هل قال فقهاء الشافعية بجواز الدعاء لغير المسلم بعد موته؟

مدونات - الفقهاء
اختلف أصحاب الحواشي [من الشافعية]: هل يغفر الله لغير المسلم ما دون الشرك؟" (وكالة الأنباء الأوروبية)

عالجت في 4 مقالات سابقة مسألة الترحم على غير المسلم من مداخل متعددة: كلامية وفقهية وأخلاقية؛ بغرض تنويع الحجج وإطلاع القرّاء على أنواع الحجج وعلى طرائق منهجية مختلفة في مناقشة قضية واحدة بدت لكثيرين بديهية؛ خصوصًا أنني أعدّ مسألة الترحم مثالًا يختزن كثيرا من مشكلاتنا المنهجية والتأويلية في التعامل مع التراث عامة، ومع قراءة التراث الفقهي وكيفية استلهامه في الزمن الحاضر خاصة، وفي كيفية إدارة خلافاتنا التأويلية.

في المقال الأول من هذه السلسلة أوضحت أن الدعاء للكافر أو المشرك (بحسب اصطلاح الفقهاء) بعد موته نوعان:

  • دعاء بمغفرة ذنب الشرك (أو ذنب الكفر).
  • ودعاء بمغفرة الذنوب الأخرى غير الشرك.

وبيّنت أن النوع الأول يَحرم بإجماع الفقهاء؛ لقطعية النهي الوارد في آية (إن الله لا يغفر أن يُشرك به) [النساء:48]، وحكيتُ عن متأخري الشافعية أنهم أجازوا النوع الثاني فقط لأنه داخل في الجزء الثاني من الآية وهو (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء). ولكن -في ظل ما سميته "معركة الترحم"- قوبل هذا النقل بالإنكار، حتى شَغب أحدهم بأنني لم آتِ بنصٍّ يفيد ذلك، رغم أنني قدمت خلاصة مكثفة عن قراءتي لنصوص الفقهاء في هذا المعنى وما تحتمله من دلالات، لأن قراءتها وفهمها يُشْكِلُ بالفعل على غير المتمرس فيها، كما أنه لا تلوح معانيها إلا بعد استقصائها في مواضعها المختلفة ومقارنة بعضها ببعض في المصادر المتعددة، ولذلك كله كنت قد عزوت فحوى الأقوال إلى أصحابها اختصارًا، من دون حكاية ألفاظهم، ومن الأسماء التي ذكرتها أحمد سلامة القليوبي (1069هـ)، ونور الدين الشَّبْرامَلِّسي (1087هـ) وغيرهما.

"اختلف أصحاب الحواشي [من الشافعية]: هل يغفر الله لغير المسلم ما دون الشرك؟"، ثم قرر أن ظاهر كلام الشيخ عَمِيرة أنه لا يُغفر ذلك، وأن القليوبي ذهب إلى جواز ذلك. أي إنه فهم من كلام الشيخ القليوبي مثل ما فهمتُ تمامًا

وأجدني -في هذا المقال- مضطرًا إلى التوسع في بيان أقوال فقهاء الشافعية في هذه المسألة، وليعذرني القارئ هنا في نقل عدد من النصوص، لأنه قد وقع جدلٌ حاد حول كلام الشافعية، وحسبي أن أقف هنا على 3 تعليقات تُثبت -بالفعل- أن هذه المسألة غير محررة في نصوص الشافعية، ولهذا اختلفت فيها التأويلات. أما التعليقات التي تفضل بها مشتغلون بالفقه فهي:

التعليق الأول: ذهب صاحبه إلى الجزم بأنه (1) "لم يقُل فقيهٌ شافعيٌّ ولا غيرُ شافعيٍّ بتجويزِ الدعاءِ بالرحمة لمن ماتَ على كفرِهِ"؛ فـ"حكاية ذلك عن أحدٍ من الشافعية غلط وسوءُ فهمٍ للنصّ المنقول"، لأن "نصّ العلامة القليوبيّ المتداول محله في الكافر الحيّ والرحمة الدنيوية بلا استرابة". (2) وأن الإمام النوويّ -رحمه الله- حكى "الإجماعَ على تحريمِ الدعاءِ لمن ماتَ على كفرِهِ بالمغفرة. ونصّ على هذا التحريم أعيانُ الشافعيّة وأئمتهم بلا تخصيصٍ ولا استثناء بتأويلٍ". أما بحث الشيخين القليوبيّ والشبراملسيّ من الشافعية في جواز الدعاء بمغفرة غير الشرك لمن مات على كفرِهِ فمخالف للإجماع وللمنقول عن أئمة الشافعية

من الواضح أن صاحب هذا التعليق يفترض أولًا وجود تمييز بين الرحمة (وتشمل مغفرة الشرك) والمغفرة رغم أنه لم يُثبت هذا الفرق من كلام الشافعية أنفسهم؛ فالنص الذي استدعاه من حاشية القليوبي اشتمل على المغفرة والرحمة معًا، رغم أن الرجل ينفي وجود أحد قال بتجويز الدعاء بالرحمة! ثم يبني -ثانيًا- على دعوى النووي الإجماع على منع الدعاء بمطلق المغفرة (سواء للشرك أم لغيره)، فيذهب إلى أن قول المتأخرين الذين ميزوا بين مغفرة الشرك ومغفرة ما دونه مخالفٌ لهذا الإجماع.

التعليق الثاني: أوضح صاحبه أنه قد "اختلف أصحاب الحواشي [من الشافعية]: هل يغفر الله لغير المسلم ما دون الشرك؟"، ثم قرر أن ظاهر كلام الشيخ عَمِيرة أنه لا يُغفر ذلك، وأن القليوبي ذهب إلى جواز ذلك. أي إنه فهم من كلام الشيخ القليوبي مثل ما فهمتُ تمامًا، ولكنه عدّه متفردًا بهذه المسألة وهي "جواز طلب مغفرة غير الشرك فقط" لأن طلب عموم المغفرة التي تشمل الشرك غير جائز بالاتفاق. وقال المعلّق إن تفرد القليوبي بهذه المسألة لا يُعتمَد عليه على الرغم من أنه من أجلّ علماء الشافعية المتأخرين، كما أن حاشيته لم تُذكر ضمن الحواشي التي عليها مدار الفتوى في المذهب الشافعي.

التعليق الثالث: أن "نصوص الشافعية تؤسس لمعيار الحياة أو الموت للكافر فتجيز الدعاء له حال الحياة، ولا تجيز الدعاء له حال وفاته". أما "المتأخرون من نقلة المذهب فمختلفون -كما هو ظاهر مما نقلناه- وليس بعضهم أولى بالتفسير من الآخر"، وأفاد أن كلام بعض متأخري الشافعية من نقلة المذهب كالبرماوي والقليوبي والبجيرمي لا يصح أن يُجعل حاكما على كلام عامة فقهاء الشافعية من أهل الترجيح أو أصحاب الوجوه الذين تتابعوا على إطلاق المنع دون تفصيل، ومال صاحب هذا القول إلى الجمع بين الأقوال بأن كلام عامة الشافعية موافق لكلام النووي كما يدل عليه ظاهر إطلاقهم في باب الجنائز من حرمة الدعاء للكافر.

تثبت التعليقات أو الفهوم الثلاثة السابقة -إذن- التمييز بين الدعاء للكافر في حياته والدعاء له بعد مماته، كما تتفق على وجود قولٍ في مصادر الشافعية بالتمييز بين طلب مغفرة الشرك وطلب مغفرة ما دون الشرك لمن مات كافرًا، ولكنها تختار ترجيح القول السائد بالمنع من مطلق الدعاء بعد الموت كما أفاده -جزئيًّا- كلام النووي، وترى أن هذا التفريق بين الشرك وغير الشرك إما مخالفٌ للإجماع، أو غير مُفْتى به في المذهب، أو يجب تأويله ليتوافق مع الشائع، أو لا يصح أن يُجعل حاكمًا على كلام عامة فقهاء الشافعية. أي إن التعليقات الثلاثة استعملت تأويلات شتى لنبذ هذا القول، كما انشغلت بجانب البحث عن معتمد المذهب تحديدًا في حين أن اهتمامي هنا بوجود قول معتبرٍ داخل المذهب على الأقل.

والآن لننتقل إلى نصوص متأخري الشافعية، ومن أبرزها كلام القليوبي وتبعه على هذا غير واحد، والشبراملسي وقبلهم جاء ابن قاسم العبادي.

أما القليوبي فقد تعرض لهذه المسألة في أكثر من باب من أبواب الفقه، كالاستسقاء والجنائز. ففي باب الاستسقاء قال: "يجوز إجابة دعاء الكافر، ويجوز الدعاء له ولو بالمغفرة والرحمة؛ خلافًا لما في الأذكار إلا مغفرة ذنب الكفر؛ مع موته على الكفر فلا يجوز"، وقد تبعه على هذا إبراهيم البرماوي (1106هـ)، وسليمان البجيرمي (1221هـ) في حواشيهم. وقد أشكل هذا النص على بعضهم ففهم أن هذا في حال الحياة، ولكن النص يتحدث عن التأمين على دعاء الكافر من جهة، وعن الدعاء له في حياته وبعد موته من جهة أخرى. وكتاب الأذكار للنووي المشار إلى خلافه هنا يحتوي على نصين: نص يتحدث عن الاستغفار للكافر الحي، ونص آخر يتحدث عن الاستغفار للكافر بعد موته، ولكن لفظ القليوبي هنا "مع موته على الكفر" صريح.

وكان الإمام النووي قد قال في باب الجنائز: "ولو اختلط مسلمون بكفار وجب غسل الجميع والصلاة. فإن شاء صلى على الجميع بقصد المسلمين -وهو الأفضل والمنصوص- أو على واحد فواحد ناويًا الصلاة عليه؛ إن كان مسلمًا، ويقول: اللهم اغفر له إن كان مسلما". ولكن القليوبي علق هنا قائلًا: "(اغفر له إن كان مسلمًا) فيه نظر، لأن الدعاء للكافر بالمغفرة جائزٌ، إلا إن كان على طريقة المصنف [النووي] كما تقدم. أو يقال: إن العموم يشمل ذنب الكفر وهو غير جائز". وتبعه عبد الرحمن الشربيني (1326هـ) فقال: "(قوله: ويقول: اللهم اغفر له إن كان مسلما) ظاهره الوجوب، وفي (ق ل) على الجلال أن الراجح جواز الدعاء للكافر بأخرويٍّ وبالمغفرة؛ خلافًا لما في الأذكار". وفي موضع آخر علق القليوبي على كلام ابن حجر الهيتمي فقال: "وفي كلام ابن حجر حرمة الدعاء للكافر بأخروي، وفيه نظر. والراجح خلافه كما هو مقرر في محله، ومنه جواز الدعاء له بالمغفرة؛ خلافا لما في الأذكار كما تقدم".

فمن الواضح أن القليوبي لا يميز هنا بين المغفرة والرحمة ولا بين الموت والحياة أولًا، كما أنه يُدير النقاش على ثنائية الشرك وما دون الشرك ثانيًا، فهو يُجيز الدعاء بطلب المغفرة والرحمة لمن مات على الكفر ولكن بشرط ألا يتوجه ذلك إلى ذنب الكفر تحديدًا؛ لأنه لا يُغفر. وقد فهم القليوبي أن إطلاق النووي تحريم الدعاء يحتمل أمرين:

  • أنه أراد مطلق الدعاء في الحياة والممات، وبمغفرة الشرك وغيره.
  • والدعاء المطلق، أي طلب مغفرة الشرك الأكبر، وهذا لا يجوز باتفاق.

فعلى الاحتمال الأول: إطلاق النووي غير مراد في نظري؛ ولذلك أصرّ القليوبي على تقييده بأنه في الشرك فقط دون غيره، وقد فعل هذا في أكثر من موضع. وعلى الاحتمال الثاني فإن الأمر محل اتفاق، لأنه يتضمن محظورًا متفقًا على تحريمه.

وأما الشبراملسي فقد أشكل كلامه على بعض من تعقبني، فأريد أن أقف هنا على 4 مواضع ذكر فيها المسألة، سأشير هنا إلى 3 منها وسيأتي الرابع لاحقا.

ففي مقدمة حاشيته: قرر أن "(قوله: من عباده المؤمنين) يقتضي أن الكافر لا يُغفر له شيء من المعاصي الزائدة على الكفر" قال: "وهو ظاهر [كلام شهاب الدين] عَمِيرة (957هـ)، ويوافقه تصريحهم [أي الشافعية] في [باب] الجنائز بأنه لا يجوز الدعاء بالمغفرة للكافر. ولا يَرِد عليه القول بأنه يجوز أن يَغفر له سبحانه وتعالى ما عدا الشرك، لأنه لا يَلزم من الجواز الوقوعُ الذي الكلام فيه". وحين قال شمس الدين الرملي (1004هـ) في باب الجنائز: "(وتحرم) الصلاة (على الكافر) ولو ذميًّا؛ لقوله تعالى: (ولا تُصَلّ على أحد منهم مات أبدا) [التوبة: 84]؛ ولأن الكافر لا يجوز الدعاء له بالمغفرة لقوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به)"، علق عليه الشبراملسي بقوله: "قوله: لقوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به) فيه أن الدليل أخص من المُدَّعَى لأن الآية إنما تدل على معنى مغفرة الشرك، وربما تدل على مغفرة غيره لعموم قوله تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء: 48]، وذلك يدل على جواز الدعاء له بمغفرة غير الشرك". وفي باب الضمان ذكر الشبراملسي أنه "لو اغتاب [المسلم] ذميًّا فهل يسوغ الدعاء له بالمغفرة ليتخلص هو من إثم الغيبة أو لا ويكتفي بالندم؛ لامتناع الدعاء بالمغفرة للكافر؟". أورد الاحتمالين فقال: "كلٌّ محتملٌ، والأقرب أن يدعو له بمغفرة غير الشرك، أو كثرة المال ونحوه؛ مع الندم"، وقد تبعه على هذا أصحاب الحواشي سليمان الجمل والشرواني والبجيرمي.

ففي الموضع الأول عُني الشبراملسي بشرح عبارة ابن حجر الهيتمي التي جاءت في مقدمة الكتاب الذي يكتب حاشية عليه، ولذلك حاول دفع أي اعتراض قد يَرِد عليها. أما في الموضع الثاني فكان يقرر رأيه هو ولذلك قال: إن الاستدلال لعموم منع الدعاء للكافر بآية (إن الله لا يغفر أن يشرك …) لا يستقيم؛ لأن جزء الآية الأول خاص بذنب الشرك، أما جزؤها الثاني فيدل للعموم الذي يتناول مغفرة غير الشرك، ومن ثم يدل على جواز الدعاء للكافر بمغفرة غير الشرك أي بعد وفاته عليه. أما في الموضع الثالث فلا معنى لطلب مغفرة غير الشرك للكافر سوى أنه مات على كفره، وقوله: "أو كثرة المال ونحوه" هو من باب التنويع، أي إن المسلم يدعو للكافر في حال حياته بأمر دنيوي؛ تكفيرًا عن غيبته له، وفي حال وفاة الكافر الذي اغتابه يدعو له بأمر أخرويّ جائز (أي بالتخفيف عنه)؛ إذ تعلق حق بذمته لرجل من أهل الذمة.

ومن النصوص المهمة في هذا السياق ما حكاه ابن قاسم العبادي (994هـ) في كتابه الأصوليّ بقوله: "التحقيق جواز وقوع العفو عما عدا الكفر من ذنوب الكفار"، ثم قال: "وقضية جواز وقوع العفو عما ذُكر: جواز الدعاء لهم بمغفرته" أي بمغفرة ما دون الكفر. فبنى ابن قاسم هنا على جواز وقوع العفو من الله جوازَ دعاء الله بتحقيق هذا العفو. ولكن ابن قاسم نفسه قال في كتابه الفقهي وهو يتحدث عن أحكام الدعاء وأنه يَعرض له عوارض: "وقد يكون [الدعاء] كفرًا؛ كالدعاء بالمغفرة لمن مات كافرا". ولهذا أشكل كلام ابن قاسم على الشراح، فتعقبه كل من الشبراملسي والشرواني. قال الشبراملسي: "ينبغي أن يُتَأمل كونه كفرا، بل مجرد كونه حراما؛ فإنه قال …: يجوز مغفرة ما عدا الشرك للكافر. نعم قضية كلامهم في [باب] الجنائز حرمة الدعاء للكافر بالمغفرة"، أي: إن قلنا إنه يُغفر للكافر ما دون الشرك لا يجوز الدعاء له بمطلق المغفرة التي تشمل مغفرة ذنب الشرك.

وقال الشرواني: "وقوله: (وقد يكون كفرا) لعله محمول على طلب مغفرة الشرك الممنوعة بنص قوله تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به) [النساء: 48] ومع ذلك في كون ذلك كفرا شيءٌ"، أي هي محل نظر وتردد.

فمن الواضح أن الإشكال إنما نشأ من عبارة الإمام النووي التي أطلق فيها الكلام في حين أن ظاهر كلامه أنه عنى حرمة طلب مغفرة ذنب الشرك أو الكفر بقرائن ذكرتها في مقالي الأول، وهي المسألة التي وقع الإجماع عليها وثبتت بنص قطعي صريح. أما ابن قاسم والقليوبي والبقية إنما يتكلمون في صورة أخرى هي الدعاء بطلب مغفرة غير الشرك. هكذا تُحرر المسألة ونجمع بين النصوص فتتسّق، خصوصًا أن الأئمة السابقين يكثرون من الإطلاقات، ثم يأتي أرباب المدرسة من أصحاب الكتب فيقيدون تلك الإطلاقات ويوضحون المراد منها.

وهنا يمكن أن نميز في نصوص الشافعية بين 3 صيغ:

الأولى: من أطلق القول كالنووي، وبقي النقاش فيما إذا كان يريد هذا الإطلاق فعلا أم لا؛ فهل أراد النهي عن عموم الدعاء للكافر حيًّا وميتًا، وهل أراد عموم المغفرة: مغفرة الشرك وغيره؟

الثانية: من ميّز بين الدعاء حال الحياة والدعاء حال الممات، وقد يُعلل هذا القول بأن الدعاء له في حال الحياة واردٌ على معنى رجاء إسلامه، ولكن الأصل هو البحث عن المحذور من الدعاء؛ خصوصًا أن صريح النص أن الله يغفر ما دون الشرك وأن ثمة أدلة عديدة (ذكرتها في مقال سابق) تشهد لهذا المعنى، كما أن هذا القول بأن جواز الدعاء للكافر خاص بحال حياته منقوضٌ ببعض النصوص، كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طالب بعد موته وانتفاعه بذلك، وإن قيل: إن هذا خاص به، قلنا: هذا ليس محل اتفاق فلا يصلح للاستدلال في موطن الخلاف، والأصل في الأحاديث العموم والتأسّي.

الثالثة: من ميز بين مغفرة الشرك تحديدا، ومغفرة غيره، فالشرك لا يُغفر وما عداه يجوز غفرانه، وهذا ثابت بصريح النص القرآني وبأدلة أخرى، وذهب إليه العديد من العلماء ممن أشرت إليهم في مقال سابق ومن مختلف المذاهب، والنصوص في هذا كثيرة فلا أطيل بها، والجري على القول الثالث يحلّ الإشكالات الواردة في النصوص ويجمع بينها بلا إشكال بل إنه لا نص يمنع من ذلك لا من الشارع ولا في المذهب الشافعي، والنقاش كله إنما يدور على البحث عن مانع شرعي وهو غير موجود في ما دون الشرك الأكبر، وقضيتنا مبنية على ما هو ثابت من أن النار دركات وأن الأعمال الصالحة تنفع صاحبها في الآخرة بتخفيف العذاب غير المخرج من النار وغير ذنب الكفر، لأن العقاب إنما هو على نوعين من العذاب: ذنب الكفر وسائر الذنوب الأخرى. والله أعلم.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.