بين الإقبال والرفض.. هل هناك طرق لرفع نسب التلقيح المنخفضة؟

Argentina Starts Vaccination Campaign Against Coronavirus
من المهم إعادة صياغة الرسالة لجعل تلقي المطعوم هو الخيار الافتراضي أو الأسهل (غيتي إيميجز)

هل وجدت نفسك يوما تقوم باختيار الخيار الأول في استبيان لمجرد كونه أول خيار قرأته؟ أو تنقر على زر "موافق" على موقع إلكتروني دون أن تقرأ السؤال لمجرد أن الزر ملوّن وبارز أكثر من غيره؟ يسمى هذا التصرف في علم الاقتصاد السلوكي بالتأثير الافتراضي. وهو ظاهرة زيادة احتمالية تفضيل خيار معيّن لمجرد أنه الخيار الافتراضي أو الأسهل.

تواجهنا خيارات متعددة في كل شيء نفعله تقريبا. كيفية عرض وترتيب هذه الخيارات قد يساهم أحيانا في تحديد اختياراتنا بشكل أكبر من محتوى الخيارات نفسها.

لا شك أن نسبة لا بأس فيها من العازفين عن التطعيم من الرافضين لها بشكل قطعي لكن هناك نسبة كبيرة من الأشخاص المترددين أو الذين يقفون على الحياد. من حق أي شخص الرفض لكن من المهم أن يكون هذا الرفض مبنيا على معلومات صحيحة

التنبيه (أو الوكز) هو المصطلح الاقتصادي السلوكي الذي يطلق على تغيير طريقة عرض الخيارات المتاحة للحصول على النتائج المرجوّة. الفكرة كالتالي: أي طريقة لعرض الخيارات ستؤدي حتما الى تفضيل سلوكيات معيّنة على غيرها. من هذا المنطلق فمن الحكمة أن نصمم طريقة عرض الخيارات للحصول على أفضل النتائج أو على الأقل لتقليل فرص الحصول على نتائج غير مرجوّة.

في كثير من الدول العربية، أكبر معيق لزيادة نسبة أخذ مطاعيم فيروس كورونا هو العزوف عنها. لا شك أن نسبة لا بأس فيها من العازفين عن التطعيم هم من الرافضين لها بشكل قطعي لكن هناك نسبة كبيرة من الأشخاص المترددين أو الذين يقفون على الحياد. من حق أي شخص الرفض لكن من المهم أي أن يكون هذا الرفض مبنيا على معلومات صحيحة. ومن المهم أن يتم توفير كل التسهيلات للذين لا يمانعون أخذ التطعيم. من مشاهدتي لبعض برامج التطعيم في الدول العربية، أعتقد أن بعض الإستراتيجيات المتبعة لعرض المطاعيم قد تساهم بشكل غير مباشر في زيادة العزوف عنها. باعتقادي هناك بعض التغييرات في طريقة عرض المطاعيم التي قد تساهم في زيادة أعداد الملقّحين والوصول إلى الحماية المجتمعية المرجوة بوقت أقصر.

إزالة العقبات أمام أخذ المطاعيم قدر الإمكان. معظم الدول تستخدم منصات إلكترونية للتسجيل لتلقي المطعوم. هذه الطريقة ناجحة في المجتمعات التي تتشكل من نسبة عالية للمقبلين على أخذ المطاعيم لكنها قد تشكل عقبة مهمة في المجتمعات التي فيها نسبة كبيرة من المترددين بشأنها. إيجاد طرق لتوفير مواعيد للجميع بدون الحاجة للتسجيل على منصة معيّنة قد يساهم في تشجيع المترددين أو الذين يقفون على الحياد (وأعتقد أنهم يشكلون الأغلبية). هناك بعض الدراسات مثلا التي تظهر أن الإقبال على مواعيد إعادة التأهيل القلبي في مرضى القلب كان أكبر عندما تم تحديدهم بمواعيد ثابتة مسبقة بدون الحاجة للقيام بالتسجيل لأخذ الموعد.

توفير المطاعيم في نفس أماكن وأوقات تلقي الخدمات الطبية الأخرى (مواعيد العيادات مثلا) يمكن أن يقلل من العقبات التي تحول دون تلقي البعض للمطاعيم. هذه النقطة مهمة بالتحديد لأن نسبة كبيرة من مرتادي هذه الخدمات الطبية هم من المعرّضين للإصابة الشديدة بالفيروس وهم الأكثر حاجة للمطاعيم.

من المهم إعادة صياغة الرسالة حول المطاعيم لجعل تلقي المطعوم هو الخيار الافتراضي أو الأسهل. على سبيل المثال, الافتراض أن الجميع يريد أخذ المطعوم بدلا من العكس. اتباع إستراتيجية توزيع مواعيد تطعيم للجميع بغضّ النظر عن الرفض أو عدمه. بهذه الإستراتيجية قد يكون الرفض هو الذي يلزم التسجيل على منصة خاصة والقيام بتعبئة استبيان لأسباب الرفض. كما أن هذا يساعد بإحصاء الأسباب الأكثر شيوعا لرفض المطعوم والتي بالإمكان استخدامها لتحديد أهم النقاط التي يجب معالجتها إعلاميا للتشجيع على تلقي المطاعيم.

أخيرا، قد يكون هناك دور للتعامل مع الأمر بطابع شخصي. إنشاء فرق تواصل طبية تقوم بالاتصال برافضي اللقاحات للإجابة عن أي مخاوف أو استفسارات لديهم قد يكون له تأثير كبير. كطبيب، أعلم بشكل مباشر مدى تأثير التواصل الشخصي من مختص في الرعاية الصحية والذي قد يشكل فارقا كبيرا جدا عند الكثيرين. تغييرات صغيرة في طريقة عرض المطاعيم والتعامل مع العزوف الكبير عنها قد يكون الطريقة الوحيدة للوصول إلى الحماية المجتمعية التي نحتاجها الآن أكثر من أي وقت مضى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.