أزمة أوكرانيا.. فرص أم قيود لإيران؟

Russian President Vladimir Putin shakes hands with Iranian President Hassan Rouhani during a joint news conference following their meeting at the Kremlin in Moscow, Russia March 28, 2017. REUTERS/Sergei Karpukhin
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (يمين) والرئيس الإيراني السابق حسن روحاني أثناء أحد المؤتمرات في روسيا (رويترز)

تعد العلاقات الروسية الإيرانية في السنوات الأخيرة جيدة، مع أن كلا البلدين في حالة تنافس منذ قرون طويلة، وتحالف طهران مع موسكو خلال الحرب السورية، وامتلاكهما مخزونات ضخمة من الطاقة يؤكدان أن إيران من الدول التي لن تكون بمعزل عن تطورات الأزمة الأوكرانية وتداعياتها، في ظل بحث الولايات المتحدة الأميركية الحثيث عن بدائل للغاز الروسي المصدر إلى الاتحاد الأوروبي، والحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق بخصوص برنامج إيران النووي، فضلا عن التأثير المتوقع للحرب بين روسيا وأوكرانيا على الهجمات الجوية التي تنفذها إسرائيل بين الحين والآخر على مواقع إيرانية داخل الأراضي السورية، إذ لا يخفى سيطرة موسكو على الأجواء السورية.

ليست المرة الأولى التي تبدي فيها إيران استعدادها لضرب سوق كبيرة مهمة للغاز الروسي، فقد أعلن الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني خلال زيارته تركيا أوائل عام 2016 أن بلاده مستعدة لتصبح الضامن لأمن الطاقة في تركيا، وقدر خبراء كثيرون أن كلمات روحاني كانت موجهة إلى موسكو أكثر منها إلى أنقرة

صحيح أن روسيا وإيران حليفان تكتيكيان في الصراع السوري، وتتقاطع مواقفها في السياسة الخارجية عموما، إلا أن ذلك لا ينفي التنافس القائم بينهما إقليميا ودوليا في سوق الطاقة العالمية.

واستفادت الشركات الروسية من محدودية وصول النفط والغاز الإيراني إلى الأسواق العالمية بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران.

وأعلنت شركة النفط والغاز الإيرانية خازار للتنقيب والإنتاج (كيبكو) منتصف عام 2021 عن اكتشاف أكبر حقل غاز طبيعي في البلاد من بحر قزوين، أطلق عليه حقل "تشالوس" على اسم مدينة إيرانية قريبة، وإذا كانت التقديرات الأولية لاحتياطات الغاز في حقل تشالوس صحيحة، فسيكون الغاز الإيراني قادرًا على توفير ما لا يقل عن 20% من احتياجات أوروبا من الغاز.

وتمتلك إيران حاليًا ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي، والذي يمكنها -نظريًا- من التصدير إلى أوروبا وتزويدها بالطاقة، غير أن هذا لا يتحقق بسبب العقوبات الأميركية وتعقيد النقل وخطوط الأنابيب.

وربما الأزمة الأوكرانية التي أشعلت عملية عسكرية روسية قبل أيام، تتيح لطهران فرصة -على عكس دول عديدة في الشرق الأوسط عبرت عن مخاوفها- تتمثل في الدخول على خط الدول التي تقدم بدائل للغاز الروسي المصدر إلى أوروبا.

في الواقع، هذه ليست المرة الأولى التي تبدي فيها إيران استعدادها لضرب سوق كبيرة للغاز الروسي، ومهمة جدا لحليفتها موسكو، فقد أعلن الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني خلال زيارته تركيا أوائل عام 2016 أن بلاده مستعدة لتصبح الضامن لأمن الطاقة في تركيا، وقدر خبراء كثيرون أن كلمات روحاني كانت موجهة إلى موسكو أكثر منها إلى أنقرة.

ويمكن النظر إلى عرض الرئيس الإيراني لأنقرة في إطار إشهاره ورقة مهمة بشأن قدرة طهران على تقديم بديل من الغاز الروسي في السوق التركية، ويؤدي إلى:

  • أولا، حرمان موسكو من الموارد المالية الضخمة التي تحتاج إليها كثيرا خلال الأزمات، مع استمرار توسعها العسكري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى الجبهة المشتعلة منذ تسع سنوات شرق أوكرانيا، حيث يحظى الانفصاليون في إقليم دونباس بدعم روسي واسع.
  • ثانياً، جعل روسيا تخسر إحدى أدوات ضغطها المهمة على تركيا، التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا، على نحو يقود إلى إضعاف الدور الروسي في المنطقة، وقد يتقاطع أيضا مع رغبة أنقرة في تنويع مصادر وارداتها من الغاز، وخلق مناصفة في استيرادها الطاقة بين روسيا وإيران.

ولكن لا تبدو الأمور بهذه السهولة أمام إيران، إذ أعلنت طهران أنها أوقفت تدفق الغاز الطبيعي إلى تركيا مدة عشرة أيام، بدءا من 20 يناير/كانون الثاني 2022 ، بسبب "عطل فني"، أدى إلى أزمة كهرباء للمصانع في تركيا، وأثيرت تساؤلات حول صحة التبرير الإيراني لهذا الإجراء.

وأشارت أنقرة إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها، وأن كمية الغاز التي ترسلها الآن ليست ما تم الاتفاق عليه، وقالت تركيا إنها ستلجأ إلى التحكيم الدولي إذا لم تفِ إيران بالتزاماتها، وتذكر تقارير إعلامية أن وفدا تركيا في طهران اكتشف أن طهران قطعت إمدادات الغاز لتلبية الطلب المحلي، ومن ثم، فإن "العطل الفني" ببساطة ليس حقيقيا وهناك ما هو أكثر مما تراه العين، ومن الضروري البحث في مكان آخر لاكتشاف السبب الحقيقي لأزمة الغاز بين تركيا وإيران.

وأعلنت تركيا منذ فترة عن برنامجها الاقتصادي الجديد لوقف الانزلاق في قيمة الليرة التركية، والذي يتوقف نجاحه على الإنتاج والتصدير، ومع عملية الإنتاج الجارية، وصلت الصادرات التركية إلى مستويات قياسية، ولكن انقطاع التيار الكهربائي بسبب نقص الغاز في محطات الطاقة يجعل عملية الإنتاج تتعطل باستمرار، مما يعرقل برنامج الانتعاش الاقتصادي على نحو أحرج الحكومة أمام الشعب التركي، وجعلها تبدو كأنها غير قادرة على توفير الطاقة في أوج فصل الشتاء، ويعتقد الخبراء أن جهود المصالحة التي تبذلها أنقرة في الخليج، وحتى مع أرمينيا، ربما تكون أيضًا وراء تحرك طهران في ملف الغاز.

وبرزت خلال السنوات الماضية عدة محطات للاختلاف بين موسكو وطهران داخل الساحة السورية (والتي لم تصل حتى الآن إلى خلاف أو أزمة).

إيران لن تكون بعيدة عن تداعيات الحرب بين روسيا من جهة وأوكرانيا وحلفائها من جهة أخرى، وفي الساحة السورية سيرتبط ذلك بموقف إسرائيل من الصراع بين موسكو والغرب في أوكرانيا.

كما ظهر اختلاف بين موسكو وطهران بعد الاتفاق الذي رعته روسيا بين أذربيجان وأرمينيا بتنسيق مع تركيا أواخر عام 2020 حول إقليم ناغورني قره باغ، عندما هاجمت أكثر من جهة إعلامية وبرلمانية إيرانية الاتفاق الذي اعتبرته ضربة لمصالح إيران في منطقة حيوية ولها أهمية جيوسياسية خاصة لدى طهران، وتم أيضا على غرار أكثر من اتفاق بين تركيا وروسيا في سوريا، واستبعدت إيران منه.

على الرغم من أن العلاقات الإيرانية الروسية وثيقة، فإن طهران تحتفظ بموقفها المبدئي بشأن النزاع بين روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك وحدة الأراضي الأوكرانية، وظلت كييف تصوت لصالح القرارات الغربية ضد إيران، وعلى الرغم من علاقاتها الودية مع إيران، وهو أمر يزعج طهران أوضحه أيضا السفير الإيراني لدى أوكرانيا مانوشهر مرادي، فإن موقف إيران من الخلافات الروسية الأوكرانية أساسي ويتوافق مع القواعد والأعراف الدولية، وترغب طهران في حل المشاكل والتناقضات بين البلدين على نحو جاد من خلال المفاوضات الثنائية، وتعتقد أن حل الخلافات على المستوى الثنائي يمكن أن يكون أفضل من إثارة القضايا على مستوى المنظمات الدولية مثل مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، لأنه في هذه المنظمات يبرز أيضاً عامل تأثير مصالح الدول.

أوكرانيا من الدول التي استمرت في التعاون مع إيران، على الرغم من العقوبات الغربية على طهران، وإن لم يكن في جميع القطاعات، وتعتبر قضية فرض عقوبات على روسيا والأزمة في شرق أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم لروسيا، من المشاكل التي تؤثر على توسع العلاقات بين إيران وأوكرانيا.

وتشهد العلاقات الإيرانية الأوكرنية توترا تدريجيا، إذ تثير مطالب كييف بشأن التحقيق في تحطم طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية قرب مطار طهران أوائل عام 2020 غضب الجانب الإيراني.

إيران لن تكون بعيدة عن تداعيات الحرب بين روسيا من جهة، وأوكرانيا وحلفائها من جهة أخرى، وفي الساحة السورية سيرتبط ذلك بموقف إسرائيل من الصراع بين موسكو والغرب في أوكرانيا.

وستكون التداعيات إما فرصا لفائدة طهران أو قيودا مرتبطة بالتقدم الذي سيتحقق في مفاوضات الملف النووي الإيراني، إضافة إلى موضوع رفع العقوبات أو استمرارها والذي سيؤثر على نحو مباشر في قضية إمدادات الغاز الإيراني وبعض مساراتها، والتي قد يكون لها صلة بتركيا وشبكتها لخطوط أنابيب الغاز، في وقت تبدو فيه العلاقات بين القوتين الإقليميتين أنقرة وطهران ليست على ما يرام.

ونقل الغاز من إيران إلى أوروبا مع تجاوز تركيا أمر مكلف للغاية، وسيكون من الضروري بناء خط أنابيب غاز عبر أذربيجان إلى جورجيا، أو بناء خط أنابيب غاز عبر البحر الأسود، أو بناء محطة للغاز الطبيعي المسال. وكلا الخيارين مكلف للغاية، وقد يحجم المستثمرون عن الدخول في مثل هذا المشروع بسبب العقوبات الأميركية المحتملة على الجهات التي ستشارك فيه (إذا لم يحصل تقدم في مفاوضات الملف النووي).

يبقى القول، إذا لم تتمكن إيران من الوصول إلى الأسواق الأوروبية أو الآسيوية، فإن روسيا ستستفيد من الوضع الحالي بعدم ظهور منافسين جدد لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.