الحرية مقابل الجنسية

مؤتمر الشباب المصري 2021 في شرم الشيخ بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (الفرنسية)

قبل أيام شهدت مدينة شرم الشيخ المصرية فعاليات المؤتمر الدولي الرابع للشباب برعاية النظام المصري، ليناقش آراء الشباب حول تداعيات فيروس كورونا، إلا أن القاعة المكتظة بالحضور من دون إجراءات احترازية كافية في وقت يشهد فيه العالم تزايدًا متناميًا في أعداد الإصابات وظهور متحور جديد أثارت تساؤلات حول جدية هذا المؤتمر.

المؤتمرات الدولية التي تنظمها السلطات المصرية تتسم بالبذخ الشديد، ويعدها كثير من المشاركين الشباب نوعا من التسلية، وتحدثت مع بعضهم فذكروا أنهم ما إن يسجلوا أسماءهم في استمارات المشاركة حتى يجدوا عروضا سخيّة تشمل تذاكر الطيران والإقامة بالفنادق وكافة وسائل المعيشة والترفيه في مدينة شرم الشيخ السياحية لمدة أسبوع.

لم تكن هذه المفارقة الوحيدة، فقبيل تنظيم النسخة الرابعة من هذا المؤتمر أفرجت السلطات المصرية عن الناشط المصري الفلسطيني رامي شعث -أحد مؤسسي حزب الدستور- بعد إجباره على التنازل عن جنسيته المصرية، كشرط مسبق للإفراج عنه، إثر اعتقال دام أكثر من 900 يوم، على خلفية قائمة جاهزة من الاتهامات تواجه عادة كل من يتفوه بكلمة ينتقد فيها النظام أو بعض قراراته.

هذا التزامن بين المؤتمر والإفراج عن شعث يحمل رسائل ودلالات عدة، من بينها أن السلطات المصرية تولي أولوية لكل ما هو خارجي، وأن الحرية والحديث عنها أحد طقوس المؤتمرات التي تستهدف مشاركين "دوليين"، أو شبابا من الخارج، ولكنها في الوقت ذاته مرهونة بشرط التنازل عن الجنسية المصرية في حال وجود جنسية أجنبية أخرى. وبهذا فأن تكون مصريا لا يسمح لك أن تقول رأيك على أرضٍ تنتمي إليها، وإذا حاولت ذلك كان السجن مصيرك، ولا تفكر في الخروج إلا إذا تنازلت عن مصريتك، وكأن حرية التعبير والجنسية المصرية نقيضان يستحيل الجمع بينهما.

الأدلة على ذلك أصبحت متواترة، فرامي شعث خرج بتدخل فرنسي بعد تخليه عن الجنسية، وقبله خرجت آية حجازي ومحمد سلطان من المعتقل بتدخل أميركي من الرئيسين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب، وقبلهما كان محمد فهمي الذي خرج بتدخل سفارته الكندية؛ مما يجعل المتابع للشأن المصري يعتقد أن القاعدة المطبقة حاليا هي "الحرية مقابل الجنسية".

في مؤتمر شرم الشيخ كرر الرئيس المصري أنه على استعداد لإجراء انتخابات رئاسية، ولو طلب منه الشعب أن يرحل فسيرحل فورا، ولكن مثل هذا التصريح يصطدم بالمصير الذي واجهه بعض من ترشحوا أو فكروا في الترشح للرئاسة من أمثال الفريق سامي عنان، والفريق أحمد شفيق، كما يصطدم بمصير من تكلموا في الشأن العام من أمثال المستشار هشام جنينة الذي كشف عن بعض الأرقام التي تتحدث عن فساد في أجهزة الدولة، بل إنه حين فكرت مجموعة من الشباب في عمل جبهة تترشح للبرلمان، اعتقلوا جميعا وأطلقت عليهم الأجهزة الأمنية والإعلامية "خلية الأمل"، في إشارة إلى قتل أي بارقة أمل في فكر أو خيال عموم الشعب.

تتسم المؤتمرات الدولية التي تنظمها السلطات المصرية بالبذخ الشديد، ويعدها كثير من المشاركين الشباب نوعا من التسلية، وقد تحدثت مع بعضهم فذكروا أنهم ما إن يسجلوا أسماءهم في استمارات المشاركة حتى يجدوا عروضا سخيّة تشمل تذاكر الطيران والإقامة بالفنادق وكافة وسائل المعيشة والترفيه في مدينة شرم الشيخ السياحية لمدة أسبوع.

وما هي إلا 7 ليال، ثم ينمحي أثر كل هذا البذخ، ويبقى القمع الذي ينتهي أحيانا بتغريدة من الرئيس الفرنسي أو كلمة من الرئيس الأميركي، فيتم الإفراج عن شباب يحملون جنسيات دول أخرى بشرط نزع كل ما قد يربطهم بمصر من أوراق.

ما يجري في مصر حاليا وصفه ضياء الدين داود النائب في البرلمان الحالي بأنه "جائحة" تحتاج لقاحًا من الحرية والتعددية، فهل سيتم مواجهة هذه الجائحة بلقاح حقيقي؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.