5 سنوات على المحاولة الانقلابية.. فشل عزل تركيا عن محيطها الإقليمي
تحتفل تركيا هذه الأيام بمرور 5 سنوات على انتصار الشعب التركي على المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قامت بها "منظمة غولن الإرهابية" ليلة 15 يوليو/تموز 2016.
لقد انتصر الشعب في تلك الليلة على قوى الشر التي تعاضدت لهدم الديمقراطية التركية، والعودة بعقارب الساعة إلى الوراء، واستعادة الحكم العسكري البغيض الذي عانت منه تركيا لعقود طويلة.
هي 5 سنوات أصبحت تركيا خلالها أفضل حالا وأكثر قوة، وقد ظهر ذلك جليا في سياساتها الخارجية، فقد لعبت تركيا دورا مهما في دعم الحكومة المعترف بها دوليا بليبيا في مواجهة محاولة انقلابية واعتداء على العاصمة طرابلس، ونرى الآن ثمار هذا الدعم متمثلة في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية والتحضير للانتخابات العامة في البلاد.
كذلك وقفت تركيا إلى جانب قطر أثناء اندلاع الأزمة الخليجية من بعض جيرانها ودعت إلى حل الأزمة بالحوار منذ اليوم الأول، وساندت تركيا السوريين في المنطقة الحدودية وحمتهم من هجمات نظام الأسد الدموية، ولا سيما بالبراميل المتفجرة، ووقفت إلى جانب أذربيجان لتحرير أرضها، كما شجعت الفلسطينيين -وما تزال- على الحوار وإنهاء الانقسام، ولتركيا أيضا حضور في أفريقيا وآسيا لدعم الشعوب.
كما كان لتركيا دور كبير في مساعدة العديد من الدول على مواجهة الأزمات الناجمة عن تفشي وباء كورونا، سواءً على صعيد المستلزمات الطبية أو الخبرة.
كانت هذه المحاولة الغادرة تريد عزل تركيا عن محيطها الإقليمي وتحجيم دورها الكبير الذي تتطلع إليه الشعوب المظلومة، ومن ثم تعود دولة هامشية غير مؤثرة
لم تكن خطة الانقلاب محض صناعة محلية فقط، وإن كانت هذه المنظمة الإرهابية واجهة الانقلاب، فالمؤكد أنها نفذت محاولتها استجابة لمؤامرة واسعة شاركت فيها أطراف إقليمية ودولية، خَصّصت لها المليارات، وسخرت لها وسائل الإعلام، ورتبت لها الترحيب والاعتراف فور الإعلان عن نجاحها، لكن وقفة الشعب التركي البطولية في تلك الليلة أجهضت هذه المؤامرة في ساعات قليلة، وإن مرت كأنها شهور ثقيلة.
سعى القائمون على محاولة الانقلاب هذه إلى تركيع الشعب التركي مجددا تحت حكم عسكري استبدادي، وجعل تركيا رهينة لنفوذ قوى دولية، كما كان الوضع من قبل، لكن الشعب التركي لم ينس جرائم الحكم العسكري، كما لم ينس الآلاف من ضحايا الانقلابات السابقة بين شهيد ومعتقل ومفصول من عمله ومطارَد، فقرر ألا يسمح بتكرار تلك المأساة، وواجه مدرعات الانقلابيين بصدور عارية، ونجح في طردها من الأماكن التي استولت عليها، مدعوما بقوات الشرطة الخاصة، وكان ذلك بتوجيهات رئيس حازم لم يفقد أعصابه في تلك اللحظة العصيبة، بل قاد شعبه وأصر أن يكون في قلب المواجهة.
في تلك الليلة، سطّر الشعب التركي وقواه السياسية المتنوعة ملحمة بطولية خالدة قدمت نموذجا لغيره من الشعوب التي تواجه انقلابات عسكرية، ولم يتخلف عن تلك الملحمة الشعبية أي حزب سياسي أو حركة اجتماعية، بل وقف الجميع صفا واحدا في مواجهة المؤامرة، لأنهم جميعا كانوا يدركون أنهم سيكونون ضحاياها حال نجاحها كما كانوا ضحايا انقلابات سابقة.
وبمرور الوقت تبين للجميع أن هذه المحاولة الانقلابية لم تكن تستهدف فقط الرئيس رجب طيب أردوغان أو أركان حكومته فحسب، بل كانت تستهدف الديمقراطية التركية بوجه عام، وهي الديمقراطية التي أصبحت نموذجا ملهما للعديد من شعوب ودول المنطقة.
كانت هذه المحاولة الغادرة تريد عزل تركيا عن محيطها الإقليمي وتحجيم دورها الكبير الذي تتطلع إليه الشعوب المظلومة، ومن ثم تعود دولة هامشية غير مؤثرة.
هذا الدور الإقليمي المحمود جعل من تركيا قِبلة للمظلومين والمضطهدين في بلادهم، ودفع الغالبية العظمى من الشعوب العربية إلى الوقوف بجانب تركيا في محنتها، حتى إن الملايين تسمروا في ليلة 15 يوليو/تموز 2016 أمام شاشات التلفاز ليتابعوا الملحمة الرائعة التي قدمها الأتراك دفاعا عن ديمقراطيتهم ونظامهم السياسي، كما هرع الآلاف في دول عديدة إلى المساجد داعين الله تعالى أن يحفظ تركيا من غدر الغادرين.
هي 5 سنوات على المحاولة الفاشلة، لم تتوقف خلالها أيضا المؤامرات على تركيا وديمقراطيتها ونهضتها الاقتصادية، فمحاولات الذين لا يريدون الخير لتركيا استمرت خلال السنوات الماضية، تارة باستهداف الاقتصاد ومحاولة إضعاف العملة الوطنية (الليرة)، وأخرى بحملات إعلامية لا تهدأ في التأليب على تركيا ورئيسها المنتخب.
لكن إدراك الشعب لحقيقة تلك المؤامرات ساعده في التصدي لها، وإبطال مفعولها، وها هو ذا الاقتصاد التركي يواصل نموه وتطوره محتلا المرتبة الـ16 عالميا، وقد رفعت المؤسسات الدولية توقعاتها لمعدل النمو في تركيا خلال العام الجاري 2021، كما قفزت الصادرات التركية فوق 17% في الربع الأول لهذا العام، وها هي ذي حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي أطلقتها الدولة تنجح في مواجهة تداعيات كورونا.
وقد بدأ الاقتصاد التركي يخرج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، وينتظره مستقبل واعد بعد رفع الإجراءات الاحترازية الخاصة بوباء كورونا، وعادت تركيا لتشهد تدفقا للسياح من كل بقاع العالم، حيث كانت وستظل وجهتهم المفضلة. وقد مثّلت اكتشافات الغاز الأخيرة بارقة أمل في استقلال مصادر الطاقة وتنوعها، وتبشر الاستكشافات المستمرة بأيادٍ تركية بالمزيد من آبار الغاز الطبيعي الواعدة.
وفي مجال الدفاع، تنامت الصناعات العسكرية التركية لتُؤَمِّن احتياجات البلاد، بل وتقتحم مجال التصدير، حتى أصبحت العديد من البلدان الحليفة والصديقة تسعى لامتلاك السلاح المُصنّع في تركيا، ولعل تنامي الطلب الدولي على الطائرات التركية المسيّرة (بيرقدار) أكبر شاهد على ذلك.
واليوم، ومع مرور 5 سنوات على هذه المحاولة الفاشلة، نستذكر شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطننا العزيز، وسطّروا بدمائهم الذكية طريقا لا نحيد عنه.
كما نستذكر دائما وقفة قطر بقيادة سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي كان أول زعيم عربي يتصل بالرئيس أردوغان، مؤكدا رفضه لمحاولة الانقلاب، ودعمه الكامل لتركيا، وهو الموقف الذي تبناه الشعب القطري الأصيل، وشعر به إخوانهم الأتراك.
ولا يفوتنا أن نتوجه بالتحية أيضا إلى أصدقاء تركيا الذين لم يتخلوا عنها في أي لحظة، وفي القلب البلدان العربية والإسلامية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.