كيف تشكل القيادة الوسطى الأميركية الخريطة الجديدة للمنطقة؟

الرئيس الأميركي جو بايدن (يمين) ورئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت (وكالات)

في الأول من سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في هدوء دخول إسرائيل رسميا نطاق مسؤوليات منطقة القيادة الوسطى العسكرية "سينتكوم" (CENTCOM) إلى جانب بقية دول الشرق الأوسط الأخرى.

وجاءت تلك الخطوة بعد عام واحد من التوقيع على ما يُعرف باتفاقات أبراهام، إذ طبعت عدة دول عربية علاقاتها مع إسرائيل، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. وتسمح خطوة البنتاغون الأخيرة بتعزيز التنسيق بين القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة وشركائها العرب وحليفتها إسرائيل، في الوقت الذي تركز فيه إدارة الرئيس جو بايدن على مواجهة ما تراه تهديدات إيرانية متزايدة.

وعلى مدار العقود الماضية، كانت إسرائيل تقع ضمن نطاق القيادة الأوروبية "إيوكوم" (EUCOM) بسبب حالة العداء بينها وبين الدول العربية التي تمثل العمود الفقري لنطاق عمليات القيادة الوسطى، وذلك منذ تأسيسها عام 1983.

يشهد البنتاغون حاليا عملية مراجعة كبيرة وشاملة لحساباته في الشرق الأوسط على خلفية تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وتسارع التطورات في المنطقة، إضافة إلى الطموحات الصينية في الوجود عسكريا في المنطقة. ويمثل ذلك حزمة من التهديدات الجديدة تختلف عما عهدته العسكرية الأميركية في تاريخها الحديث

ويمثل انضمام إسرائيل إلى منطقة عمليات القيادة الوسطى اعترافا بواقع جديد يعكس حجم وقوة علاقات إسرائيل العسكرية بعدد متزايد من الدول العربية. ويرى البنتاغون من جانبه أن هذه الخطوة من شأنها خدمة مصالح واشنطن في المنطقة، وإرسال إشارة ردع قوية واضحة إلى إيران.

ويحتفي مراقبون أميركيون بهذه الخطوة حيث "يُمكن لإسرائيل والإمارات والبحرين والولايات المتحدة أن تتدرب معا في البحر الأحمر" كما ذكر أحدهم.

وتنقسم هيئة الأركان العسكرية الأميركية إلى قيادات جغرافية وقيادات متخصصة، ويغطي نطاق القيادة الوسطى العمليات العسكرية في إقليم يشمل 21 دولة، تمتد من مصر غربا حتى كازاخستان شرقا، وتضم كل الدول العربية الواقعة في القارة الآسيوية، ويوجد للولايات المتحدة 44 ألف عسكري في دول المنطقة، إضافة إلى ما يقرب من 5 آلاف عسكري آخرين في المقر الرئيسي للقيادة في قاعدة ماكديل الجوية خارج مدينة تامبا بولاية فلوريدا.

وتولي في أبريل/نيسان الماضي الجنرال إريك كوريلا مهام رئاسة القيادة الوسطى للجيش الأميركي، خلفا للجنرال فرانك كينيث ماكنزي، الذي تولى قيادتها منذ أوائل عام 2019. ويعد الجنرال كوريلا القائد رقم 15 الذي يتولى هذه المهمة، ووصل 3 منهم لمنصب وزير الدفاع لاحقا، وهم الجنرال ديفيد باتريوس، والجنرال جيمس ماتيس، والوزير الحالي الجنرال لويد أوستن.

ويشهد البنتاغون حاليا عملية مراجعة كبيرة وشاملة لحساباته في الشرق الأوسط على خلفية تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وتسارع التطورات في المنطقة، إضافة إلى الطموحات الصينية في الوجود عسكريا في المنطقة. ويمثل ذلك حزمة من التهديدات الجديدة تختلف عما عهدته العسكرية الأميركية في تاريخها الحديث.

وتحتوي المنطقة الخاضعة لمسؤولية القيادة الوسطى على أكثر من نصف الاحتياطي العالمي المؤكد من النفط ونحو نصف الاحتياطي من الغاز الطبيعي. ونتيجة لذلك، تتضمن المنطقة أكثر الطرق التجارية نشاطا في العالم بما تمتلكه من 3 من المعابر البحرية الرئيسية لحركة التجارة العالمية: مضيق هرمز، وقناة السويس، ومضيق باب المندب.

كما أن نقل إسرائيل إلى نطاق عمل "القيادة المركزية الأميركية" فرصة هائلة للعمل مباشرة مع الجيوش العربية، وستتعرف الجيوش على بعضهما بعضا ليس في ساحات القتال وميادين المعارك كما كان الحال خلال العقود الماضية، وسينتقل ذلك إلى تنسيق وشراكات ومناورات لن تبقى سرية بعد اليوم.

وفي مايو/أيار الماضي، زار القائد الجديد الجنرال كوريلا إسرائيل، وخلال زيارته حضر الجنرال مناورات إسرائيلية ضخمة أُطلق عليها "عربات النار". وشارك عدد من العسكريين العرب -من أغلب الدول الواقعة في نطاق عمليات القيادة الوسطى هذه المناورات- في مراقبة مراحل من هذه المناورات. وكجزء من رؤيتها لمستقبل المنطقة، ترحب وزارة الدفاع الأميركية بنمو التعاون العسكري العربي الإسرائيلي، ومن هنا تبارك الإعلان عن صفقات بيع سلاح إسرائيلي لدولتي الإمارات والبحرين.

ولا يتحرك البنتاغون وحده، إذ يبحث الكونغرس من جانبه تشريعا مقترحا من عدة أعضاء، من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يطلب من البنتاغون المساعدة في دمج الدفاعات الجوية لدول الشرق الأوسط الحليفة لتحفيز التعاون الأمني ضد تهديدات طهران، ويقترح التشريع أن تساعد واشنطن إسرائيل والدول العربية في تنسيق دفاعاتها الجوية ضد إيران من خلال قيام البنتاغون بدمج الدفاعات الجوية لهذه الدول وربطها ببعضها بعضا.

ويعد مشروع القانون أحدث محاولة من قبل واشنطن لتعزيز التعاون الدفاعي بين إسرائيل ودول عربية بعد تطبيع العلاقات الذي جاء مع توقيع اتفاقات أبراهام. وبموجب مشروع القانون، يجب على البنتاغون تقديم إستراتيجية تحدد "نهجا لنظام دفاع جوي وصاروخي متكامل" في غضون 180 يوما من تاريخ تحول المشروع المقترح إلى قانون.

ويرتبط بذلك تغيير كبير ودراماتيكي في عقيدة الجيوش العربية، فخلال العقود السبعة الماضية لم تعرف جيوش العرب عدوا سوى إسرائيل، ولم ينفصل إيمان الجيوش العربية بشأن هوية العدو عن إيمان جموع الجماهير العربية.

لكن يبدو أن دوام الحال من المحال كما يقول الحكماء، إذ يتم استبدال التهديدات الإسرائيلية بما يرونه من تهديدات إيرانية وسط صمت تام، وتجاهل متعمد، من جيوش العرب وحكامهم عن الحديث بشأن الحقوق الفلسطينية.

قبل 4 أعوام، فشلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في تأسيس "ناتو عربي" يجمع دول المنطقة بواشنطن وتل أبيب في مواجهة جماعية ضد إيران بعدما اكتشفت وهم الفكرة. واليوم يأمل البنتاغون أن تؤدي زيارة الرئيس بايدن إلى إسرائيل والمملكة السعودية يوليو/تموز القادم إلى حدوث تقدم كبير وعلني في العلاقات العسكرية بين إسرائيل ودول المنطقة ليتم دمج إسرائيل عسكريا بصورة أكبر ضمن تصور جديد للمنطقة لم يتخيله أكثر المتشائمين العرب منذ سنوات قليلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.