15 تموز.. معركة انتصار الديمقراطية ومدنية الدولة التركية

تعليم - احتفالات حاشدة بالذكرى الأولى لفشل الانقلاب في تركيا
احتفالات حاشدة في الذكرى الأولى لفشل الانقلاب في تركيا (الأناضول)

يتذكر الشعب التركي، بمزيد من الفخر والاعتزاز، شهداءه الأبرار الذين وقفوا بصدورهم العارية إلا من الإيمان بالله والوطن، ضدّ محاولة آثمة لاختطاف الدولة ومقدراتها عبر صناديق الذخيرة، بدلا من صناديق الاقتراع.

في مثل هذا اليوم قبل 6 سنوات، جرت محاولة انقلابية فاشلة، نفذتها مجموعات جماعة غولن الإرهابية التي اخترقت بعض الوحدات العسكرية، بمعزل عن قيادة المؤسسة العسكرية التركية المهنية والرصينة. لم تستمر المحاولة غير ساعات محدودة، إذ سرعان ما استعادت مؤسسات الدولة زمام المبادرة، وطاردت فلول الانقلابيين، والتف الشعب خلف قيادته المنتخبة برئاسة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان.

لقد فتح هؤلاء الإرهابيون النار على أبناء الشعب الذي أقسموا اليمين لحفظ أرواحه، وصيانة مصالحه. إن هذا أكثر ما يؤلم صدورنا ونحن نتذكر هذا اليوم العصيب الذي ذهب ضحيته أكثر من 250 مواطنا تركيا، من العسكريين والمدنيين الذين وقفوا في وجه المتمردين.

ولأن الجمهورية التركية دولة مؤسسات، لم تُرَق قطرة دم واحدة من أحد الانقلابين، وإنما أحيل أمرهم إلى المحاكم التي نثق بعدالتها واستقلال القضاء.

في المقابل، أظهر الشعب التركي وطنية وتمسكا فائقا بالوحدة، والتف حول الراية الحمراء التي تُظلّ الجميع، وكان من مكاسب هذه الوحدة أن اختار الشعب عبر استفتاء في 2017 العبور للمستقبل، عبر نظام رئاسي جديد، وبدأت تركيا تحقق الإنجازات في حماية ترابها وسمائها، واستقلال قرارها السياسي، واستطاعت الاعتماد على نفسها في تأمين أكثر من 70% من احتياجاتها العسكرية، وأدارت بكفاءة واقتدار أزمات متتالية، ليس أولها وباء كوفيد-19، ولم تكن آخرها الحرب الروسية على أوكرانيا بتداعياتها الاقتصادية والجيوسياسية، بل حولت كل هذه التهديدات إلى فرص متتابعة.

بينما تلتفت القوات المسلحة التركية لأداء مهامها في حماية الوطن، شهدت تركيا في السنوات الست الماضية، تقدما صناعيا، تخلله إطلاق العديد من المشروعات المهمة، منها اكتمال جسر "جناق قلعة" فوق مضيق الدردنيل، ليصبح ثالث أطول جسر في أوروبا، ويربط المحافظات المحيطة بالعاصمة في زمن قياسي، وقبل نهاية العام سيتم الاحتفال بأول سيارة كهربائية تركية الصنع.

لم تكن خطة الانقلاب محض صناعة محلية فقط، وإن كانت هذه المنظمة الإرهابية واجهة الانقلاب، فالمؤكد أنها نفذت محاولتها استجابة لمؤامرة واسعة شاركت فيها أطراف إقليمية ودولية، خَصّصت لها المليارات، وسخّرت لها وسائل الإعلام، ورتّبت لها الترحيب والاعتراف فور الإعلان عن نجاحها. لكن وقفة الشعب التركي البطولية في تلك الليلة أجهضت هذه المؤامرة في ساعات قليلة، وإن مرّت كأنها شهور ثقيلة.

إن تركيا لا يمكن أن تقبل من شركائها في حلف شمال الأطلسي، ولا من الدول الديمقراطية، توفير الدعم للمنظمات الإرهابية التي أطلقت الرصاص على شعبنا في 15 تموز، ولا تزال تهاجم الأراضي التركية وتشهر السلاح في وجه مؤسسات الدولة التركية العسكرية والأمنية.

لا يستقيم أن توفر دول صديقة التمويل والمأوى لمن يهاجم الشعب التركي، بينما هي عضو بالأساس أو تسعى للانضمام إلى حلف الناتو، الذي هو منظمة دفاعية بالأساس ومعنية بمكافحة الإرهاب. لذلك تدعو تركيا الدول الساعية للانضمام إلى حلف الناتو إلى أن تكون حريصة على أمن شركائها، حين يتعلق الأمر بالمخاوف الأمنية المشروعة لدولة مهمة بحجم تركيا في منظومة حلف شمال الأطلسي وشريك فعال فيه.

كما تحتل تركيا اليوم مكانا بارزا في الحركة الدبلوماسية النشطة للتقريب بين طرفي النزاع، روسيا وأوكرانيا، وكانت أنطاليا مسرحا لأول لقاء بين وزيري الخارجية في البلدين في ضيافة وزير الخارجية التركي السيد مولود جاويش أوغلو. وتشدد تركيا على موقفها المستقل في الأزمة، الذي يؤهلها للعب دور الوساطة متى ما توفرت الإرادة السياسية لدى مختلف الأطراف.

لقد استطاعت تركيا تطهير مناطق واسعة من الشريط الحدودي الذي اتخذه إرهابيو منظمة "بي كي كي" (PKK) المتطرفة مسرحا لعملياتهم ضد تركيا وشعبها، وكان لزاما عليها حماية أمنها القومي، وشنت عمليات درع الفرات ومخلب القفل، حتى باتت هذه التنظيمات المتطرفة في وضع أصعب، وستتخذ تركيا في سبيل حماية حدودها وأمنها كل ما يلزم، من منطلق حق الردّ وسيادتها على ترابها ومكافحة الإرهاب.

وبينما تلتفت القوات المسلحة التركية لأداء مهامها في حماية الوطن، شهدت تركيا في السنوات الست الماضية تقدما صناعيا، تخلله إطلاق العديد من المشروعات المهمة، منها اكتمال جسر "جناق قلعة" فوق مضيق الدردنيل، ليصبح ثالث أطول جسر في أوروبا، ويربط المحافظات المحيطة بالعاصمة في زمن قياسي، وقبل نهاية العام سيتم الاحتفال بأول سيارة كهربائية تركية الصنع.

تعتمد تركيا سياسة الدبلوماسية النشطة لاحتواء الخلافات، على أساس من الاحترام المتبادل، وإرساء مبدأ الحوار الثنائي، وقد شهدت الآونة الأخيرة استعادة العلاقات مع دول عربية عديدة لسابق عهدها، وزار فخامة الرئيس المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، كما رحّبت تركيا باتفاق العلا وشجّعت الأشقاء في الخليج العربي على اتخاذ كل ما من شأنه عودة اللحمة بين الإخوة، وذلك نابع من مبدأ أساسي يعتبر حجر زاوية في السياسة الخارجية التركية، وهو أن أمن الخليج العربي من صميم أمن تركيا القومي.

ونحن اليوم يسعدنا أن نشارك شعبنا التركي إحياء هذه الذكرى المجيدة من أرض قطر الطيبة، التي سجّلت في تلك الليلة موقفا أخويا تاريخيا لا يُنسى، إذ كان سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول المتصلين بأخيه فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، للتعبير عن المساندة القطرية المطلقة للحكومة الشرعية، والوقوف مع الشعب التركي لإحباط كل مؤامرة تمسّ أمنه وحقوقه وسلامة مؤسساته.

مثّل يوم 15 يوليو/تموز انتصارا لكلّ الأمة، كما قال الرئيس أردوغان أمام البرلمان التركي، "لم تكن محاولة انقلابية عادية بل نقطة تحول تاريخية، في تلك الليلة قصف الانقلابيون مبنى البرلمان، رمز الديمقراطية في تركيا، لأنهم يريدون إعادة تركيا إلى زمن الدكتاتورية والقمع والإرهاب، وهذا لن يحدث".

لقد كان الانقلاب الفاشل خير دليل على أن الديمقراطية تليق بنا، وأن جماهير شعبنا التركي بفضل وطنيتهم وإيمانهم بأمتهم هم الذين حوّلوا المحاولة الانقلابية الفاشلة إلى ملحمة بطولية في تاريخ تركيا الحديثة، شاركهم فيها النواب الأتراك الذين وقفوا -جميعا موالاة ومعارضة- بحزم ضد الانقلاب والانقلابيين.

إن تركيا تمدّ يد المحبة والسلام لشعوب العالم وللحكومات والمؤسسات الديمقراطية، وهي تدعو لتشكيل دعائم نظام عالمي جديد، ينهي الهيمنة ذات القطب الأوحد، ويؤسس لعالم خال من بؤر الإرهاب وبراكين ظلم الشعوب واحتلالها ونهب ثرواتها، وهي تؤكد في علاقتها دائما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل.

نعم إن تركيا ما بعد الانقلاب ليست كتركيا قبل الانقلاب، فلا دولة عميقة داخل الدولة، وها هي تستعد لجولة جديدة من الديمقراطية، إذ يتأهب الشعب التركي لخوض الانتخابات الرئاسية التركية بعد أقل من عام، وستظل كلمة الشعب مصونة، وحرياته مكفولة بالدستور والقانون.

لقد خرجت تركيا أقوى بعد تلك المحاولة الانقلابية، وبدأت في اتخاذ الكثير من التدابير لإعادة هيكلة مؤسساتها.

التحية للشعب التركي في يوم الحرية والديمقراطية، وكلّ الأماني له بمزيد من الرخاء والتقدم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.