نظرات وعبرات | صناعة العدو وصناعة الصديق (2)

blogs الإخوان المسلمين
(مواقع التواصل الاجتماعي)

تمت صناعة العدو "الإخواني" بصورة شديدة الإتقان، وخلال وقت وجيز، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين -ومن بعدها جماعات الإسلام السياسي- العدو الأكبر الذي يهدد المنطقة العربية ويزعزع استقرارها، وتم اتخاذ الإجراءات التنفيذية والتشريعية اللازمة لتفكيك مؤسساتهم، والسيطرة على ممتلكاتهم، واعتقال كوادرهم، وتهديد من تسوّل لهم أنفسهم بالتعاون معهم أو الدفاع عنهم، والتشهير بهم في المنابر الإعلامية والأكاديمية والثقافية. ليس هذا فحسب، بل وتقديم البديل الإسلامي الوسطي المتصالح مع الحضارة الغربية، والمتسامح مع جذور العداء التاريخية معها، والمدافع عن كل ما تقوم به السلطة من قمع واضطهاد وظلم واستبداد، بحجة أن السلطة مفوضة باتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات للمحافظة على استقرار الدولة، وحماية الشعب من الفتن.

 

من المؤسف والمؤلم جداً، الحديث عن عدو داخلي، تمت صناعته من بين أبناء الوطن الذين يشكلون ثروة تنموية له في كافة المجالات، ولطالما عملوا جنباً إلى جنب مع السلطات الحاكمة في العديد من دول المنطقة، لصالح استقرارها ونمائها ورخائها، عدو تمت صناعته بطريقة إجرامية بشعة لتحقيق أهداف سياسية، ضمن التحضير لعملية التحول القادمة في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني وشركاه.

 

نتائج صناعة العدو "الإخواني"

تميزت عملية صناعة العدو "الإخواني" هذه المرة بعدّة خصائص تحدث لأول مرة في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، وكان لهذه الخصائص العديد من النتائج السلبية البالغة، التي زاد من حدة خطورتها تزامنها مع عملية صناعة الصديق "الصهيوني" وتفكيك العداوات التي كانت تغلّفه على مدى العقود السابقة من عمر القضية الفلسطينية، وأبرز هذه الخصائص:

  • البعد الإقليمي:

حيث اشتركت عدة دول عربية، ولأول مرة، في موقف موحد من جماعة الإخوان المسلمين، ومن خلفها جماعات الإسلام السياسي، واعتبارها العدو الأكبر الذي يهدد الاستقرار، ويفرض على هذه الدول العمل المشترك للقضاء عليه والتخلص منه.

  • تهمة الإرهاب:

حيث قامت الدول المعادية للإخوان المسلمين -ولأول مرة كذلك- بتصنيفها كجماعة إرهابية متطرفة، تخضع لقوانين الإرهاب المحلية والدولية.

  • النزعة الاستئصالية:

لم تشهد المواجهات، التي تعرضت لها جماعة الإخوان المسلمين على مدى تاريخها، ما تشهده هذه المرة من نزوع حاد إلى استئصال جذورها وتدمير بنيتها التنظيمية والفكرية، بمشاركة عدة دول، منها ما هو في رأس الحربة، ومنها ما هو في المؤخرة يقدم الدعم والتأييد.

  •  ضعف النصير:

لأول مرة كذلك، يقل النصير العربي القوي للإخوان المسلمين، بعد تعرضهم للقمع والاضطهاد في الدول التي تعاديهم حالياً، في المرات السابقة التي تعرضوا فيها للقمع والاضطهاد، على يدي نظام الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر في مصر، والرئيس السابق حافظ الأسد في سوريا، كانت دول الخليج والمغرب العربي تفتح أبوابها للإخوان المسلمين، وتستفيد من وجودهم فيها سياسياً وتنموياً، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الغربية التي كانت مناوئة لنظامي حكم عبد الناصر والأسد، أما هذه المرة فلم يبق إلى جوارهم سوى تركيا، بعد أن تراجعت كل من قطر والسودان خطوات إلى الوراء بسبب الضغوط الناجمة عن الظروف الاستثنائية الخاصة بكل منهما.

وقد ترتب على هذه الخصائص الأربع، كما أسلفنا، مجموعة من النتائج والآثار الفادحة على جماعة الإخوان المسلمين، من أهمها:

  • انشغال قيادة الجماعة بحماية التنظيم والحيلولة دون حدوث انشقاقات رئيسية فيه، واضطراب أدائها في إدارة الأزمة، وضعف حراكها السياسي محلياً وإقليمياً ودولياً.
  • غياب الرؤية السياسية التي تناسب حجم الأزمة السياسية للجماعة في مصر.
  • انكفاء عدد كبير من قواعد الإخوان المسلمين على أنفسهم من كافة التخصصات، خوفاً من التضييق أو المساءلة الأمنية، أو الاعتقال، إذا تم اكتشاف هويتهم الفكرية التنظيمية.
  • انحسار الحضور الجماهيري والفعاليات التضامنية والتفاعلية مع المناسبات والأحداث العربية والإسلامية المختلفة التي درجت الجماعة على اغتنامها باستمرار.
  • ضعف قدرة جماعة الإخوان المسلمين على الحشد الجماهيري، بسبب خوف الجماهير من إظهار التعاطف والتضامن مع الإخوان.
  • محاولة بعض الأطراف الاستفادة من الأزمة التي تمر بها الجماعة، واستقطاب العناصر المتذمّرة لتعميق انشقاقات البنية التنظيمية للجماعة، والإمعان في تفتيتها.

هذه النتائج أضعفت كثيراً قدرة الإخوان المسلمين على الحراك والحشد والتعبئة في وجه التحديات الكبرى التي تجتاح المنطقة العربية، الأمر الذي قد يكون لدى الدول المعادية للإخوان المسلمين مؤشر على نجاح عملية تحويلهم إلى عدو، ما قد يدفعهم إلى ممارسة المزيد من الضغوط لتوسيع دائرة الاستعداء ضدهم إقليمياً ودولياً.

ماذا بعد صناعة العدو "الإخواني"؟

مضى على صناعة العدو "الإخواني" ما يقرب من ثم8 اني سنوات، ومازالت عملية تغذية النموذج وترسيخه لدى جماهير الدول التي صنعت العدو -على وجه الخصوص- تسير على قدم وساق، على مستوى بناء الأفكار وتوجيه المواقف وغرس القيم البديلة، وما يترتب عليها من سلوكيات، وصار الإخوان المسلمون الشماعة التي تعلّق عليها أنظمة الحكم المعادية الكوارث التي تقع فيها، والفشل الذي ينتظر خططها ومشروعاتها، والخطط التي تضعها، والاتفاقيات التي تبرمها، والانتهاكات التي ترتكبها، والإنجازات التي تحققها في مواجهتها. فماذا بعد ذلك؟

تضع الدول التي تصنع العدو تصوراً لكيفية التعامل معه، حسب الإستراتيجيات المرسومة له، ومن أشهرها:

  • المحافظة على العدو:

وتغذيته، ليستمر في دوره الحيوي في توحيد موقف المجتمع منه، وتعزيز التفاف الشعب حول نظام الحكم، ودعمه لخططه، وسكوته عن جرائمه، ولكن مع مراقبة دقيقة لنشاطه، حتى لا يقوم باختراق المجتمع وتفكيك النظام من الداخل، كما هو الحال مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

  • تذويب العدو:

بتجريده من خصائصه وعناصر تميزه، ومن ثم إذابته في المجتمع، كما فعلت الولايات المتحدة مع الهنود الحمر سكانها الأصليين، الذين تمت إذابتهم تماماً في حضارة المحتلين البيض.

  • تفكيك العدو:

كما فعلت الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى تفكيكه وانهياره عام 1989، بعد أكثر من ٤٠ عاماً من الحرب الباردة الشرسة بينهما.

  • تدمير العدو:

كما فعلت الولايات المتحدة مع نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، حيث تم توريطه في احتلال الكويت، ثم أخرجته منها، وحاصرته حصاراً مريراً لأكثر من 10 سنوات قبل أن تقضي عليه في حرب عنيفة، بحجة أنه نظام إرهابي يدعم الإرهاب ويمتلك أسلحة الدمار الشامل، ويتعامل مع تنظيم القاعدة، ويهدد أمن واستقرار الولايات المتحدة والعالم.

فما الإستراتيجية التي وضعتها الدول التي صنعت العدو "الإخواني" للاستفادة منه أو القضاء عليه؟

هل ستحافظ على الإخوان المسلمين كورقة ضغط سياسية يتم استعمالها في التوازنات السياسية الداخلية والخارجية، وخاصة ما كان منها ذا طابع ديني؟ وكان الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات قد أخرج الإخوان المسلمين من معتقلات نظام عبد الناصر بعد موته، وقدم لهم بعض التسهيلات ليستعين بهم على خصومه السياسيين وعلى رأسهم التيار الشيوعي، وعندما تولى الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الحكم، بعد اغتيال السادات، حافظ على ورقة الإخوان المسلمين، ولكن ليضرب بهم هذه المرة الجماعات الإسلامية المتطرفة، واستمر على ذلك إلى أن انقلب عليهم بعد النجاح الكبير الذي حققه الإخوان المسلمون في انتخابات النقابات المهنية.

أم ستعمل على معالجة فكر الإخوان المسلمين، وتقنين وجودهم التنظيمي، واستيعابهم ضمن الإطار الوطني للدولة تحت الرقابة الأمنية الصارمة، واستغلالهم من جديد للخروج من المأزق السياسي الذي تمر به هذه الدول، وعلى رأسها مصر؟

أم أن المرحلة القادمة التي ستشهدها المنطقة، وهيمنة الكيان الصهيوني فيها، لا تسمح للإخوان المسلمين بموضع قدم، وأن الإستراتيجية الأنسب لها هي إستراتيجية التدمير؟ وهذا أمر بعيد المنال.

من المؤسف والمؤلم جداً أن الحديث ينصب على عدو داخلي، تمت صناعته من أبناء الوطن الذين يشكلون ثروة تنموية له في كافة المجالات، ولطالما عملوا جنباً إلى جنب مع السلطات الحاكمة في العديد من دول المنطقة، لصالح استقرارها ونمائها ورخائها، عدو تمت صناعته بطريقة إجرامية بشعة لتحقيق أهداف سياسية، وطموحات سلطوية، ضمن التحضير لعملية التحول القادمة في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني وشركاه، الذين يعملون بكل جد واجتهاد في الاتجاه المقابل لتفكيك العدو الصهيوني وإعادة صناعته كصديق ودود لدول المنطقة وشعوبها.  (يتبع..)

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.