قطر وتونس.. الهوية الإسلامية بين الحقيقة والمعايير الفرنسية
شهدت جزيرة جربة جنوب تونس يومي 20 و21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعمال القمة الفرانكوفونية في دورتها الـ18، ووفقا للمصادر الرسمية فإن 89 وفدا رسميا ممثلا للدول والمنظمات الدولية، شاركت في القمة الفرانكوفونية بجزيرة جربة، منها 31 رئيس دولة وحكومة و5 نواب وزراء دول وعدد مهم من وزراء الخارجية والوزراء المكلفين بالفرانكوفونية وعدد من وزراء آخرين وسفراء و7 أمناء عامين لمنظمات دولية واقليمية.
تناولت القمة عدة مواضيع منها تشغيل الشباب وقضايا المرأة والرقمنة كوسيلة لتطوير التعاون الاقتصادي والاندماج الاقتصادي داخل الفضاء الفرانكفوني إلى جانب تقارير الدول المشاركة عن أوضاعها الداخلية.
وستترأس تونس القمة خلال السنتين المقبلتين، بتسلمها الرئاسة من الجانب الأرميني.
بعقد القمة في تونس يكون قد مر على إنشاء المنظمة الدولية للفرانكوفونية، 51 سنة وتضم الدول التي تشترك في استخدام اللغة الفرنسية، والتي يشار إليها عادة باسم القمة الفرانكوفونية.
أيديولوجيا الفرانكوفونية
تسعى فرنسا لأن تبقى من خلال الفرانكوفونية إمبراطورية عظمى تضم الدول التي احتلتها وأصبحت بثرواتها من الدول الغنية والتي تحتل المراتب الأولى في احتياطي الذهب والكاكاو واليورانيوم، دون أن يكون لها منجم واحد داخل أراضيها، ولأن ثقافات الدول الخاضعة ببعض نخبها النافذة وحكامها للهيمنة الفرنسية فإنها تسعى لتقويض الوحدة الثقافية لكل بلد، وجعله متعدد الثقافات من خلال الثقافات التي سادت في مراحل تاريخية وأصبحت أثرا بعد عين، مقابل إسلام حي يعلن عن نفسه 5 مرات في اليوم، فضلا عن رمضان والحج والعيدين، وهو ما يكشف حنق أتباع فرنسا على مظاهر الإسلام في بلدانهم سواء بالتضييق على المظاهر الإسلامية أو محاربة الملتزمين بها أو إدخال الفساد بكل أنواعه من أجل القضاء على الاسلام أو تحجيمه.
في الوقت الذي تعمل فيه فرنسا على إحياء تاريخ ما قبل الإسلام برموزه ومظاهره واعتباره مقوما من مقومات الهوية تسعى لنشر ثقافة الابتذال كالاحتفالات الماجنة التي سبقت انعقاد القمة في ما سمي بالقرية الفرانكوفونية في جزيرة جربة التونسية، والتي تمثلت في نوع من الرقص المبتذل والذي يظهر جزءا من العورة أثناء الرقص وغيره من المظاهر التي يطلق عليها تجاوزا فنا وثقافة.
هذا تحديدا ما دفع الغيورين في تونس عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقارنة ما تقوم به قطر في كأس العالم بما يجري على أرض العبادلة السبعة من الصحابة وعقبة بن نافع والإمام سحنون والطاهر بن عاشور.
التنوع لفرض الهيمنة
كما سبق الإشارة فإن التنوع الذي يراد القبول به في الدول الواقعة تحت الهيمنة الفرنسية، لا وجود له في فرنسا التي تضيّق كل يوم على التنوع داخل حدودها ولا سيما ضد الإسلام والمسلمين. هو تنوع يراد منه القبول بالهيمنة الفرنسية وتكريسها ولو على حساب الهوية الحقيقية ولا سيما داخل الفضاء العربي الإسلامي، ومن ذلك الومضة الإشهارية الرسمية للقمة الـ18 للفرانكوفونية وهي عبارة عن صورة تيار هوائي مكوّن من نقاط ومن نوتات موسيقية وأحرف من الأبجديات المختلفة المستعملة في 88 بلدا فرانكوفونيا، وذلك لإبراز التنوع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإثني والجندري الذي يميز الفضاء الفرانكوفوني.
الموسيقى التصويرية للومضة وهي من تأليف الملحن التونسي سامي معتوق الذي لحّن موسيقى فيلم "ميل فوي" للنوري بوزيد، وإلى جانب الرقص تم عرض كوميدي تعالت فيه الضحكات وحتى القهقهات.
على عكس قطر وترويجها وتعبيرها عن الهوية الإسلامية تم في قمة الفرانكوفونية في جزيرة جربة التونسية عرض قصة أوليس وجزيرة ثمرة اللوطوس (اللوتس) مثلما جاء في الأسطورة اليونانية وقصة حضارات تعاقبت على أرض الجزيرة من رومان قرطاجيين وفوندال وغيرهم من الذين مروا بالجزيرة تاركين فيها الأثر. إلى جانب اكتشاف نمط حياة السكان الأصليين لجزيرة جربة، منها مثلا نمط السكن والمنتجات الحرفية الأكثر انتشارًا في الجزيرة.
لماذا جزيرة جربة؟
اختيار جزيرة جربة لإقامة القمة الفرانكوفونية وهي بلدة وليست محافظة، لها علاقة بأيديولوجية الفرانكوفونية والهيمنة الفرنسية، إذ تعيش بالجزيرة جالية يهودية، وبها معبد الغريبة اليهودي الذي يحج إليه آلاف اليهود سنويا معظمهم من الكيان الصهيوني بجوازات أجنبية، وطبعا الحديث عن التعايش السلمي والعيش المشترك على أرض جزيرة جربة بين مسلمين إباضية ومالكية وبين يهود ومسيحيين واستعراض مشاهد دقيقة عن هذا التعايش من خلال تصوير معالم دينية وجدت بالجزيرة الكثير منها إسلامي وبخاصة إباضي من مساجد تميزت بهندسة فريدة بسيطة ومتواضعة في شكلها وعميقة في دلالاتها إلى كنائس ومعابد يهودية أشهرها معبد الغريبة، وتم تقديم كتاب (DJERBA ABSOLUMENT) الذي أنجزته المؤرخة البلجيكية فيرجيني بريفو المهتمة منذ 25 عاما بالمجموعات الإباضية وبتاريخ جزيرة جربة.
بين تونس وقطر
يتساءل كثيرون لماذا لا تتزين جدران جربة في القمة الفرانكوفونية بالآيات والأحاديث النبوية المترجمة أُسوة بالدوحة؟ شوارع الدوحة وفنادقها هذه الأيام مزخرفة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة مترجمة لعديد اللغات، وذلك بهدف تعريف جماهير كأس العالم بالثقافة الإسلامية والعربية وتغيير الصورة النمطية التي رسخها الإعلام الغربي في عقول الجماهير.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر ذهبت أبعد من ذلك حيث عينت أفضل المؤذنين ذوي الأصوات الندية في أغلب المساجد وهو ما أثار إعجاب المشجعين والصحفيين العالميين على حد سواء، حتى أن المنتخب الإنجليزي قطع تدريباته ليستمع ويستمتع بالأذان، في حركة تقدير واحترام للشعائر الإسلامية.
كما تم تجهيز جميع الغرف الفندقية بملصق "باركود" (QR code) مرتبط بموقع به كتيبات بجميع اللغات للتعريف بالإسلام وبالحضارة والأصالة العربية.
هذه المبادرات لاقت استحسانا كبيرا داخل العالم الإسلامي وكذلك لدى جماهير كأس العالم. وكان على تونس أن تؤدي دورا رياديا في التعريف بسماحة الدين الإسلامي وثراء الثقافة والحضارة العربية. القمة الفرانكوفونية كانت فرصة لإظهار اعتزازنا بهويتنا العربية الإسلامية وافتخارنا بالانتماء لهذه الأمة ومحاولة تغيير الأفكار والصور النمطية عن ديننا الإسلامي وموروثنا الثقافي.
هذه القمم لا تتكرر دائما لذلك علينا أن ننزع رداء التردد والانعزال ونبرز للعالم قيم ديننا الإسلامي الحنيف وتعاليمه السمحاء وثراء تاريخنا وحضارتنا العربية، ولكن لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي…
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.