ما السيناريو المثالي للمعارضة التركية كي تفوز بالانتخابات الرئاسية؟

قادة الأحزاب المعارضة في تركيا (مواقع التواصل)

مع اقتراب الانتخابات العامة المقررة في منتصف 2023، فإن شعار لا صوت يعلو فوق صوت الانتخابات يمكنه تجسيد حقيقة المشهد الداخلي في تركيا، حيث دخلت البلاد في أجواء انتخابية مبكرا، لكن الحراك في جبهة المعارضة يتسارع بشكل أكثر. وذلك بهدف محاولة بناء إستراتيجية موحدة يمكن من خلالها خوض الانتخابات الرئاسية بمرشح توافقي يستطيع منافسة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان.

ويُنظر إلى الانتخابات الرئاسية على أنها مصيرية، بل وستشكل نقطة تحول مفصلية في البلاد، وهي بذلك تختلف عن الانتخابات السابقة. وتزداد رمزيتها نظرا لتوافقها مع ذكرى مرور 100 عام على تأسيس الجمهورية، كما أنها تأتي بعد التحول إلى النظام الرئاسي مع انتخابات 2018، ونحو أكثر من عقدين من الحكم المتواصل لحزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، وكثير من التطورات الدراماتيكية سياسيا واقتصاديا، وقضايا اللاجئين؛ مما عمق حالة الاستقطاب في البلاد.

السيناريو المثالي للمعارضة هو أن يستطيع مرشحها الحصول على أصوات جميع الناخبين من الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري وأغلبية أصوات حزب الشعوب الديمقراطي، وكذلك دعم أحزاب المستقبل والسعادة والتقدم وعدم انتقال أي من ناخبيها للتصويت لصالح أردوغان؛ وبذلك قد يحصل مرشح المعارضة على 45% وتشكل هذه النسبة نصف المقترعين، ويفوز بالانتخابات.

وتأتي هذه الانتخابات في ظل تراجع نسبي في شعبية الرئيس أردوغان وحزبه، كما تُظهر ذلك استطلاعات الرأي المختلفة، كما أنها ستجري في ظل تحالفات حزبية، وهذا ما أعطى المعارضة بارقة أمل بإمكانية الفوز في الانتخابات الرئاسية؛ مما دفع رؤساء أحزابها للدعوة لانتخابات مبكرة، بل وزاد بعضهم بالدعوة لانتخابات عاجلة. واتجهت المعارضة لتشكيل إطار يعرف بطاولة الستة، وهي الأحزاب الستة التي اتفقت على العودة للنظام البرلماني في حال وصولها للسلطة.

ورغم ذلك، لم تستطع المعارضة حتى اللحظة حسم مسألة تقديم مرشح توافقي يمكنه منافسة أردوغان وهزيمته كما تدعي المعارضة، وهو ما أبقى هذا الملف مثيرا للجدل والفضول، بل وأصبح الشغل الشاغل لجميع الأحزاب، كما دفع البعض لطرح السؤال التالي: هل المعارضة قادرة على الفوز بالانتخابات الرئاسية؟ وهل مجرد تقديم مرشح توافقي يمكنه تحقيق ذلك؟

الاستطلاعات والتحالفات

يمكننا الاستئناس باستطلاعات الرأي لتوضيح الصورة بشكل أدق، وبدلا من الاعتماد على استطلاع محدد يمكن حساب المتوسط للاستطلاعات. يتكون تحالف الجمهور الحاكم من حزبي العدالة والتنمية (AKP) والحركة القومية (MHP)، بينما يتكون تحالف الأمة المعارض من حزبي الشعب الجمهوري (CHP) والحزب الجيد (İYİP).

تشير استطلاعات الرأي إلى أن 25% من الناخبين سيصوتون لصالح العدالة والتنمية في المتوسط، ونحو 5-6% لصالح حزب الحركة القومية. وبالتالي فإن تحالف الجمهور لديه نحو 30-33% في المتوسط، هذا رغم كل التراجع، أي يمكن القول إن هذه النسبة تمثل الكتلة الصلبة.

وطبعا، فإنه ينبغي التمييز بين هذه النسبة ونسبة التصويت؛ فهذه النسبة هي ضمن مجموع الناخبين، وبما أن نسبة المشاركة في الانتخابات في تركيا تتراوح بين 85 و90%، فإن هذه النسبة تصل إلى نحو 40% من الأصوات المُدلى بها في الانتخابات، كما أنه من الأفضل إجراء التقييم على أساس توزيع النسب قبل توزيع نسبة المترددين.

في مقابل ذلك، تشير الاستطلاعات إلى أن 18% سيصوتون لحزب الشعب الجمهورري في المتوسط، و12-13% لصالح الحزب الجيد؛ وبالتالي فإن تحالف الأمة لديه نسبة تحالف الجمهور نفسها تقريبا في المتوسط، أي أن ثلث الأصوات ستذهب للجمهور والثلث الثاني للأمة. وبافتراض بسيط، يمكن القول إن كلاً من أردوغان ومرشح المعارضة التوافقي لديهما نسب متساوية تقريبا، وذلك قبل النظر في النسبة المتبقية.

حسابات معقدة

حزب الشعوب الديمقراطي HDP لديه متوسط 8-9% من إجمالي الناخبين، وهي شبه ثابتة في الاستطلاعات. بينما الأحزاب الثلاثة المحافظة من طاولة الستة، وهي التقدم والديمقراطية والمستقبل والسعادة، لديها نحو 4-5% من مجموع الناخبين. ومن الجدير ذكره أن هناك متوسط هامش للخطأ ببين 2 و2.5% في الاستطلاعات، ولذلك قد تكون توقعات التصويت للأحزاب ذات النسبة المنخفضة غير دقيقة للغاية ولكن في المتوسط تعد مهمة. وكذلك الحزب الديمقراطي، وهو من أحزاب طاولة الستة ويقع ضمن الآخرين في الاستطلاعات، وفي الغالب لديه متوسط منخفض جدا. وأيضا الأحزاب الأخرى كحزب العمال التركي والرفاه الجديد والنصر والبلد وغيرها لديها متوسط 4%، وثلثه لصالح حزب النصر، حسب آخر الاستطلاعات.

وبذلك يتضح أن لدى أردوغان والمرشح التوافقي نسبة متساوية تقريبا 30-33%، والشعوب الديمقراطي لديه 8-9% وأحزاب المستقبل والسعادة والتقدم لديها 4-5% والأحزاب الأخرى 4% ونحو 18-20% للناخبين المترددين والمحتجين. وبالنظر لنسبة الاقتراع في الانتخابات السابقة -التي كانت 88%- يمكن القول إن نصف المترددين لن يصوتوا.

الفوز والخسارة والمعضلة

السيناريو المثالي للمعارضة هو أن يستطيع مرشحها الحصول على أصوات جميع الناخبين من الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري، وأغلبية أصوات حزب الشعوب الديمقراطي، وكذلك دعم أحزاب المستقبل والسعادة والتقدم، وعدم انتقال أي من ناخبيها للتصويت لصالح أردوغان. وبذلك قد يحصل مرشح المعارضة على 45%، وتشكل هذه النسبة نصف المقترعين ويفوز بالانتخابات. ولعل هذا سبب تفاؤل المعارضة بإمكانية فوزها في الانتخابات الرئاسية، ولكن تبقى قضية المرشح التوافقي الذي يمكنه الحصول على دعم كل أحزاب المعارضة مُعضلة لا يمكن تجاوزها بسهولة.

وبعيدا عن الكتلة التصويتية لأردوغان، يلاحظ أن هناك 3 كتل تصويتية مهمة؛ هي كتلة حزب الشعوب الديمقراطي والثانية المستقبل والسعادة والتقدم بينما الثالثة هي المترددون وهي كتلة مشتتة بين عدة مجموعات؛ وبالتالي ستتأثر هذه الكتل الثلاث بهوية مرشح المعارضة وسلوكه في الحملة الانتخابية، وهو ما يحدد إذا كانت ستصوت له أم لا.

السيناريو الثاني هو عدم قدرة مرشح المعارضة على إقناع جميع كتل المعارضة بالتصويت له، وكذلك عدم قدرته في التغلب على تحيز ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي بمقاطعة الانتخابات في حال إغلاق حزبهم. أيضا، تحيز ناخبي المستقبل والسعادة والتقدم في عدم تصويتهم له، وعدم إقناعه أغلب المترددين بالذهاب لصناديق الاقتراع والتصويت له.

ولأن الجزء الأكبر من المترددين صوتوا لأردوغان في الماضي، وبالتالي يمكنه إقناعهم مرة أخرى بالتصويت له. علاوة على ذلك، فإن أي أخطاء يرتكبها تحالف الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري أثناء الفترة المتبقية يزيد خسارة مرشحه لنسبة أخرى من الأصوات أو الاتجاه للتصويت لصالح أحزاب أخرى كالنصر والبلد والرفاهية الجديد.

ونتيجة لذلك، فإن مرشح المعارضة سيفقد كتلة تصويتية مؤثرة، ومع أي تراجع في نسبة الإقبال على الاقتراع فإنه يفقد نسبة أكبر. وفي المقابل، يستطيع أردوغان الاحتفاظ بكتلته التصويتية 30-33% مع استعادة جزء من الأصوات التي ابتعدت عنه، خاصة المترددين (10%)، وذلك من خلال تنفيذ سياسات ترضيهم، خاصة في الجانب الاقتصادي، وجزء من الأصوات التي ابتعدت عن مرشح المعارضة، مما يمكن أردوغان من الفوز بدورة رئاسية جديدة.

وأخيرا، يمكن القول إن تقديم المعارضة مرشحا توافقيا لن يكون كافيا للفوز بالانتخابات، بل تحتاج لما هو أكثر من ذلك، علاوة على هوية هذا المرشح إن استطاعت إيجاده أصلا. كما أن الانتخابات القادمة ستكون معقدة أكثر من كونها عملية حسابية، بل ستكون أشبه بلعبة شطرنج معقدة يمكن لأي خطوة فيها تغيير مساراتها علاوة على نتيجتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن المعارضة أصبحت تبتعد عن إمكانية التوافق على مرشح مع إصرار كليجدار أوغلو على أن يكون هو ذلك المرشح، وإعلان عدة أحزاب نيتها خوض سباق الانتخابات الرئاسية بمرشح خاص. وحتى لو وصلت الانتخابات لجولة ثانية، فإن هوية المرشح المنافس لأردوغان ستكون مهمة، وبالتالي لا يوجد ما يضمن للمعارضة فوزها في الجولة الثانية أيضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.