جنرال كونفدرالي في جيش مصر

American soldiers are seen at the U.S. army base in Qayyara, south of Mosul October 25, 2016. REUTERS/Alaa Al-Marjani
جنود أميركيون أثناء مهمة لهم (رويترز)

يرجع تاريخ العلاقات العسكرية بين مصر والولايات المتحدة إلى النصف الثاني من القرن 19، وتحديدا عقب انتهاء الحرب الأهلية الأميركية عام 1865. وبمجرد انتهاء الحرب بانتصار جيش الشمال الاتحادي الفدرالي على حساب جيش الجنوب الانفصالي الكونفدرالي، لم يشعر كثير من العسكريين في الجيشين بالرغبة في العودة للحياة المدنية من جديد، واختار عشرات الجنود والضباط الانتقال لمصر للعمل مع جيشها، وتقديم خدماتهم للخديوي إسماعيل، حاكم مصر آنذاك.

حصل الجنرالات الأميركيون على راتب سنوي بلغ 2500 دولار ذهبي، وعُهد إليهم بالمشاركة في تدريب الجيش المصري، كما أسهموا بصورة كبيرة في تأسيس عدد من المدارس العسكرية، وتحسين البنية الأساسية لمواصلات الجيش المصري واتصالاته، ودعموا الحملات العسكرية المصرية في عدد من الدول الأفريقية

وكان لافتتاح قناة السويس عام 1869، الذي جاء عقب انتهاء الحرب الأهلية الأميركية، والتي جعلت لمصر في ذلك الوقت (حيث لم يكن هناك طيران) -من أهم دول العالم لسيطرتها على أهم طرق الملاحة الدولية بين قارتي آسيا وأوروبا- بريقا خاصا أسهم في شعور العسكريين الأميركيين بأهمية ما يقومون به.

خدم في الجيش المصري أكثر من 30 أميركيا، منهم 6 جنرالات، كان أهمهم الجنرال الجنوبي وليام لورنج، الذي خدم 9 سنوات في برامج تحديث جيش مصر، ثم ترقى ليصبح مسؤولا عن وحدات الدفاع البحري، وشارك في محاولات لضم دول القرن الأفريقي لمصر.

وبعد عودته للولايات المتحدة كتب الجنرال لورنج عن حياته -في مذكراته- في مصر بعنوان "جندي كونفدرالي في جيش مصر"، ثم حاول أن يشغل منصب سناتور في ولاية فلوريدا، إلا أنه هُزم في الانتخابات.

كما كان الجنرال الشمالي تشارلز ستون من الخبرة والأهمية ليصبح أحد كبار مستشاري الخديوي إسماعيل العسكريين، وتمت ترقيته وحصل على رتبة فريق، وبعد عودته للولايات المتحدة عمل كبيرا للمهندسين في مشروع وضع تمثال الحرية في مدخل مدينة نيويورك.

وحصل الجنرالات الأميركيون على راتب سنوي بلغ 2500 دولار ذهبي، وعُهد إليهم بالمشاركة في تدريب الجيش المصري، كما أسهموا بصورة كبيرة في تأسيس عدد من المدارس العسكرية، وتحسين البنية الأساسية لمواصلات الجيش المصري واتصالاته، ودعموا الحملات العسكرية المصرية في عدد من الدول الأفريقية.

وبعدما تمت إزاحة الخديوي إسماعيل وتعيين ابنه الخديوي توفيق عام 1879، بقي العسكريون الأميركيون بجوار الحاكم الجديد، وعندما قامت ثورة عرابي وما تبعها من دخول القوات البريطانية لمصر، عاد العسكريون الأميركيون لبلادهم.

وخلال الاحتلال البريطاني لمصر لم يكن هناك وجود لعلاقات عسكرية مصرية أميركية، وبعد حصول مصر على استقلالها الرمزي عام 1922، لم تؤسس الدولتان علاقات عسكرية ذات أهمية.

وبعد الاعتراف الأميركي بدولة إسرائيل عام 1948، وما تبعه من لجوء مصر لتسليح جيشها الوليد بعد حركة الضباط الأحرار عام 1952، من دول الكتلة الشرقية؛ طورت مصر علاقاتها العسكرية بصورة كبيرة مع الاتحاد السوفياتي خلال العقود الأولى من فترة الحرب الباردة مع الولايات المتحدة.

وتحدثت الأدبيات العسكرية الأميركية بأسى عن خسارة واشنطن مصر خلال تلك الفترة، وذلك بسبب ما تمثله من أهمية إستراتيجية ومكانة رائدة قائدة بين الدول العربية.

وعندما فاجأ الرئيس الراحل أنور السادات العالم بطرد الآلاف من الخبراء السوفيات الموجودين في مصر صيف 1972؛ كان رد الفعل الأميركي دليلا كافيا للتعرف على ما تمثله مصر من أهمية لإستراتيجية واشنطن؛ فقد قال وزير الخارجية الشهير هنري كيسنجر "لو اتصل الرئيس السادات تليفونيا بواشنطن وطلب أي شيء قبل طرد الخبراء السوفيات من مصر لكان حصل على ما أراد، إلا أنه قدم هذا العمل الجليل لنا مجانا".

وسارع الرئيس الأميركي حينذاك ريتشارد نيكسون بتوجيه رسالة عاجلة للرئيس السوفياتي ليونيد بريجينيف ذكر فيها عدم علمه المسبق بما أقدم عليه الرئيس المصري، وعدم وجود دور لواشنطن في هذه الخطوة المفاجئة، وأكد أن الولايات المتحدة لن تتخذ أي خطوات بناء على هذه التطورات المهمة.

وتم التأسيس لعلاقات عسكرية قوية بين القاهرة وواشنطن عقب توقيع مصر وإسرائيل اتفاق سلام عام 1979، الذي يقضي بوجود مئات من العسكريين الأميركيين في شبه جزيرة سيناء ضمن قوات حفظ السلام الدولية.

وبدأت مصر عهدا جديدا في علاقاتها العسكرية مع واشنطن والغرب، وحصلت مصر على مساعدات أميركية منذ ذلك الحين، بلغ إجمالها حتى عام 2012 ما يزيد على 80 مليار دولار، وأصبح مكتب التعاون العسكري "أو إم سي" (OMC) -الملحق بالسفارة الأميركية في القاهرة، والمعني بالتعاملات العسكرية بين الدولتين- ثاني أكبر مكتب من نوعه في العالم.

وترى واشنطن أن الجيش المصري أهم وأقوى المؤسسات المصرية منذ تم التأسيس لعلاقاتها الحديثة مع القاهرة، ولا يتخيل الخبراء الإستراتيجيون الأميركيون عدم وجود علاقات خاصة مع مصر، فهم يتذكرون جيدا دور جيش مصر في حرب الخليج الأولى، تلك الحرب التي شارك فيها ما يزيد على 30 ألف جندي حاربوا بجوار الأميركيين، وهو ما سهّل انضمام دول عربية أخرى للتحالف.

وتمنح العلاقات العسكرية واشنطن مزايا كثيرة؛ كانت من أهمها مناورات النجم الساطع التي كانت الأكبر من نوعها في العالم.

ولأسباب تتعلق بأهمية مصر الإستراتيجية من نواحٍ عدة، حافظت الإدارات الأميركية المتعاقبة -سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية- على مجموعة ثابتة من الأهداف في علاقاتها بمصر، وذلك بغض النظر عن هوية ساكني البيت الأبيض أو قصر الاتحادية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.