لماذا الهجوم الغربي على قطر في فاعلية كأس العالم 2022؟

Qatar v Ecuador: World Cup 2022 kicks off with opening ceremony
أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يفتتح كأس العالم قطر 2022 (وكالات)

سألني أحد الإخوة الكرام: لماذا لم يُسجل حضور أي رئيس غربي لافتتاح كأس العالم 2022 في الدوحة؟

منذ فترة شُنت حملة إعلامية غربية من مسؤولين وإعلاميين وناشطي حقوق الإنسان لمقاطعة بطولة كأس العالم 2022، وبررت تلك الحملات موقفها تارة بقضايا فساد (لاحقا تمت تبرئة قطر منها من قبل لجنة الأخلاق بالفيفا)، وتارة تجاوز قطر ملف حقوق الإنسان في العمالة التي شاركت في بناء البنية التحتية لملاعب كأس العالم، وتارة ثالثة بمنع قدوم المثليين ورفع شعاراتهم. والمضحك أن البعض برر المقاطعة بأن نظام التبريد في الملاعب يساعد على الانبعاثات الكربونية!

تنميط الصورة الذهنية الإعلامية الغربية صوّر شعوب المنطقة بأنهم شعوب تهضم حقوق الإنسان، وتطغى بنفطها على بيئة العالم

أعرف تماما أن قطر رسميا فنّدت هذه الافتراءات عبر تصريحات وزرائها المعنيين أو إعلامها الرسمي، لكن هناك أسبابا حقيقية تتعلّق بجذور التفكير الغربي والأوروبي عن العالم الإسلامي ودوله وشعوبه، منذ مطلع نشأة الصراع بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي وحملات التشويه ورسم الذهنية الغربية عن المنطقة العربية الإسلامية السائد عبر تضليل الشعوب الغربية بأن شعوب هذه المنطقة مجموعة من البدائيين والجهلة وسيئي الأخلاق والمتخلفين في إدارة شؤونهم وذاتهم وأمورهم.

واستقر الرمز الإعلامي في السينما والتلفزيون والمسلسلات على صورة العربي الهمجي المتخلف والمنغلق، وأن وسيلته الوحيدة في التنقل هي "الجمل الغبي"، وأن سكناه "الخيام السوداء"، وتم تنميط العربي المسلم على أنه "صندوق بارود" أو "إرهابي"، وأن العالم لم يسلم من شرور إرهابه. ومع مرور الوقت ومع الانفتاح العالمي ورفض المنطقة العربية شعارات المثلية والتحرر أصبح تنميط رسم الصورة الذهنية الإعلامية الغربية عن شعوب المنطقة على أنها "شعوب تهضم حقوق الإنسان"، "وتطغى بنفطها على بيئة العالم".

لكن استضافة قطر لكأس العالم 2022 قلب كل هذه الصورة الذهنية التي رُسمت عبر عقود من الزمن؛ فقطر من خلال خطتها الميدانية لإنشاء بنية تحتية وبرنامج تخطيطي مذهل، وتشييد أقوى بنية تحتية لملاعب كأس العالم؛ أبهرت الشعوب الغربية (ومنهم المشجعون المشاركون) والإعلام الغربي بالمدنية الفائقة باستخدام الطاقة النظيفة والمدن الذكية والتقدم العمراني، فلم يجدوا تلك الخيام المتناثرة، ولا الجمال السارحة، ولا الانغلاق المزعوم؛ فقطر مع استضافة هذه النسخة من كأس العالم دولة حضارية مدنية زاهية متقدمة بين مدن خليجية مزدهرة، والأدهى أن شعب قطر والشعوب الخليجية شعوب واعية ومتحضرة وتفهم لغات الغرب والشرق، وتسهم بفعالية لإنجاح حدث عالمي بمستوى مدني متقدم.

ولأن قطر بذلت جهودا عملية في إظهار الإسلام والدعوة له عبر الانفتاح والحوار العالمي من خلال مشاركة مؤسسات ورموز تتعامل بكرم ومروءة وحفاوة وقيم عالية مع الضيوف المشاركين، فقد مسحت ذلك كل الصور الذهنية التي رسمها الغرب عن العرب والخليجيين؛ كصورة الإرهاب والعنف والتخلف.

لذا؛ فإن الإعلام الغربي وزمرته من السياسيين الغربيين -بالإضافة إلى مؤسسات حاقدة وحاسدة- يخشون من أن تتأثر الشعوب الغربية بشكل خاص والشعوب العالمية بالتأثيرات القيمية للإسلام والكرم العربي والأفق المتقدم لشعب قطر وشعوب المنطقة الخليجية، وستمسح تلك الصورة الذهنية الفاسدة (التخلف، والإرهاب، والاستعباد، …).

إن شهرا من النشاط الكروي سيصاحبه شهر من العمل الدعوي والقيمي ورسم صورة جديدة عن إحدى مدن عالم المسلمين اليوم. ونداؤنا لكل مسلم وعربي وخليجي أن يكونوا قدوة لأقوام قادمين ليروا حقيقتنا كمسلمين، فقد أتاحت قطر بإمكاناتها فرصة للمسلمين للاستفادة في تدعيم الصورة الذهنية للمسلمين.

ونشكر قطر وقيادتها على استغلال هذه الفرصة التي لن تتكرر وإدارة الفاعلية العالمية بذكاء وحنكة؛ ولعل هذا يجيب عن سؤال: لماذا لم يشارك الرؤساء الغربيون؟ لأنهم -ببساطة- يخشون أن تضفي مشاركاتهم الشرعية الإعلامية والواقعية على الإجراءات التي اتخذتها قطر في إتاحة المجال لفهم شعوب المنطقة وحقيقتها، وأن كل ما رسمه الزعماء الغربيون طيلة عقود مضت قد يُمسح جزء كبير منه في شهر من خلال فاعلية كروية عالمية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.