العلاقات التركية القطرية.. خيار إستراتيجي و شراكة مستدامة
رغم التحولات الهائلة في طبيعة العلاقات بين الدول إقليميا وعالميا، وما تشهده السياسة الدولية من تصاعد في الأزمات والصراعات، حافظت تركيا وقطر على علاقات وثيقة، مستقرة، ومتنامية على كافة الأصعدة. بل يمكن القول إن العلاقة الإستراتيجية بين الدولتين كانت من دعائم التوازن في المنطقة وشكلت ضمانة حقيقية في مواجهة الكثير من التحديات والمخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية.
مما لا شك فيه، أن العلاقات الثنائية بين الجمهورية التركية ودولة قطر قد شهدت تطورا ملحوظا على مدار عقدين سابقين، حتى أضحت علاقات إستراتيجية راسخة وذات أولوية بالغة وبرعاية خاصة من الرئيس رجب طيب أردوغان و أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.
وقد بذلت قيادة الدولتين جهدا بارزا من أجل تعزيز ودفع العلاقات الثنائية منذ عام 2014، مرورا بالاتفاق المهم لإنشاء اللجنة الإستراتيجية العليا المشتركة للبلدين، وهو ما فتح الباب نحو آفاق تخدم الشراكة الثنائية وتليق بإمكانات البلدين على المستوى الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي والعسكري.
لقد عملت هذه اللجنة منذ إنشائها على التنسيق المشترك بين البلدين، وتخللها زيارات متبادلة بين الرئيس التركي وأمير دولة قطر. شهدت التوقيع على العديد من الاتفاقات في كافة المجالات.
المستوى السياسي كان أولوية مهمة لقيادة البلدين، حيث عملا على بلورة رؤية مشتركة ومواقف موحدة تجاه العديد من القضايا البارزة في المنطقة. فقد أبدت تركيا وقطر سياسات متقاربة تجاه العديد من الأزمات العربية والإقليمية.
ساندت تركيا الموقف القطري والدور البارز الذي لعبته في قضية أفغانستان والمفاوضات التي نجحت بعد جهد كبير، واستمر التنسيق المشترك في الملف الإنساني وتشغيل المطارات ودعم الشعب الأفغاني.
بالإضافة إلى التنسيق الكبير في الملف السوري على الصعيد الإنساني والسياسي، ومحاولة دعم فرص الحياة والاستقرار في مناطق اللاجئين وخلق استقرار في منطقة الشمال السوري بعد تأمينها من طرف القوات التركية. وأنشأت الدولتان مدنا كاملة للمهجرين ووفرت كافة الخدمات اللوجيستية لضمان الاستقرار والأمن عبر تفعيل العمل الإنساني.
إننا نؤمن أن العلاقة الوثيقة والتنسيق العالي بين البلدين كانا وما زالا ضمانة لأخذ موقف قوي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وهي علاقة تتخطي كونها تعاونا ثنائيا بل خيار إستراتيجي للحاضر والمستقبل
وقد أظهرت الشدائد التي مرت بها الدولتان عمق ورسوخ العلاقات، بداية من الموقف القطري الشجاع في دعم دولة تركيا وقيادتها ورفض محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، وما أظهره سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني من شجاعة في إعلانه مبكرا دعم خيار الديمقراطية واختيار الشعب التركي. وقد أظهرت تركيا الموقف ذاته بكل شجاعة وحسم في وقوفها داعمة لدولة قطر قيادة و شعبا لمواجهة أزمة الحصار عام 2017 التي تم تجاوزها، فقد لبت تركيا نداء الأخوة وساندت الشعب القطري أمنيا واقتصاديا ودبلوماسيا.
الملف الاقتصادي كان ضمن المسارات الأساسية في التعاون بين البلدين، وشهد تطورا لافتا خلال السنوات الخمس الماضية. حيث زاد حجم التبادل التجاري، وتدفقت الاستثمارات المتبادلة سواء من جانب رجال الأعمال القطريين في كافة المجالات في دولة تركيا، أو دخول رجال الأعمال الأتراك للسوق القطرية عبر شركات الإنشاءات وقطاع الضيافة وشركات التصدير وقطاع الأغذية واللوجستيات والتكنولوجيا والصناعات الدفاعية والإعلام.
الملف العسكري والأمني من أبرز ملفات التعاون المشترك، فمنذ عام 2015 بدأ التنسيق في هذا الملف يتنامى، حيث بدأت القوات المسلحة للبلدين بتنفيذ مشاريع مشتركة على مستوى التدريب والصناعات، بالإضافة للاتفاقيات الدفاعية. لا شك أن تشكيل قيادة للقوات المشتركة في الدوحة كانت من أهم ثمار هذا التنسيق، حيث شكل درعا حاسما لضمان الأمن والاستقرار بمنطقة الخليج ولعب دورا مهما في تأمين مصالح دولة قطر والمنطقة بأسرها. وكانت انطلاقة نحو تزايد الاهتمام بالتعاون في ملفات التسليح والصناعات الدفاعية.
وتنعقد هذه الأيام دورة جديدة للجنة الإستراتيجية العليا بين الجمهورية التركية ودولة قطر، حيث يولي البلدان أهمية بالغة للحفاظ على استمرار وتطوير كافة الأدوات الفاعلة للتنسيق والعمل المشترك، خاصة في خضم أوضاع دولية وإقليمية مليئة بالاضطرابات والتحديات. وهو ما يحتاج إلى تضافر الجهود للحفاظ على مكتسبات الدولتين ودورهما البارز في العديد من القضايا بالغة الأهمية، ورسم الخطط المستقبلية التي تفتح آفاقا للتكامل في كافة المجالات.
سوف تؤكد القيادة التركية استعدادها الكامل لتقديم كل ما تحتاجه دولة قطر من دعم لضمان نجاح تنظيم كأس العالم 2022. دولة تركيا التي تساهم لوجستيا وأمنيا في دعم شقيقتها لإنجاح البطولة، لن تبخل بأي جهد أو إمكانات تحتاجها دولة قطر. وهو ما أكدته عبر تفعيل اتفاقية درع كأس العالم التي تمثل ركيزة أساسية لتأمين المرافق الحيوية للبطولة داخل قطر.
مما لا شك فيه، يعتبر التنسيق في المجال الاقتصادي والتجاري والاستثمار بالملف الصناعي مسارا أساسيا في هذه الدورة، خاصة في ظل موجات الركود والتضخم التي تضرب العالم، والتقلبات الهائلة التي تشهدها أسعار الطاقة، واضطراب العديد من الصناعات عبر العالم.
إننا نؤمن بأن العلاقة الوثيقة والتنسيق العالي بين البلدين كانا وما زالا ضمانة لأخذ موقف قوي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وهي تتخطي كونها تعاونا ثنائيا، بل خيار إستراتيجي للحاضر والمستقبل، والقيادة التركية، وعلى رأسها الرئيس رجب طيب أردوغان، حريصة على توطيد العلاقات وترسيخ الشراكة بما يضمن الرخاء والاستقرار للدولتين.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.