الجنوب السوري.. نموذج على المعارضة عدم إهماله

(وكالة الأنباء الأوروبية)

مضى على توقيع اتفاق التسوية في الجنوب السوري 3 سنوات دون أن تكون هناك بوادر لحصول استقرار مستدام، فيما كان النظام منشغلا بإعادة فرض السيطرة الأمنية على مدن ومحافظات درعا والقنيطرة بعدما تم تفكيك الفصائل وتجريد سكان المنطقة من السلاح الثقيل والمتوسط.

عمل النظام على إعادة الانتشار العسكري على مداخل ومخارج المدن والبلدات بغرض قطع خطوط الإمداد والاتصال بين أرياف درعا والقنيطرة، وتسهيل القدرة على شن العمليات الأمنية لفرض السيادة عبر إعادة توقيع اتفاقيات التسوية مثلما حصل في مدن طفس وجاسم وأم باطنة وغيرها.

على المعارضة السورية أن تكون أكثر حذرا وحرصا خلال التعاطي مع العملية السياسية، فالتسوية العسكرية قد لا تختلف كثيرا عن التسوية السياسية إن لم تكن هناك ضمانات تحافظ من خلالها على أدوات التغيير على المديين المتوسط والبعيد، لأن النظام لن يفوت الفرصة لإعادة تفكيك المشهد كاملا عسكريا وأمنيا وإداريا بما يضمن إعادة تشكيله للسلطة.

عموما، لم تثمر تلك الجهود في إعادة عمل اللجان الأمنية وانتشار الوحدات العسكرية في جميع المدن والبلدات، وحال دون ذلك نسبيا الدور الذي أدته اللجنة المركزية في توفير الحماية للسكان المحليين، بضمان تنفيذ اتفاق التسوية أو عدم نقضه بشكل كامل على أقل تقدير، مستفيدة بدورها من العلاقة الوثيقة مع فصائل التسوية والقدرة على التواصل مع روسيا والقبول الاجتماعي لها من العوائل والعشائر.

لم تلتزم روسيا بالوعود التي قدمتها أواخر يونيو/حزيران 2018 إلى خلية الأزمة (تحولت لاحقا إلى اللجنة المركزية في درعا) بضمان تنفيذ بنود اتفاق التسوية، إذ لم تمنع النظام السوري من إعادة الانتشار الأمني والعسكري، بل عملت أحيانا على الضغط على اللجنة المركزية وأهالي المدن والقرى من أجل النزول عند الشروط الجديدة وتوقيع اتفاقيات إعادة التسوية مثلما حصل في طفس غرب درعا أواخر يناير/كانون الثاني 2021 عندما هددت باستخدام سلاح الجو ما لم يتم توقيع اتفاق إعادة التسوية.

وهذا يعني أن روسيا لم تبد أي مصداقية عندما قدمت نفسها كوسيط بين النظام والمعارضة جنوب البلاد يمكن الرجوع إليه لضمان تنفيذ اتفاق التسوية، وما يعزز هذه الصورة لجوؤها مؤخرا للطلب من اللجنة المركزية بتسليم السلاح الخفيف في درعا البلد لاتخاذها إجراءات تدفع النظام السوري لسحب الوحدات العسكرية واللجان الأمنية من المنطقة.

ثمة عدم رغبة واضحة من النظام السوري باتخاذ أي خطوات من شأنها ضمان عودة السلم الأهلي لجنوب سوريا، فيما ينصبّ تركيزه على فرض السيادة العسكرية والأمنية والإدارية لتكون المنطقة كما كانت عليه قبل عام 2011.

ليس الجنوب فحسب، بل ينطبق نهج المقاربة الأمنية أيضا على كل المناطق التي وقعت اتفاقيات التسوية، مما لن يقود إطلاقا إلى استقرار أو سلم، وهذا يعني أيضا أن النظام السوري وحلفاءه -وتحديدا روسيا- لا يبدون أي جدية في التعاطي مع العملية السياسية، بمعنى أن المشاركة في المفاوضات مع المعارضة السورية ليست أكثر من كسب للوقت لحين حسم السيطرة عسكريا وأمنيا أو بما يعزز حظوظه في أي تسوية بين الولايات المتحدة وروسيا حول سوريا.

على المعارضة السورية أن تكون أكثر حذرا وحرصا خلال التعاطي مع العملية السياسية، فالتسوية العسكرية قد لا تختلف كثيرا عن التسوية السياسية إن لم تكن هناك ضمانات تحافظ من خلالها على أدوات التغيير على المديين المتوسط والبعيد، لأن النظام لن يفوت الفرصة لإعادة تفكيك المشهد كاملا عسكريا وأمنيا وإداريا بما يضمن إعادة تشكيله للسلطة.

وقبل الحصول على الضمانات لا بد للمعارضة ألا تمنح النظام فرصة كسب مزيد الوقت ما لم تكن لديها خطة واضحة في ضمان عدم تآكل المزيد من مناطق السيطرة التابعة لها عسكريا ومناطق التسويات أمنيا، وهذا يقتضي إعادة النظر في العلاقة مع فصائل التسوية واللجنة المركزية في جنوب سوريا.

وإن عدم جدية النظام السوري في التعامل مع التسوية عموما -سواء السياسية والعسكرية- نابعة من عدم اعترافه أصلا بوجود أي حقوق أو مطالب محقة للسوريين، ولذلك يلجأ إلى اعتبار حملة السلاح إرهابيين واقتصار المعارضة الوطنية على تلك التي تنشط بموجب موافقة حكومية.

في الواقع، لا يمكن الوثوق بدور روسيا لوحدها كوسيط في أي تسوية سياسية أم عسكرية، ولا بد من مشاركة أكبر لجميع الفاعلين لضمان تحقيق استقرار مستدام وعودة السلم الأهلي، فالولايات المتحدة عندما وقعت اتفاق خفض التصعيد جنوب سوريا عام 2018 كان على روسيا أن تعمل على إبعاد إيران عن الشريط الحدودي مع إسرائيل مسافة 80 كيلومترا، لكنها لم تلتزم بذلك، بصرف النظر إن كان ذلك نتيجة عدم رغبة أو قدرة.

وهذا يعني أن التسوية السياسية حتى تكون ذات مصداقية ومستدامة لا بد أن تشهد توسعة في عدد الدول الضامنة والمراقبة لسير المفاوضات وتنفيذ الالتزامات، وإلا فإن حالة عدم اليقين ستبقى ملازمة لمصير العملية السياسية.

وعليه، يُفترض أن تسعى المعارضة السورية إلى توسيع الأدوات التي تعتمد عليها في مواجهة النظام السوري، من قبيل محاولة تجريده من الأدوات التي يستخدمها، إذ يمكن أن يساهم التواصل مع اللجنة المركزية في درعا وبناء علاقات إيجابية معها، وحتى العمل على إشراكها في الهيئة العليا للمفاوضات كمنصة مستقلة في تعزيز موقفها جنوب البلاد لفرض مزيد من الإخفاق على مقاربة النظام الأمنية، كذلك لا بد من إعادة بناء الثقة في العلاقة مع الولايات المتحدة والعمل على حثها على المشاركة في ضمان سير العملية السياسية قدما وليس مجرد مراقبة المفاوضات.

ولا تتعارض هذه الخطوات مع أي أولويات أخرى بالنسبة للمعارضة السورية من قبيل الإصلاح الداخلي والردع العسكري وغير ذلك، بل تبدو فرصة تستحق إيلاء اهتمام كبير بها مع الأخذ بالاعتبار التحديات والمخاطر المحتملة التي تتعلق بموقف روسيا وردة فعل النظام السوري الأمنية والعسكرية جنوب البلاد.

بالمحصلة، يبدو الجنوب السوري مثالا ونموذجا مهما يستحق التقييم بعناية بالغة من قبل المعارضة السورية بعد 3 سنوات، سواء لفهم مصير أي تسوية سياسية محتملة في حال بقي أداء وأدوات المعارضة على حالها، ولدراسة البدائل التي يمكن اللجوء إليها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.