الاستشراق السينمائي وفيلم "أصحاب ولا أعز"

فيلم "أصحاب ولا أعز" 2022 (مواقع التواصل)

تتعطل سيارة رجل أعمال في مصر قرب منزل أحد القضاة، يدعوه القاضي لقضاء الليلة عنده فيلبي الدعوة، وأثناء مشاركة رجل الأعمال القاضي وأصدقاءه في جلسة سمر في تلك الليلة يقترح القاضي القيام بلعبة من وحي عملهم، وهي أن يقيموا محاكمة صورية لرجل الأعمال من وحي قصة حقيقية مرت به وهي جريمة قتل قد يكون ارتكبها من دون قصد؛ وتنقلب اللعبة إلى مأساة. هذه هي ملخص السهرة الدرامية المصرية "ليلة القتل الأبيض" من إخراج هاني إسماعيل وتأليف يسري الجندي عام 1999. وهي قصة تتشابه كثيرا مع الدراما المثيرة للجدل على نتفليكس "أصحاب ولا أعز" من حيث الفكرة وموقع التصوير المحصور في منزل.

يعد الاستشراقي السينمائي أحد فروع الاستشراق، وهو تصوير أبناء الشرق الذين استعمرتهم القوى الغربية مثل العرب والمسلمين في صورة نمطية. وهي نظرة اختزالية للآخر تصوره في مرتبة دونية أو تلصق به صفات ليست حقيقية على مستوى تناول الشخصيات أو حتى على المستوى البصري حين يتم وضع "فلتر" أصفر في المشاهد التي تعرض دولا عربية وإسلامية كنوع من إظهار أنها أماكن صحراوية ومليئة بالأتربة والغبار.

تتقاطع قصة "أصحاب ولا أعز" أيضا مع القصة الإيطالية الشهيرة "غرباء بالكامل"، أي أن العمل ليس جديدا عربيا أو عالميا على مستوى الفكرة. ومن حيث الإنتاج، فهو فقير جدا إنتاجيا حيث جرى تصويره في موقع تصوير واحد من دون مشاهد متنوعة؛ الأمر الذي ينقله من حيث القالب الفني إلى الدراما المنزلية وليس قالب الفيلم بعكس التصنيف الوارد على منصة الشبكة. ولولا وجود ممثلين نجوم كبار، فلا أتصور أنه كان من الممكن أن يحقق أي نسبة مشاهدة رغم المواضيع الحساسة التي تطرق لها الحوار. وأقرب وصف له ربما هو دراما طاولة الطعام العائلية، وهو نمط من الإنتاج البسيط الموجه للطبقة المتوسطة، مثل مسلسل "كورونيش ستريت" البريطاني.

الأزمة مع هذا العمل الدرامي ليست في محتواه فقط الذي أثار جدلا عربيا واسعا، ولكن مع تطبيقه النظرة الاستشراقية السينمائية في تصوير العرب والتعامل معهم فنيا، سواء بقصد أو من دون قصد؛ فبداية ينبغي التنويه إلى أن "أصحاب ولا أعز" ليس عملا عربيا من ناحية الإنتاج؛ فهو عمل غربي من ناحية التمويل والمنصة التي يعرض عليها، كما أنه مدبلج للغة الفرنسية ويصل إلى دول متعددة اللغات والثقافات. أي أنه أقرب للإنتاج الهوليودي من ناحية التمويل والتوزيع. وبالتالي معايير الحكم عليه تختلف عن معايير الحكم على الإنتاج العربي المحلي.

يعد الاستشراقي السينمائي أحد فروع الاستشراق، وهو تصوير أبناء الشرق الذين استعمرتهم القوى الغربية مثل العرب والمسلمين في صورة نمطية. وهي نظرة اختزالية للآخر تصوره في مرتبة دونية أو تلصق به صفات ليست حقيقية على مستوى تناول الشخصيات أو حتى على المستوى البصري حين يتم وضع "فلتر" أصفر في المشاهد التي تعرض دولا عربية وإسلامية كنوع من إظهار أنها أماكن صحراوية ومليئة بالأتربة والغبار. وأحد معايير الحكم على الإنتاج الفيلمي الغربي من ناحية الاستشراق هو مدى انزلاقه نحو التمحور حول فكرة الجنس في الشرق للرجال والنساء، وتصوير أن هناك أزمة مستعرة على الدوام؛ الأمر الذي يخرج الأمر عن الإطار الإنساني الطبيعي أو النمط البشري الذي قد يتكرر في أي مجتمع إلى صفة لصيقة بهؤلاء القوم عن طريق المبالغة.

ولهذا نجد بداية أن "أصحاب ولا أعز" وقع في فخ الاختزال الاستشراقي في تمحور المعالجة الدرامية حول فكرة الجنس متعدد المستويات، وأنه لصيق بعرب من جنسيات مختلفة. وفي الأغلب فإن هذه المستويات تأتي في إطار مشين. وثانيا فإن العمل الدرامي أخذ قطاعا عرضيا من المجتمع بشكل غير منطقي من أجل خدمة المعالجة السابقة؛ فليس من المعروف أن هناك عائلات مصرية تقيم في لبنان تنتمي للطبقة العليا أو المتوسطة العليا بشكل يسمح لها بهذا المستوى من المعيشة، وأن ترافقهم أيضا والدة الزوج، ناهيك عن الحديث عن صداقة تربط الزوج المصري بالصديق اللبناني من 20 سنة من دون توضيح أي إطار ممكن أن تظهر فيه هذه المعادلة الاجتماعية بشكل فيه افتعال واضح.

من المتعارف عليه فنيا أن تقوم جهة الإنتاج ببعض المجهود البحثي من أجل قدر من المنطقية في العمل الدرامي مما يضمن نجاحه، لكن يبدو أن هذا الأمر تم تجاوزه من أجل الرهان على تصدير فكرة محورية عن الجنس على لسان نجوم عرب كبار من جنسيات مختلفة لضمان انتشار العمل؛ وهنا جوهر الفكرة الاستشراقية المنتقدة.

الأمر في هذه الحالة يتجاوز حرية التعبير، لأن هذه الأخيرة تفترض أن هناك حرية مكافئة للإبداع متاحة لمخرجين ومنتجين من مشارب شتى يستطيعون التعبير عن أنفسهم ومشاكل مجتمعاتهم بالشكل الفني الذي يريدون، وبهذه الطريقة تتنوع الإنتاجات الدرامية المعبرة عن مشارب المجتمع المختلفة، فيجد كل قطاع في المجتمع نفسه في نوع وشكل درامي معين، سواء كان محافظا أو ليبراليا. لكن فكرة الحرية هنا تنتفي أولا لأن السياق العربي العام لا يسمح بمثل هذا الإنتاج المؤمم من قبل معظم الدول أو المفروض عليه عدة مستويات من الرقابية. وثانيا لأن شبكة نتفليكس لديها سياسة واضحة فيما يخص الموضوعات التي تطرحها في إنتاجاتها، وليست للمواطن العربي قنوات واضحة يستطيع أن يعبر بها عن رأيه في هذه السياسة، سواء قبل الإنتاج أو بعده.

من المتعارف عليه في كثير من الأعمال الفيلمية التي قد تثير الجدل عند قطاع كبير من الجمهور إنه يتم عرض خاص لمجموعة مختارة لأخذ رأيهم ومعرفة انطباعهم عن الفيلم أو العمل الدرامي قبل أن يتم بثه، وهذا تكرر كثيرا سابقا مثلما حدث مع فيلم "نوح" عام 2014، لأنه كان يجسد شخصية أحد الأنبياء، ولأن قطاعا كبيرا من المسيحيين والكنائس الغربية لها اعتبار عند المنتجين فقد تم اتخاذ هذه الخطوة. وهي بالمناسبة لم تمنع الهجوم اللاحق على الفيلم وطريقة معالجته للقصة، لكن على الأقل اتخذ المنتجون خطوة توضح أن الجمهور له اعتبار، بعكس الذي حدث مع "أصحاب ولا أعز" إذ تم تجاهل رأي الجمهور المنقسم تماما قبل الإنتاج وبعده.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.