مصدرها الخوف وتنتج الفزع.. دائرة الرعب المسيطرة على الاعتداءات الإسرائيلية

(وكالة الأناضول)

تعتبر الاعتداءات والسياسات الاستعمارية الإسرائيلية -إلى جانب ممارسات مثل إنشاء مستوطنات يهودية جديدة وانتهاك حقوق الفلسطينيين والاعتداءات على المسجد الأقصى- كلها ممارسات غير استثنائية ولا يجب أن نتوقّع نهاية قريبة لها.

ويرى الكاتب أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه إثر التصعيد الأخير -والذي اعتُبر هزيمة لإسرائيل- لا يعني أن الاحتلال سيغير سياساته في المستقبل؛ والسبب هو أن تفسير الإسرائيليين لليهودية قائم على الفكر الصهيوني.

ومع ذلك، لا بد من توضيح الفرق بين حقيقة اليهودية وهذا التفسير. وفي الواقع، إن السياسة الرسمية لدولة إسرائيل اليوم تعكس نفس هذا التفسير، ونسبة من السكان اليهود لا يوافقون عليه، إلا أن أعدادهم -لسوء الحظ- في تناقص مستمر.

إن إسرائيل اليوم يحكمها فكر لا يقيم أي اعتبار لمن لا يؤمنون بالصهيونية، وهو فكر يسمح بتدمير وإقصاء وتشريد الناس من بيوتهم إن لزم الأمر من أجل تحقيق أهداف الفكر الصهيوني الذي يحرض على العنصرية تجاه الآخرين بناء على الاعتقاد بأن هذه الأفكار الصهيونية وردت في الكتاب المقدس.

لعل أكثر الأمثلة وضوحا في التاريخ -حول اتخاذ إجراءات قاتلة بدافع الفزع- ما ارتكبه فرعون بدافع الخوف من طفل من بني إسرائيل، حيث قتل كل المواليد في ذلك الوقت، لكن الطفل الذي هدد عرشه كان يعيش في هدوء داخل قصره.

لهذا السبب، كل الذين يتجرؤون على انتقاد هذه المعتقدات الخطيرة -حتى في الولايات المتحدة- سينظر إليهم مباشرة على أنهم أعداء اليهود، وستتم معاملتهم كمجرمين وأعداء للإنسانية.

إن هذا الفكر الصهيوني يعتبر جريمة ضد الإنسانية، وهو يمثل أيديولوجيا خطيرة لا يمكن تجاهلها. وبات من الواضح كيف أن فكرا من هذا النوع يمكنه زرع بذور الكراهية والحقد ضد المنتمين لأعراق أو معتقدات أخرى، وهو بصدد جر الشرق الأوسط والعالم بأكمله نحو الاضطراب.

حتى أولئك الذين ينتقدون الصهيونية لهذا السبب أو لأنها ألحقت بهم الأذى يُتهمون مباشرة بمعاداة السامية. وحتى خلال الحوارات في شوارع إسرائيل، فإن كل الذين يتحدثون للصحفيين -سواء كانوا شبابا أو كبار السن، رجالا أو نساء- يُجمعون كلهم تقريبا على أن "المسلمين والعرب يمثلون خطرا ويجب تدميرهم عندما تحين الفرصة". ويعبّر الإسرائيليون عن هذه الفكرة بالإجماع، ورغم حقيقة أن المسلمين لم يكونوا أبدا أعداء لليهود؛ فإن شوارع إسرائيل اليوم مليئة بأعداء المسلمين.

بالإضافة إلى ذلك، يستخدم هؤلاء اليهود الخوف مبررا للكراهية، ويقولون "إن المسلمين والعرب برمتهم يجب تدميرهم، بقطع النظر عن الأطفال والعجائز، لأنهم كلهم إرهابيون ومخيفون".

إن سياسة الدولة الإسرائيلية هي السبب الوحيد وراء تشكل هذه الدوامة من الكراهية والخوف. وفي آخر مقال نُشر له، كان الكاتب التركي صلاح الدين شاكرجل قد أعلن بشكل صادم أن الوضع الذي يحول الاعتداءات الإسرائيلية المعتادة إلى ثقافة هو أنهم "يقتلون عندما يخافون، وعندما يقتلون يشعرون بالخوف، ويتملّكهم الخجل".

الإسرائيليون لا يشعرون بالعار أو الخجل من أي شيء، بل هم فقط خائفون. وكلما زاد خوفهم زادت وتيرة جرائم القتل، حيث إنهم يقتلون من يخيفهم.

إن المنطق يقتضي أن الفلسطينيين هم من يشعرون بالخوف في ظل عدم تكافؤ القوى بين الجانبين؛ فمن جهة يوجد دولة إسرائيل التي تحولت إلى آلة قتل وحشية، وفي الطرف المقابل الفلسطينيون الذين يتعرضون باستمرار للقتل والتهجير من بيوتهم، والأحكام المؤبدة والعيش في البؤس، مع تقييد حرياتهم وعدم الاستجابة لاحتياجاتهم الإنسانية.

اليوم، نرى أن الفلسطيني -من خلال التشبث بأرضه والمقاومة- يكون لمواقفه أثر كبير جدا، وهو ما يثير خوف الإسرائيليين؛ وسبب هذا الخوف هو أن إسرائيل -بعد الذي مر بها خلال العقود الماضية- تواجه فراغا كبيرا داخل قلبها وروحها، والحجارة التي يلقيها الأطفال الفلسطينيون تقتحم هذا الفراغ وتسبب الزلازل وتبث الرعب في أنفسهم. هؤلاء الأطفال الصغار -وعيون الفتيات المبتسمات في وجه العنف المسلط عليهن- يخيفون آلة القتل الإسرائيلية ويدفعونها لارتكاب المزيد من الجرائم.

وفي كتابي الصادر في سنة 2010 بعنوان "الخوف والسلطة"، حاولتُ أن أبين كيف أن توازن الخوف والسلطة تحول إلى جنون ارتياب خاصة لدى الحكومات التي في النهاية عادت عليها سياساتها بالوبال.

ولعل أكثر الأمثلة وضوحا في التاريخ حول اتخاذ إجراءات قاتلة بدافع الخوف؛ ما ارتكبه فرعون بدافع الخوف من طفل من بني إسرائيل، حيث قتل كل المواليد في ذلك الوقت، لكن الطفل الذي هدد عرشه كان يعيش في هدوء داخل قصره. وعلى نفس الشاكلة، فإن إسرائيل ستواجه في النهاية مصيرها المحتوم الذي تخاف اليوم من تحققه؛ فمن خلال دوامة العنف التي دخلت فيها بدأت إسرائيل تكتب نهاية دولتها.

انظروا إلى العالم الإسلامي الذي بات عاجزا عن التوحد في أي مناسبة، كيف أنه عندما وقعت الاعتداءات الإسرائيلية سرعان ما تذكر الجميع أنه عالم موحد. فالهتافات التي رُددت في كامل أنحاء العالم الإسلامي وحتى في الأراضي الأميركية والأوروبية على إثر الاعتداءات الإسرائيلية والتحركات الدبلوماسية المكثفة التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان منذ آخر يوم في رمضان؛ كلها تظهر أن هذا العالم الإسلامي استعاد نبضه من جديد.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.