الفوائد الاقتصادية لسياسات إدماج اللاجئين السوريين في تركيا

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (الجزيرة)

رغم فرارهم من الحرب فإن اللاجئين السوريين في تركيا يشكلون حالة فريدة نسبياً بين دول الجوار، فمن أصل 3.6 ملايين سوري مقيم في تركيا يعيش أقل من 50 ألفاً في المخيمات، هكذا فإن التوصيف القانوني لحالة اللاجئ في تركيا -و إن كان ينطبق عليهم تماماً- فإننا من الناحية الاقتصادية نجد أنهم أقرب إلى المهاجرين الذين يعتمدون على أنفسهم في تأمين مستلزمات حياتهم، فاللاجئ السوري يسكن في منزل ويدفع الإيجارات والفواتير الشهرية ويعمل في مجالات مختلفة.

يقوم المنهج الأوروبي في التعامل مع اللاجئين على أساس تقديم المساعدات للاجئين منذ وصولهم إلى البلاد كطالبي لجوء وحتى إدماجهم في المجتمع وتمكنهم من الاعتماد على أنفسهم، كما يقوم النظام الأميركي على أساس تأهيلهم للأسواق لتقرير مصيرهم، فأصحاب الكفاءة والمهن يستطيعون دخول الأسواق قبل نظرائهم من غير المؤهلين.

ورغم خبرات تركيا في موضوع اللجوء والهجرات، حيث استقبلت موجات من اللاجئين في أوقات مختلفة، فإنه لا يوجد منهج متبلور وواضح في التعامل مع قضايا إدماج اللاجئين مما يصعب المهمة على اللاجئين والمقيمين، فاللاجئون مضطرون لسلوك مسارات تعتمد على التجريب والابتكار مما يجعل طريق الاندماج أطول على أي حال.

والمقيمون يصعب عليهم فهم توصيف اللاجئين في المجتمع ومسارهم الذي يجب أن يسلكوه مما يصعب عليهم تقديم المساعدة، ويجعلهم يصغون لأي تحليلات تصدر في قضايا اللجوء حتى لو كانت غير دقيقة.

استطاع جزء كبير من السوريين في تركيا أن ينخرطوا في سوق العمل عبر إنشاء أعمالهم الخاصة أو العمل بالمؤسسات والورش التركية المنتشرة بالمدن الكبرى.

وقد شكلت شبكات الأعمال التي يتملكها السوريون خاصة بالأسواق العربية ميزة إضافية للسلع والخدمات التركية المميزة للتوسع في المنطقة، ولا شك أن برنامج إدماج عملي سيحقق مزيدا من الفوائد الاقتصادية لكل من السوريين والأتراك.

يعتقد أن متوسط بقاء اللاجئين في الدول المضيفة يزيد على 20 سنة بقليل وهي مدة ليست قصيرة، لذا فإن التخطيط الجيد لهذه الفترة سيساعد كل من اللاجئين والدول المضيفة على تحسين الإقامة وتعظيم الاستفادة منها.

في حالة تركيا، يمكن لإنشاء وحدات أو مؤسسات استثمارية في المدن المتوسطة والصغيرة أن يساعد على تخفيف الضغط على المدن الكبرى ويعطي دفعة لتنشيط الأعمال في هذه المدن.

فالسوريون وعلى الرغم من استهلاك معظمهم مدخراته المالية مع مرور الوقت فإن رأس مالهم يتمثل بالكفاءة والقدرة على حشد الموارد النقدية من خلال شبكة علاقاتهم مع المستثمرين السوريين والعرب في مناطق مختلفة من العالم، ولكن في أي اتجاه سيتم حشد وتوظيف هذه الموارد؟

على السلطات المحلية في هذه المدن أن تقرر ذلك، فبدلاً من تركهم يجربون، يمكن أن توجه عبر الوحدات الاستثمارية التابعة لها إلى قطاعات معينة.

فالزراعة على سبيل المثال قطاع مهم في تركيا ويتسم بفجوة عمالة واستثمار، وتعطي الدولة دعماً لتربية رؤوس الأبقار والأغنام وكذلك تقدم دعمها لزراعة المنتجات الرئيسية. ويمكن لتوجيه السوريين نحو قطاع كهذا أن يحقق فائدة مزدوجة، فالفرص الزراعية متوافرة، ويلزم أن تضطلع الوحدات الاستثمارية بشراكة مع السوريين المهتمين لحشد الجهود بهذا القطاع.

التفاوض في مجال الاستثمار أمر قائم في جميع الدول، ويمكن أن يتم إعطاء مهل لتسجيل العمال، ووضع آلية لدفع الرسوم والضرائب، بعد التفاوض مع أصحاب الأعمال الذين يوظفون أعدادا أكبر من السوريين الراغبين بالعمل في هذه القطاعات التي يعزف عنها الأتراك لأسباب كثيرة.

ويمكن أن تكون المناطق الزراعية خاصة من حيث المعاملة على الحدود السورية التركية على سبيل المثال، ويتم التعامل معها استثمارياً بأشكال قريبة من التعامل مع المناطق الصناعية دون التمييز بين المستثمرين على أساس الجنسية، ولكن مع توجيه برامج الترويج نحو السوريين.

هذا سيساعد السلطات المحلية على تحقيق أهداف أمنية وأخرى اقتصادية في المنطقة الحدودية، وسيشجع السوريين على الالتصاق ببلادهم مما يجعل احتمالات العودة أكبر في حالة الاستقرار السياسي والأمني لسوريا.

الوحدات الاستثمارية يمكن أن تشجع الأعمال الصغيرة في هذه المدن استناداً إلى نفس المقومات للسوريين، أي الكفاءة والقدرة على جذب المدخرات. ويمكن منح المنخرطين في برامج تتقاطع مع توجهات الحكومة بعض التسهيلات في مجال إقامة العمل طويلة الأمد مثلاً أو منح فترة إقلاع استثماري للعام الأول تكون معفاة من الضرائب. هذا كله سيساعد على السير في أهداف تخدم مصلحة الحكومة التركية واللاجئين السوريين.

إن امتلاك بيانات عن السوريين من قبل الحكومة أمر متوفر ويخضع للتحديث الدائم، والحكومة تعرف أن بين السوريين عددا كبيرا من حملة الشهادات الجامعية، ولكن هؤلاء غير قادرين على العمل بسبب صعوبة تعديل الشهادات ومسائل تتعلق باللغة التركية، وربما يفضل معظمهم الوصول إلى أوروبا بدلاً من البقاء في تركيا.

إن مزيدا من الاهتمام بهذه الشريحة سيساهم في تحقيق أمرين على التوازي: الأول تحسين سمعة اللاجئين السوريين حيث إن إبراز هذه الطبقة سيظهر التنوع في خبرات السوريين وتعاملاتهم، والقدرة على الاستفادة منهم في سوق العمل.

ويمكن أن يتم الاهتمام بهذه الطبقة من خلال إقامة دورات خاصة لهم أو قبولهم في وظائف قائمة على استخدام اللغة العربية فالنموذج الاقتصادي التركي يعمل في منطقة شرق أوسطية يغلب على أسواقها استخدام اللغة العربية، ولاشك أن مزيدا من العارفين بهذه اللغة، وبالتأكيد الثقافة، سيساعد في تعزيز نمو هذا النموذج.

يمكن لنهج حكومي متكامل تجاه قضايا اللاجئين السوريين أن يلعب دورا كبيرا في تعزيز الفوائد الاقتصادية للاجئين السوريين في تركيا.

ويرجح أن يقوم هذا النهج على جوانب اقتصادية اجتماعية عمادها التعامل مع اللاجئين السوريين كجماعة مهاجرة لها ثقافتها التي تتطابق في بعض النقاط مع ثقافة المجتمع التركي، وتغني التنوع الثقافي في جوانب أخرى، وسيساعد الاحتفاء بهذه الثقافة على تقليل الوضع الدفاعي للاجئين واتباعهم نهجا أكثر انفتاحاً على الثقافة التركية.

كما سيساعد تشجيع انتقال اللاجئين إلى المدن الصغيرة والمتوسطة في تخفيف الضغط على المدن الكبرى التي تحدث فيها معظم الاحتكاكات، كأنقرة وإسطنبول، عن طريق تقديم محفزات استثمارية للانخراط في سوق العمل المرغوب من السلطات المحلية بهذه الدول.

كما يتوقع أن يساهم إبراز الفئة المثقفة من السوريين الشباب في تركيا في تحسين النظرة إلى المجتمع السوري في تركيا، وإضافة قيمة اقتصادية أكبر للاجئين السوريين.

هذا النهج المتكامل لا يغيب عن حساباته أنه يتموضع في بيئة اقتصادية تغلب عليها الثقافة العربية، ويمكن لتطويع إمكانات هؤلاء السوريين أن يخدم النموذج الاقتصادي التركي الطامح للتوسع في المنطقة بما يضمن مصالح اللاجئين السوريين والأتراك.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان