نظرات وعبرات | جزيرستان وذهب الإخوان

(مواقع التواصل الاجتماعي)

بصورة رخيصة ومبتذلة ومهينة، تناول فيلم الأسوياء -أو غير الأسوياء- (The Misfits) دولة قطر في السينما العالمية، كراعية لتنظيم الإخوان المسلمين، تقوم بغسل أموال العمليات الإرهابية عن طريق تحويلها إلى ذهب، إذ يعرض الفيلم قصة شولتز؛ وهو رجل أعمال بريطاني شريك في مؤسسة متعددة الجنسيات تدير مجموعة من السجون في العالم، أحد هذه السجون في دولة تسمى (جزيرستان) يسيطر عليها تنظيم الإخوان المسلمين، وقد بني السجن بالشراكة مع أبي حيرا -واسمه (عبد الرحمن النعيمي)- خليفة أسامة بن لادن، وقد تعرّف شولتز على أبي حيرا بمساعدة جايسون كويك الذي يحمل الجنسية الأميركية، ويحب العربدة، وكان حبيسًا في أحد سجون شولتز، وجايسون هو (جاسم) ابن لأحد كبار قادة تنظيم الإخوان المسلمين. وفي هذا السجن، يُخبّئ أبو حيرا الذهب الذي يجمعه من غسيل أموال عملياته الإرهابية؛ هذا الذهب الذي يتمكن أبطال الفيلم بطريقة هزلية سخيفة استهجنها نقاد الفيلم، في النهاية من سرقته لتوزيعه على اللاجئين والمعوزين.

 

إنه لأمر مؤسف جدًّا أن تشارك مؤسسات إنتاج عربية وممثلون عرب في تدمير صورتهم القومية والدينية، وترسيخ الصورة المعادية للأمة من أجل دوافع سياسية متقلبة، أو من أجل الانتقال إلى النجومية العالمية، على حساب أوطانهم وشعوبهم ودينهم وتاريخهم.

جريمة كبرى

كثيرة هي الأفلام والمسلسلات الغربية التي أُنتجت خصيصًا لتشويه صورة العرب والمسلمين، منذ السنوات الأولى لصناعة الدراما، حيث يتم تقديم العرب على أنهم متخلفون وهمج ومتهورون ودمويون ومستبدّون، ومنذ تسعينيات القرن الماضي، تحوّل معظم التركيز إلى العربي المسلم، وتقديمه في صورة الإرهابي الذي يقتل الأطفال والنساء، ويسرق وينهب ويدمّر دونما حساب، متخذًا من الدين ستارًا للتغطية على أطماعه وتطلعاته المنحرفة. نحن نفهم الدوافع والتوجهات التي تقف وراء هذه المعالجات السينمائية والتلفزيونية، وليس من الصعب توقّع الجهات التي تقف وراءها، ولكن الذي يصعب علينا فهمه أن تشارك مؤسسات ودول عربية وممثلون عرب، مشاركة واضحة وسافرة، في ترسيخ هذه الصورة، ليس فقط لدى الغرب، وإنما على مستوى العالم، وهذا فعل مستنكر ومستهجن، بل جريمة كبرى لن يغفرها لهم التاريخ، مهما كانت الأسباب والدوافع التي تقف وراءه.

هذا الفيلم الذي بدأ توزيعه عالميًّا قبل 3 أسابيع، من إخراج ريني هارلين الذي أخرج فيلم "داي هارد 2" (Die Hard 2) الشهير، وبطولة الممثل الأيرلندي بيرس بروسنان الذي أدّى دور البطولة في عدد من أفلام جيمس بوند، وهو فيلم أميركي، من أفلام شركة بارامونت، شاركت في إنتاجه 5 شركات عربية وأميركية، بتكلفة بلغت 55 مليون دولار، على رأسها شركة "فيلم غيت برودكشن" (Filmgate Production) الإماراتية التي يملكها ويديرها منصور الظاهري، ومن بينها شركة "آر إن جي فيلمز" (R.N.G Films) المملوكة لرامي جابر (الحسيني) المقيم في فنلندا وهو من أصل فلسطيني، وسائق رالي سابق، ومشارك في بطولة الفيلم، في أول ظهور له في السينما، وقد شارك في الفيلم عدد قياسي من الممثلين العرب، في أدوار أقل ما يقال عنها إنها هامشية وعلى حساب رصيد الممثل عند جمهوره العربي، كما هو الحال مع الممثل سامر المصري، عميد مسلسل باب الحارة.

إنه لأمر مؤسف جدًّا أن تشارك مؤسسات إنتاج عربية وممثلون عرب في تدمير صورتهم القومية والدينية، وترسيخ الصورة المعادية للأمة من أجل دوافع سياسية متقلبة، أو من أجل الانتقال إلى النجومية العالمية، على حساب أوطانهم وشعوبهم، وعلى حساب دينهم وتاريخهم.

 

الضعف الكبير الذي شاب الفيلم جاء على حساب رصيد بطله ومخرجه، وتسبب في تعرضه لانتقادات شديدة من نقاد السينما والمشاهدين على السواء، ورأى كثيرون أنه لا يستحق عناء المشاهدة، إلا أنه -شئنا أم أبينا- سيبقى في تاريخ السينما أحد الأفلام التي أسهمت فيها الأموال العربية والممثلون العرب، في تشويه صورة العرب والمسلمين على مستوى العالم.

 

الحاضر الغائب

فضلا عن الإساءة الشديدة التي أساء بها الفيلم إلى الإخوان المسلمين، إلا أنه لم يقتصر على ذلك، إذ بدا واضحًا من مشاهد الفيلم أنه يسيء كذلك إلى دولة قطر بصورة رمزية، وقد تجلى ذلك في إشارات عديدة، من بينها:

  • الدخول إلى دولة "جزيرستان" برًّا عن طريق مدينة أبو ظبي، التي صُوّرت أغلب مشاهد الفيلم فيها.
  • عند وصول اللصوص إلى مشارف "جزيرستان" تظهر لقطة لكورنيش الدوحة من البحر، تبدو فيها منطقة الأبراج، وقد تم تغيير ملامحها قليلًا، حيث تم إدخال أبراج أخرى غير موجودة، ولكن الفيلم تعمّد إظهار ما يشير إلى كورنيش الدوحة بالإبقاء على أبراج مشهورة مميزة في الدوحة التي سماها الفيلم (زولا) ضمن المشهد، ومن هذه الأبراج: أبراج النخيل، وبرج وزارة التعليم.
  • لقطة أخرى يظهر فيها مبنى مركز الفنار بطرازه المميز.
  • السيارة التي تم تفجيرها عند باب السجن عند اقتحامه تحمل لوحة قطرية.
  • السيارة التي يُفترض أن الذهب المسروق منقول فيها مكتوب عليها اسم (الوكرة للمقتنيات الأثرية)، والوكرة كما هو معروف مدينة قطرية.
  • إطلاق اسم (جزيرستان) على الدولة الافتراضية، وعلاقة هذا الاسم بشبكة الجزيرة الإعلامية.

وطبعًا فإن من الصعب على المُشاهد العادي الذي لا يعرف المعالم الرئيسة في قطر أن ينتبه إلى مثل هذه المشاهد، ما جعل قطر الحاضر الغائب في الفيلم، فرغم هذه الإشارات الواضحة، فإن الغالبية العظمى من النقاد والمشاهدين الذين كتبوا عن الفيلم لم ينتبهوا إليها مطلقًا، وإنما تركّزت كتاباتهم على موضوع الفيلم ومستواه الفني، وظلّت أهداف الفيلم في الإساءة إلى دولة قطر وتنظيم الإخوان المسلمين مدفونة في رؤوس منتجي الفيلم ومَن خلفهم، وليظل الموضوع الرئيس الذي علق في أذهان المشاهدين هو الإرهاب وارتباطه بالعرب والمسلمين والشرق الأوسط الذي "يعجّ بالإرهابيين"، على حدّ قول بطل الفيلم.

الإصرار على الخطأ

يدخل هذا الفيلم ضمن المحاولات التي تقوم بها بعض الدول والمؤسسات، ضد دولة قطر، وضد جماعة الإخوان المسلمين؛ هذه المحاولات المعتمدة على الأكاذيب والمغالطات التاريخية، وافتراء القصص الوهمية، لإقناع الجمهور المحلي والعربي والمجتمع الدولي بأن جماعة الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي يهدد استقرار "الشرق الأوسط"، وهي الصناعة التي أوضحتُ دوافعها ومراحلها وأدواتها في مقالات سابقة. الإصرار على هذه المحاولات هو في حد ذاته زعزعة للاستقرار، وترسيخ للخصومة بين أبناء الأمة الواحدة، وإثارة للعداوة والاحتراب بينهم، وكان الأولى بمن يقوم بهذه الصناعة أن يتحرّى الحكمة في ما يفعل، وأن يقوم بحل الإشكالات الفكرية بينه وبين أبناء وطنه وأمته بدلاً من تصويرهم كعدو إرهابي دولي، فذلك أولى من الجهود التي يبذلها هؤلاء لتحويل الكيان الصهيوني إلى صديق وفيّ وشريك إستراتيجي، وهو العدو الأخطر الذي يهدد حاضر الأمة العربية والإسلامية ومستقبلها.

الضعف الكبير الذي شاب الفيلم من مختلف جوانبه، باعتباره من أفلام الحركة والإثارة، جاء على حساب رصيد بطله ومخرجه، ما تسبب في تعرضه لانتقادات شديدة من نقاد السينما والمشاهدين على السواء، ورأى كثيرون أنه لا يستحق عناء المشاهدة، إلا أنه سيبقى في تاريخ السينما -شئنا أم أبينا- أحد الأفلام التي أسهمت فيها الأموال العربية والممثلون العرب في تشويه صورة العرب والمسلمين على مستوى العالم.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.