الإعدام الميداني.. شيرين أبو عاقلة أيقونة الإعلام الحر

شيرين أبو عاقلة
الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة (مواقع التواصل الاجتماعي)

كان الخميس الماضي يوما حزينا بكل المقاييس لكل أحرار العالم، خاصة الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، إنه يوم إعدام الصحفية الفلسطينية برصاص جيش الاحتلال من وحدة "دوفدوفان" المستعربة، فتلك جريمة جديدة تضاف إلى جرائم هذا الكيان الغاصب لأرض فلسطين التاريخية.

لقد هز هذا المصاب الجلل الضمير الإنساني في مختلف أرجاء المعمورة لكون شيرين أبو عاقلة لا تحمل مدفعا أو حجرا لمقاومة المحتلين الذين اقتحموا مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين الذين كانت قد شردتهم العصابات الصهيونية من منازلهم منذ عدة عقود، بل تحمل ميكرفونا وكاميرا وكراسة يومية تسجل فيها استهداف الأطفال والنساء في الضفة الغربية ومعها فريقها التلفزيوني الذي لم ينج أيضا من الرصاص الغادر، إذ أصيب قبلها منتج قناة الجزيرة علي السمودي بجروح في الظهر.

لقد زرعت الدول الاستعمارية هذا الكيان المحتل الذي يطبق سياسة الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، وتعمل هذه الحكومات الإمبريالية بدون تردد على تزويد إسرائيل بالمال والسلاح والحماية من العقاب في المنابر الدولية والمنظمات الحقوقية، مثل المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن الدولي

لقد أبهرت هذه النجمة الإعلامية التي ترعرعت في أرض الزيتون المبارك العالم بشجاعتها النادرة ومواجهتها المخاطر في أصعب الظروف، فكانت طوال ربع قرن من الزمن تعمل في قناة الجزيرة برباطة جأش منقطعة النظير في عالم الصحافة الاستقصائية التلفزيونية، كاشفة بشكل يومي انتهاكات الجيش الإسرائيلي وقتله المستمر شعبا أعزل لا يملك حق الدفاع عن النفس من هؤلاء المرتزقة الذين أتوا من بقاع الأرض لاحتلال فلسطين والقدس الشريف أولى القبلتين وثالث الحرمين.

كانت شيرين تعرف أنها ستكون في يوم من الأيام هدفا للقناصة من المحتلين، وبالفعل تحقق ذلك فأصبحت هي الخبر الذي يتصدر وسائل الإعلام في مختلف القارات، وذلك بعد سنوات طويلة من النضال في سبيل حرية الكلمة وكشف جرائم الاحتلال عبر قناة الجزيرة، فكان صوتها الهادئ يصدح بالحق ويعرف العالم بما يدور في فلسطين من قتل وإبادة للأبرياء في الأراضي المحتلة.

لا شك أن هذا الإعدام بدم بارد لهذه الإعلامية لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فقد قتل الصهاينة أكثر من 55 صحفيا منذ عام 2000 خلال تغطيتهم المواجهات اليومية للدبابات الإسرائيلية التي تستهدف أطفال الحجارة والنساء الفلسطينيات في الضفة الغربية والقدس الشريف، كما أن عدد شهداء فلسطين منذ النكبة قد تجاوز 100 ألف شهيد.

لعلنا نتذكر جميعا جريمة قتل الطفل محمد الدرة وهو في أحضان والده الأعزل قبل أكثر من عقدين من الزمن، إذ هزت هذه الجريمة البشعة الرأي العام العالمي، فخرجت المظاهرات في مختلف المدن العربية والعالمية تدين دولة إسرائيل وتطالب بمحاسبة القتلة من جنود الاحتلال.

لقد زرعت الدول الاستعمارية هذا الكيان المحتل الذي يطبق سياسة الفصل العنصري في الأراضي المحتلة، وتعمل هذه الحكومات الإمبريالية بدون تردد على تزويد إسرائيل بالمال والسلاح والحماية من العقاب في المنابر الدولية والمنظمات الحقوقية، مثل المحكمة الجنائية الدولية ومجلس الأمن الدولي وغير ذلك من المحافل الدولية.

إن ازدواجية المعايير في النظام الدولي وعدم المساواة بين البشر في هذا العالم يكشفان الظلم وعنصرية الدول الغربية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني مقارنة بأوكرانيا التي تتسابق أوروبا والولايات المتحدة إلى تقديم العون لها في الكشف عن الجرائم التي ارتكبها الروس في الأراضي الأوكرانية التي كانت مسرحا للمعارك والإبادة الجماعية طوال الأسابيع الماضية، تماما كما يحدث في فلسطين من قبل الجيش الإسرائيلي منذ عدة عقود وحتى الآن على مرأى ومسمع من العالم، ولكن دول الاستكبار تنظر بعين واحدة فقط متجاهلة معاناه الشعب الفلسطيني الذي ذاق الأمرّين عبر عقود.

كتبت شيرين أبو عاقلة في صفحتها على فيسبوك كلاما مؤثرا جدا قبل عام من استشهادها وكأنها تعرف مصيرها، إذ قالت في تدوينتها "في بعض الغياب حضور أكبر"، وبالفعل صدقت في ذلك فقد نعتها دول العالم قاطبة، ومن بين الذين نعوها رؤساء دول وحكومات، وقد عجت منصة تويتر بمئات الآلاف من التغريدات، فخلال الساعات الأولى لبث مقتل هذه الإعلامية الشجاعة سجل موقع العصفور الأزرق أكثر من 450 ألف تغريدة باللغة الإنجليزية فقط تدين في معظمها الغطرسة الإسرائيلية وعربدة جيشها واستهدافه الإعلاميين.

كما أن مراسم الجنازة كانت فريدة في تاريخ فلسطين، فقد مر الجثمان على المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، ومنح الرئيس الفلسطيني الراحلة الكبيرة وسام "نجمة القدس" الذي يعتبر أعلى وسام فلسطيني، فيما حضر تشييع الجنازة إلى مثواها الأخير في القدس عدد غير مسبوق من الفلسطينيين والعرب والعالم متجاوزا بذلك جنازات العديد من القادة، ولكن ذلك لم يسلم من ملاحقة الشرطة الإسرائيلية التي تدخلت لمنع رفع الأعلام الفلسطينية وحصول مواجهات وضرب المشيعين بالهراوات، فقد كاد الجثمان المحمول على أعناق الجماهير أن يسقط على الأرض.

من المؤسف والمفارقات العجيبة أن نجد في هذا العالم من لا يزال يعتقد أن إسرائيل دولة ديمقراطية وتحترم حرية الإعلام والتعبير، في الوقت الذي يقوم جيشها بإسكات صوت شيرين ومن هم مثلها إلى الأبد، إذ يعتقد أنه بذلك يستطيع منع وصول الحقيقة إلى العالم.

من هنا قرر العديد من رجال الأعمال الفلسطينيين في المهجر تأسيس صندوق خاص يحمل اسم "شيرين أبو عاقلة" بهدف إرسال عشرات الطالبات من قطاع غزة والضفة الغربية لدراسة تخصص الإعلام في الجامعة التي درست فيها شيرين، وذلك لتخريج 100 صحفية لرصد حقائق العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في الأيام القادمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.