الخطة الإستراتيجية لحقوق الإنسان: رغبة حقيقية أم إشارة للخارج؟

معتقلو الرأي في زمن كورونا.. دعوات للإفراج بين الاستجابة والتجاهل
(الجزيرة)

تُعبر قضايا حقوق الإنسان في مصر – خاصة في سنوات حكم السيسي- عن حوار جدلي بين نظام السلطة والخارج، في غياب شبه تام لأصل القضية: المواطن المصري.

ففي 14 يونيو/حزيران الماضي، كان من المفترض إعلان "الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان 2021-2026″، وفي اليوم نفسه -للفأل السيئ- قضت محكمة النقض، بتأييد حكم الإعدام بحق 12 من معارضي النظام، بينهم عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، في قضية فض اعتصام ميدان رابعة العدوية.

لهذا السبب أو ربما لآخر، مر اليوم ولم تعلن الإستراتيجية.

ثم انفردت سفارة واشنطن -لاحقاً- بإعلان يوم السبت 19 يونيو/حزيران الماضي، موعدا جديدا للإستراتيجية، بمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي، عبر الفيديو كونفرانس.

لكن مر يوم السبت أيضا كسالفه، ولم تُطلق الإستراتيجية. ولم يُقدم اعتذار أو توضيح أو مبرر للتأجيل..

ثم قيل بعد ذلك، أن الرئاسة أمرت بتأجيلها مبدئيا إلى 26 يوليو/تموز الجاري، ليطلقها الرئيس -المولع بالاحتفالات- بنفسه، في حفل يليق به بحضور عدد من سفراء الخارج.

لماذا سفارة واشنطن؟

قد يتساءل البعض: قضية داخلية محضة عن حقوق الإنسان المصري في بلاده، لماذا تُعلن من البداية في واشنطن وليس من القاهرة؟!

يرتبط السؤال المطروح بتفاصيل وسياقات أخرى.

فالإستراتيجية الوطنية، تم الإعلان عنها -لأول مرة- في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بعد عامين كاملين من تأسيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، وتكليفها بوضع مسودة أولية للإستراتيجية.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إنها "تعكس إرادة سياسية أكيدة لإعطاء دفعة للجهود الوطنية، لتعزيز الحقوق والحريات الأساسية، تتسم بوضوح الرؤية والتوجه الاستراتيجي في التخطيط".

وأوضح المُتحدث باسم الخارجية أحمد حافظ -حينها- في جمل وألفاظ وأفكار "سيسية" مكررة أن "جهود الارتقاء بحقوق الإنسان تتأسس على توجيهات الرئيس بالاهتمام بحقوق الإنسان الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو المدنية والسياسية كجزء من خطة التنمية الشاملة للدولة، من واقع قناعة ذاتية بأهمية حقوق الإنسان باعتبارها مكونا أساسيا من مكونات الدولة المدنية الحديثة".

سياق التوقيت

في سياق التوقيت، الذي يتناقض تماماً مع النوايا الحسنة والقناعات الذاتية، استيقظت اللجنة العليا فجأة قبل أسبوعين من الانتخابات الأميركية، وحددت موعد إعلان الإستراتيجية، حينها كان المرشح الديمقراطي حينذاك جو بايدن يتوعد الرئيس السيسي بأنه لن يعطيه شيكات على بياض منتقدا وضع حقوق الإنسان في بلاده.

بدأ نظام السيسي حينها تحركه في 3 مسارات، مسار تجهيز وإعلان إستراتيجية حقوق الإنسان، على أمل أن تستهلك وقتا في الشرح الفلسفي والتنظير الممل.

بالتزامن مع حملة قمع شرسة، تعكس الرغبة في الاستفادة الكاملة من الأسابيع المتبقية من حكم ترامب في تعميق المزيد من الاستبداد، وإغلاق المنافذ.

وبحسب "كوميتي فور جستس"، صَعَّدت السلطات من حملتها على المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني. وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تم اعتقال جاسر عبد الرازق، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية (EIPR) من منزله بالقاهرة. وقبل ذلك بيوم واحد، أُلقي القبض على مدير وحدة العدالة الجنائية التابعة للمبادرة، كريم عنارة، كما اقتيد قبلهم المدير الإداري للمنظمة محمد بشير في 15 نوفمبر/تشرين الثاني.

أما المسار الثالث فكان تبييض سجل السيسي، في مجال حقوق الإنسان عبر التعاقد مع عدد من الشركات المتخصصة في العلاقات العامة، وجماعات الضغط.

حيث كشف موقع "فورين لوبي" (foreign lobby) عن أن السفير المصري لدى الولايات المتحدة، معتز زهران، تعاقد مع لوبي لتحسين صورة السيسي، لدى إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، ووقع عقدا بقيمة 65 ألف دولار شهريًا مع شركة "برونشتاين حياة فاربر شريك" يوم الاثنين 9 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وهو اليوم التالي لإلقاء جو بايدن خطاب فوزه.

هل تكترث القاهرة حقا؟

نحن نتكلم هنا عن تبييض صورة وليس عن تغيير حقيقي في نظرة النظام المصري لوضعية حقوق الإنسان، حيث اُستغل -لاحقا- انشغال إدارة بايدن بتسلم الحكم والجدل الذي أثاره سلفه، برفضه نتائج الانتخابات، في تدوير مئات المعتقلين -الذين تم الإفراج عنهم مع صدمة فوز بايدن الأولى- على ذمة قضايا جديدة.

تؤكد السردية السوداء، أن حلفاء الولايات المتحدة -الصغار- باتوا أكثر تصميما في تلك المرحلة من الزمن، على الاستقلالية ورسم مسار -سياستهم- الخاص، بعد فشل انتفاضة الربيع العربي، التي تم وأدها في مهدها، بعد أن كادوا يتجرعون مرارة الهزيمة على يديها وخطر الانزواء.

إشارات للخارج

نعود إلى الإستراتيجية: فالإعلان عن موعدها المقرر كان من واشنطن.. فهم المتلقي الوحيد، والجمهور المستهدف.

أما المسؤول عن وضعها، فهي اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان: التي تم تأسيسها في 2018، برئاسة وزير الخارجية سامح شكري، أو من يفوضه وعضوية ممثل عن الوزارات والجهات الآتية:

الدفاع، والتضامن الاجتماعي، والعدل، وشئون مجلس النواب، والداخلية، والمخابرات العامة، وهيئة الرقابة الإدارية، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، والمجلس القومي لشئون الإعاقة، والهيئة العامة للاستعلامات، والنيابة العامة.

وللحقيقة: منذ ذلك الحين لم يسمع بها أحد.

لكن أين ممثل المجلس القومي لحقوق الإنسان في عضوية اللجنة؟! لقد نسوه بالفعل، في حين وُضعت أسماء بعض أعضاء المجلس في الهيئة الاستشارية "لا تحتسب أصواتهم عند الاقتراع ".

بينما أكدت بعض أهداف اللجنة على تقنين الخطاب التبريري، ليظهر موحدا. والدعوة لتفعيل التعاون مع الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، للحصول على أشكال الدعم الفني والمالي المتاحة! الذي ُيفترض أنه يُقدم للجمعيات والمنظمات الأهلية المستقلة، وفي بناء القدرات والتدريب!

أما رؤية الهيئة الاستشارية للجنة -المكونة من 25 عضوا- فلم تختلف كثيرا عن صياغات أهدافها.

إذ قالت عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان وعضو الهيئة الاستشارية، البروفيسور نيفين الموساد، لصحيفة "ديلي نيوز إيجيبت" إن الإستراتيجية تهدف إلى عكس الظروف الحقيقية لحقوق الإنسان في مصر! وإبراز الجهود المبذولة بشأن هذه القضايا!

أما السفير علاء رشدي، مساعد وزير الخارجية والقائم بأعمال رئيس الأمانة الفنية للجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، فكشف عن إعداد تقارير لكافة الإنجازات التي شهدتها البلاد في مجال حقوق الإنسان! وإرسالها للسفارات للخارج.

واعتبرها الأمين العام للجنة ومساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان وقتها، السفير أحمد إيهاب جمال الدين "خارطة طريق ورؤية مصرية ذاتية، لما نريده لمصر في المستقبل القريب".

ذكرى مجزرة النصب التذكاري

الحديث كله إذا عن السفارات والخارج!

في المقابل ظل الوضع الحقيقي لحقوق الإنسان في مصر، مروعا بكل ما تحمله الكلمة من مآسي وهو لا يحتاج للشرح المفصل.

فقد نجح فريق "كوميتي فور جستس" في رصد 1917 واقعة اختفاء قسري، في 2020، تم توثيق 155 واقعة منها، وتصدر شهر سبتمبر/أيلول -قبل 17 يوماً من الإعلان عن الإستراتيجية- قائمة الانتهاكات بنحو 23% تقريبًا (451/1917).

بل تصدر شهر أكتوبر/تشرين الأول  نفسه -للفأل السيئ أيضا- قائمة الانتهاكات المرصودة بنحو 19% (2522/13261).

كما تم تحويل مئات الآلاف من المواطنين إلى المحاكمات الاستثنائية بالتزامن مع بدء تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية بإزالة المنازل والمباني المخالفة للقانون "أفضى لإزالة أكثر من 36 ألف مبنى في الفترة من نهاية شهر مارس/آذار إلى مطلع يوليو/تموز" في جمهورية الخوف.

الغريب أنه تم تحديد يوم 26 يوليو/تموز موعدا ثالثا لإعلان الإستراتيجية في حفل يحضره السيسي، أي ينظم خصيصًا للسيسي، أي يجمع بين عناصر البروباجندا والإبهار، لكن للفأل السيئ -للمرة الثالثة- يتزامن هذا الموعد مع التفويض الذي طلبه السيسي في 2013، لمكافحة ما أسماه الإرهاب والعنف المحتمل، وفي حين خرج موالون يرفعون شعار "افرم يا سيسي" ارتكب الجيش والشرطة في يوم 27 يوليو/تموز، مجزرة النصب التذكاري، التي أسفرت عن مصرع 95 شخصا، بحسب مصلحة الطب الشرعي، و200 قتيل و5 آلاف مصاب، بحسب المستشفى الميداني في رابعة.

حديث استهلاكي بحسب البعض عن حقوق الإنسان، في ظل جمهورية خوف حط فيها نسر العسكر على رؤوس الناس، بعد أن أكل أرزاقهم وقضى على كرامتهم. ومزاعم مرهونة بمشاهد هدم المباني والتهجير والإزالات والحبس الانفرادي والإخفاءات القسرية والحرمان والموت والعذاب الأليم ..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.