادة إيران من رفع العقوبات عليها لتعزيز دورها الإقليمي، بل يرتبط كذلك بمستقبل البرنامج النووي الإيراني. ووفق مسودة الاتفاق التي اقترحها الأوروبيون، ستتخلى طهران مرّة أخرى عن مخزونها من اليورانيوم المخصب عالي الدقة باستثناء 300 كيلوغرام من اليورانيوم قليل التخصيب. كما ستوقف جميع عمليات التخصيب التي تزيد على 3.67%، وستزيل آلاف أجهزة الطرد المركزي المتقدمة. وستسمح لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش المنشآت النووية من جديد. لكنّه بالمقارنة مع اتفاق 2015، فإن مسودة الاتفاق الجديد تبدو أضعف من حيث القيود الزمنية والعملية التي تفرضها على قدرة إيران في صنع سلاح نووي. كما أنها لا تتطرّق إلى مستقبل البرنامج الصاروخي الإيراني الذي يُشكل مصدر قلق كبير لإسرائيل ودول الخليج.
وسواء، نجحت إيران والغرب في إعادة إحياء الاتفاق النووي أو لم ينجحا، فإن طهران أصبحت أكثر قدرة على التعايش في كلتا الحالتين؛ وذلك بفعل الخبرة الطويلة التي كسبتها في الصمود مع العزلة. يُضاف إلى ذلك أن الظروف الجيوسياسية العالمية التي أفرزها الصراع الروسي الغربي واحتدام التنافس الأميركي الصيني؛ تخلق بيئة مناسبة لإيران لتعزيز دورها كقوة إقليمية كبرى. كما أن تعزيز العلاقات مع روسيا والصين سيتيح لها طرقا جديدة للتهرب من العقوبات الأميركية. وانطلاقا من ذلك، فإن الخيارات الإقليمية في التعامل مع إيران في حالة العودة إلى الاتفاق النووي أو بدونه، ستكون محدودة.
وفي الخلاصة، إن الوصول إلى أي صفقة نووية جديدة مع إيران قابلة للاستمرارية والنجاح، لا يُمكن أن يتحقق من دون معالجة الهواجس الإقليمية منها. ولم يستفد بايدن بما يكفي من تجربة اتفاق 2015 لفهم الأبعاد الإقليمية المهمة في الملف النووي الإيراني ودور طهران الإقليمي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.