السعودية في مواجهة تحديات المرحلة الصينية

تم توقيع العديد من الاتفاقيات بين الرياض وبكين خلال زيارة الرئيس الصيني الأخيرة إلى المملكة (رويترز)

ليست مجرد زيارة للرئيس الصيني إلى الرياض لتدشين شراكة سعودية صينية متعددة المجالات مدنياً، حتى وإن حاول البعض منحها هذه الصفة التبسيطية، فهي مرحلة جديدة ليست فقط في عزم الرياض، بل في توجهات بكين ذاتها، فهي مرحلة لها متعلقاتها، مليئة بالالتزامات "الثنائية" التي تتجاوز شكليات الاتفاقيات الموقعة، هي مسيرة طويلة معقدة تحملها أقدام مثقلة بهرولة لزمن طويل باتجاه "مغرب الشمس" بلغت فيه ما بلغت من منافع متبادلة ولكن عتمة المشهد، فرضت استدارة كاملة نحو مشرق الشمس لاستقبال يوم جديد تعيشه من بواكيره، وقد استعدت له الرياض جيداً، على مدى 3 سنوات، تقرأ فيها التحديات، وتراجع الفرص، وتنظر في البدائل، لترسم خارطة طريقها مع الصين.

حدة الموقف تفرز تساؤلات:

  • هل سيكون الفضاء الصيني منسجما مع متطلبات الرياض التي لن تتنازل فيها عن بناء ذات وطنية متكاملة؟
  • هل سيتم الفصل بين المصالح الاقتصادية والمواقف السياسية أم أنها ستكون من نماذج شراكات الاصطفاف الملزمة، موقع "شركاء الصين" من الدائرة "السعودية الصينية" الجديدة "إيران نموذجاً"؟
  • من سيلحق بركب الرياض شرقاً، وهذا يعتمد على القدرة والجاهزية؟

    الطرفان " الأميركي والروسي" يفهمان بعضهما جيداً وإن اجتمعا على طاولة فلن تخلو اليد المختفية لكليهما من "مسدس" مصوب باتجاه الآخر

الرياض بهذه الاستدارة وإن كانت قد جاءت في سياق وطني محض: إلا إنها "بشكل ما" استجابة لأمرين:

  • استباق لانقطاع "الرشا الأميركي" قبل بلوغ الماء، وبوادره ظاهرة عملياً. الاستفادة من المخزون الوافر لتعديل الاتجاه الذي قد يستنزف الكثير.
  • هذه الرمزية في البداية "ضرورة"؛ لتهيئة الذهن "المستغرق غرباً" للقول الصريح، فقراءة مشهد "الشراكة الصينية السعودية" لا تكتمل دون تفكيك الزاوية الأميركية.

الولايات المتحدة الأميركية شريك إستراتيجي لدول المنطقة إلى جانب السعودية، لعقود، في مصالح شاملة متبادلة. نعم كسبنا الكثير، ولكنها لا تكفي لإرواء الظمأ، فالولايات المتحدة الأميركية تأخذ أكثر مما تعطي، وما منحته "أيا كان" لم يكن "منحة مجانية" بل مدفوعة الثمن وبقيمة مضاعفة، ولا بأس فلكل مرحلة متطلباتها وتبعاتها، والمرحلة الحالية لا تنسجم مع التوجهات الأميركية الأحادية النفعية.

الولايات المتحدة "بشكل آحادي" اتخذت قرارها العملي في إعادة التموضع في المنطقة، "من وجهة نظر المصلحة القومية الأميركية" وبالتالي التخلي المتسارع عن التزاماتها في كافة الملفات، وأشدها "الملف الأمني"، والأسوأ أنها مكّنت خصوم المنطقة العربية "إيران وإسرائيل" لإدارة هذه الملفات لرعاية ما تبقى من مصالحها "في إطار الثنائيات "الأميركية/الإيرانية ـ الإسرائيلية" على حساب المصالح العربية، وتجاهل لهواجسها الأمنية التي كانت معلقة بتلك الشراكة.

الولايات المتحدة الأميركية، اليوم ليست كما كانت بالأمس، من حيث قوة مؤسساتها العميقة، التي لم تصمد أمام أزمات الداخل الأميركي: (غلبت المصالح الحزبية على المصلحة الوطنية ـ تمكن اللوبيات في تغليب مصالح إسرائيل وإيران على المصالح القومية الأميركية). الأخطر هنا هو التحدي الاقتصادي، فالدين العام الأميركي "تجاوز 31 تريليون دولار" والعجز السنوي تجاوز الـ 700 مليار دولار، وفي كل يوم تنخفض الموثوقية في الدولار الأميركي كعملة للتبادل التجاري للدول، إلى جانب العقوبات الأميركية والتشريعات "عابرة القارات" بعيداً عن القرارات الأممية، والتي خلفت حالة من التململ "حتى من أقرب الحلفاء" لما ترتب عليها من تعطيل وتباطؤ للحركة التجارية، وبالتالي التنفس تجاريا بعيداً عن الدولار.

السؤال هنا: هل ستطوي الرياض "صفحة الولايات المتحدة الأميركية؟":

بكل تأكيد لا، بل ستظل الشراكة قائمة لفترة ليست بالقصيرة بالنظر في مساراتها وتفاصيلها، والملاحظ أن التناقص فيها يأتي من الجانب الأميركي، في حين أن الرياض تحافظ وبكل جدية على نصاعة الزاوية من ناحيتها، ولكن السعودية في المقابل ملتزمة "وطنياً" بإشباع حاجاتها في التوقيت المناسب، ودون تأخير.

لماذا الصين وليست روسيا هي الخيار الإستراتيجي الجديد للسعودية؟

باختصار شديد؛ الشراكة مع روسيا ممكنة وواردة بل متحققة بنسبة جيدة "بعد الزيارتين المتبادلتين": (زيارة الملك سلمان لموسكو/في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وزيارة الرئيس بوتين للرياض في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وما تم فيهما من التوقيع على اتفاقيات ومذكرات تعاون متعددة المجالات، ولكنها "عملياً وسياسياً" أعقد بكثير من الشراكة مع الصين، فلن تتم قراءتها "اقتصادياً" على الإطلاق، فروسيا بالنسبة لأميركا خصم إستراتيجي "وجودي/فلسفي" إطارها التصادمية الحضارية، وأداتها المواجهة العسكرية وإن لم تكن مباشرة في المرحلة الحالية "أزمة أوكرانيا ـ نموذجاً" لتطبيقات المواجهة بينهما عسكرياً.

الطرفان " الأميركي والروسي" يفهمان بعضهما جيداً، وإن اجتمعا على طاولة فلن تخلو اليد المختفية لكليهما من "مسدس" مصوب باتجاه الآخر، ستظل المواجهة بينهما لأشد درجات الخشونة، خلافا للمواجهة مع الصين التي قد تنجح معها الأدوات الأخرى، على الأقل باعتبار عامل "التبادل التجاري الضخم" الذي تجاوز 220 مليار دولار سنوياً، في منتجات ضرورية لكلا الطرفين، خلافا لروسيا التي لا تجمعها مع أميركا مصالح تجارية حقيقية، بل بينهما تنافس في ميدان الطاقة، وحتى في الفضاء الذي خسرت فيه أميركا مقومات وجودها بعد إلغاء موسكو لاتفاقيات التعاون في الفضاء رداً على العقوبات الأميركية.

ـ في هذا السياق وحتى تبدو "المعادلة السعودية الإستراتيجية" أكثر وضوحاً:

تؤمن "الإدارة الأميركية" أن ما يجري نتيجة طبيعية لسلوكها في المنطقة "والذي يروق لها تسميته/تكتيكات" وهي ماضية في تنفيذها بوتيرات مختلفة ومسارات متباينة. إدراك "الإدارة الأميركية" أن التوجه السعودي الجديد حاجة وطنية لا تتناقض مع المصالح الأميركية المباشرة، بمعنى أنها لا تهدد الأمن القومي الأميركي في منطقتنا. إدراك "الإدارة الأميركية" بالتزام السعودية بمتطلبات الشراكة الإستراتيجية "السعودية الأميركية"، وأن أي توجه "سعودي" جديد سيكون موازياً وليس بديلا.

ملامح لتحديات "سعودية" قد تبدو غير منظورة

هناك إشكالية للوعي النخبوي المندمج مع النموذج الغربي/الأميركي على وجه الخصوص، فدائرة وعيه ومنهجية تفكيره منسجمة مع نماذج تشربها مع طول الانغماس "تعلما وتواصلاً وتغذية إعلامية" تُشكل مواقفه وآراءه، وإن تناقضت "دون وعي" مع المصلحة الوطنية. وهناك إشكالية الكفاءات الوطنية، من حيث الوفرة والقدرة على العمل المباشر مع الساحة الصينية، فطبيعة الشراكة تستلزم أدوات "وطنية" فاعلة ومقتدرة ذات وعي عملي بالداخل الصيني ومنهجية تفكيره.

وأخيراً، لتحقيق الإستراتيجيات "كما تم التخطيط لها" يلزم:

  • تحييد المؤثرات المعوقة.
  • الواقعية في الخطط التنفيذية والخطوات الإجرائية.
  • الجدية في آليات التنفيذ.
  • الصرامة في المتابعة والتقويم.
  • أن تكون للإستراتيجية "نتائج مرحلية" بشكل ملموس ومؤثر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.