مشهد المقاومة في القدس.. هل يثير مخاوف الكتاب الصهاينة على مستقبل إسرائيل؟
القراءة السطحية المبسطة للواقع تشير إلى أن إسرائيل بلغت أوج قوتها، وسيطرت على المنطقة، وباتت النظم العربية الحاكمة ترى في إقامة العلاقات معها ما يضمن استقرارها.
يقول شبيط إن القوة الوحيدة القادرة على إنقاذ إسرائيل من نفسها هم الإسرائيليون أنفسهم، وذلك بابتكار لغة سياسية جديدة تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض، وأن الإسرائيليين يدركون منذ أن جاؤوا إلى فلسطين أنهم مجرد كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية.
وقد قامت أميركا بنقل سفارتها للقدس معترفة بأنها عاصمتها، وانتشرت المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، ويقوم الجيش الإسرائيلي بشكل متواصل بقهر الفلسطينيين دون أن يجرؤ حكام العرب على الشجب والإدانة أو حتى التعبير عن القلق.
لكن هناك قراءة أخرى أكثر عمقا حيث يوضح لنا التاريخ أن غرور القوة، والشعور بالاستعلاء والغطرسة والتفوق والعلو يمكن أن يكون بداية الانهيار والسقوط والضعف.
لذلك بدأ كتاب صهاينة يدركون خطورة حالة الغرور والاستكبار التي يمر بها الكيان الصهيوني، وما يمكن أن يؤدي إليه قهر الشعب الفلسطيني، صاحب الحقوق التاريخية في أرض فلسطين، من نتائج سلبية على مستقبل الاحتلال.
نهاية فرص السلام
تحليل مقالات عدد من الكتاب الصهاينة يشير إلى أن هناك حالة خوف بدأت تتسرب إلى نفوسهم من أن انتهت فرص السلام، وأن التطبيع مع النظم العربية كان نتيجة للاستخدام المفرط للقوة، وأن تلك النظم تسعى إلى إرضاء أميركا، بينما الشعوب العربية ترفض هذا الاستسلام والخضوع والخنوع.
من أهم تلك المقالات ما كتبه آري شبيط في جريدة هآرتس، وكانت أهم الأفكار التي دارت حولها أن اسرائيل تلفظ أنفاسها، وبرر مقولته بأنه لم يعد من الممكن إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام.
إن أصحاب الأرض الحقيقيين يستطيعون الدفاع عنها، وقوتهم تكمن في إيمانهم وصمودهم وإصرارهم.. إنهم يقاومون ويتحدون القوة الغاشمة، وهم مستعدون دائما للتضحية بأنفسهم دفاعا عن القدس التي يؤمنون بأنها حقهم وأرضهم وعاصمتهم وحياتهم
يضيف شبيط أن اسرائيل وصلت إلى نقطة اللاعودة، ولم يعد من الممكن إنقاذ الديمقراطية أو إصلاح الصهيونية، وأن الحل أمام الإسرائيليين يتمثل في مغادرة البلاد، والانتقال إلي سان فرانسيسكو أو برلين.
ويقول أيضا إن القوة الوحيدة القادرة على إنقاذ إسرائيل من نفسها هم الإسرائيليون أنفسهم، وذلك بابتكار لغة سياسية جديدة تعترف بالواقع، وبأن الفلسطينيين متجذرون في هذه الأرض، وأن الإسرائيليين يدركون منذ أن جاؤوا إلى فلسطين أنهم مجرد كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية.
المرابطون يوضحون الحقيقة
لكن ما علاقة نشر ذلك المقال بالأحداث الأخيرة وما أوضحته من بطولات المرابطين في الدفاع عن بيت المقدس، والانتصار على المستوطنين وطردهم من ساحة المسجد الأقصى، وإزالة الحواجز من باب العامود، والصمود في حي الشيخ جراح.
إن أصحاب الأرض الحقيقيين يستطيعون الدفاع عنها، وقوتهم تكمن في إيمانهم وصمودهم وإصرارهم.. إنهم يقاومون ويتحدون القوة الغاشمة، وهم مستعدون دائما للتضحية بأنفسهم دفاعا عن القدس التي يؤمنون بأنها حقهم وأرضهم وعاصمتهم وحياتهم.. بينما المستوطنون يفرون أمامهم لأنهم يحرصون على حياتهم، ولا يمكن أن يضحوا بها من أجل قطعة أرض حاولت الحركة الصهيونية إقناعهم كذبا بأنها عاصمتهم.
المرابطون في القدس يتعاملون معها على أنها أغلى عندهم من حياتهم وأهلهم وأبنائهم، وأن وظيفتهم في الحياة هي الرباط فيها والدفاع عنها والموت من أجلها.. واليقين يملأ قلوبهم بأنهم سينتصرون ويحررون القدس وكل فلسطين مهما بلغ استعلاء إسرائيل بقوتها المادية الغاشمة.
فهل أدرك كاتب المقال في لحظة تجلى فيها ذكاؤه أن إسرائيل لا يمكن أن تحقق نصرا حاسما على أصحاب الأرض الذين يدافعون عنها بأرواحهم، وأن على الإسرائيليين أن يرحلوا إن أرادوا النجاة والحياة.
من المؤكد أنه لا يمكن تفسير نشر هآرتس مقال شبيط دون قراءة متعمقة للواقع، ولمشهد الفلسطينيين المرابطين الذين دافعوا عن القدس خلال شهر رمضان، وقدموا لكل الأمم نموذجا للمقاومة والتحدي والإصرار والبطولة، وهذا المشهد ملهم لكل الشعوب التي يمكن أن تقلدهم في كفاحهم للتحرر وتحقيق الاستقلال.
هذا المشهد لا يشكل خطرا على إسرائيل فقط، ولكنه يشكل أيضا خطرا على النظم المستبدة التي انبطحت تحت أقدام إسرائيل، وظنت أن رضاها هو الذي يحمي عروش الحكام، ويحقق للطغاة الاستقرار.
نصيحة مخلصة
لقد قدم شبيط نصيحة مخلصة لشعبه هي التنازل عن الاحتلال، وإخلاء المستوطنات والاكتفاء بغرب القدس فقط.. فتلك هي اللغة السياسية الجديدة، وأن يقوم الإسرائيليون بانتخاب حكومة وسط جديدة تقوم بإنهاء الاحتلال وإخلاء المستوطنات.
ومن الواضح أن هذا الكاتب يعبر عن تيار أصبح يرى أن الاستمرار في الاحتلال والاستيطان سوف يؤدي إلى كارثة.
وليست هذه هي المرة الأولى التي يكتب فيها شبيط محذرا من خطورة استمرار الاحتلال.. لكنه في مقاله الأخير هذا كان أكثر وضوحا في التحذير.
فلقد سبق أن نشر مقالات يوضح فيها خطورة الاستيطان، حيث أصدر كتابا بعنوان "أرض ميعادي: إسرائيل النصر والمأساة" وهو يقدم نفسه بأنه مخلص لإسرائيل، لذلك فإنه يدعو لإصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطية، وهو يؤيد حل الدولتين، ويبرر ذلك بأن أعداد العرب في تزايد إلى درجة يمكن أن تكون أغلبية سكان الدولة من غير اليهود.
مجرمو المستوطنات
هناك كاتب آخر هو روغل ألفر، وصف المستوطنين بأنهم مجرمون وفاشيون ولا يهمهم سوى مصالحهم، لذلك يؤيدون (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب، كما وصف الدعوات لشن عدوان على غزة بأنها تصدر عن إسرائيليين أغبياء، فتجربة 3 حروب أثبتت أن الجيش الإسرائيلي لم ينتصر.
ففي مقال نشر في جريدة هآرتس، في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2015، قال أفلر: إن اسرائيل تحفر قبرها بيديها إذا استمرت في حروبها العدوانية وعدم اعترافها بحق الفلسطينيين في دولة.
وهاجم هذا الكاتبُ اللوبيَ الإسرائيلي في الولايات المتحدة، ووصفه بأنه "مافيا".
وفي مقال نشرته جريدة هآرتس وصف فيه إسرائيل بأنها مملكة داعش الإسرائيلية، أو مملكة التوراة، وأن أجواء آخر الأيام لقدوم المسيح سائدة في إسرائيل هذه الأيام، فاليمين تتملكه الحمى اللاهوتية، والجمهور وصل إلى نهاية التاريخ، أو نهاية السياسة بعد أن انتهى الصراع بين اليمين واليسار وتم حسمه بالضربة القاضية من اليمين، وسلطة القانون هُزمت وحلت محلها سلطة الأغلبية اليهودية.
يضيف ألفر: لقد أصبح اليساريون غائبين عن خريطة الإعلام والخطاب العام.. أما نتنياهو فسينزل عن الحلبة لكن نهجه انتصر وبشكل ساحق.
لقد جنح الكيان الصهيوني بجنون نحو اليمين الصهيوني المتدين الذي يدعو لضم الضفة الغربية باعتبارها جزءا من أرض إسرائيل التوراتية.. لذلك علينا أن نقوم بعملية "تصحيح بصر" لأولئك العرب الذين يتوهمون أن في وسعهم أن يتعاملوا أو يتعايشوا مع هذا الكيان كجزء قابل للحياة في المنطقة العربية، في حين أن هذا الكيان غير مستعد للتعايش مع مواطنيه العلمانيين من فلول اليسار الذين يتهمهم بالخيانة، وبالخروج عن صف الإجماع القومي الصهيوني اليميني.
رؤية ترامب التوراتية
ولعل أهم ما حصلت عليه إسرائيل خلال السنوات الماضية هو اعتراف أميركا بالقدس عاصمة لها ونقل سفارتها إليها.. لكن الكاتب الصهيوني تسفي برئيل يرى أن ترامب يستند إلى رؤية توراتية سيكون لها تأثيرها السلبي على نظرية العلاقات الدولية والقانون الدولي.. فصفقة القرن هي استمرار للاحتلال بشروط جديدة مثل تلك التي تبيض سرقة الأراضي الفلسطينية التي تم تنفيذها خلال 53 سنة من الاحتلال.
وأضاف برئيل أن ترامب ترك الشرق الأوسط أكثر خرابا، فقد آمن أنه من الممكن عقد صفقات مع أشخاص دكتاتوريين، ورأى في أحلامه سلاما شاملا بين إسرائيل والعرب في هذه المنطقة الدامية، فصادق على شرعنة استمرار الاحتلال، وأنهى الأفق السياسي للإسرائيليين والفلسطينيين.
وكان من نتائج صفقة ترامب أن بنيامين نتنياهو يمكن أن يتباهى بتحالفات السلام الجديدة.. لكن لا يوجد سلام إقليمي مع إسرائيل.. وهذه التحالفات لا تزيل عن إسرائيل التهديدات الإستراتيجية الماثلة أمامها.. وسيبقى العداء العربي الشعبي ضد إسرائيل.
هذه عينة من المقالات التي يحذر فيها كتاب إسرائيليون من المخاطر التي تواجه إسرائيل، وهي تشكل قراءة أكثر عمقا لواقع يتغير بأسرع مما يتوقع الحالمون.
وأهم ما تكشف عنه تلك القراءة المتعمقة أن السلام مع إسرائيل لا يمكن أن يتحقق.. فقد أدرك المرابطون في القدس ذلك فاعتمدوا على إيمانهم وصمودهم في مقاومة مستمرة للاحتلال، وأدركوا أن دماءهم هي التي يمكن أن تحمي قدسهم الذي هو أغلى من الحياة.
وقريبا يمكن أن تدرك كل شعوب العرب تلك الحقيقة، وتكتشف أن المقاومة هي التي يمكن أن تبني المستقبل.
وقد يدرك الصهاينة أن نصائح هؤلاء الكتاب كانت غالية ومخلصة لكنهم لم يستمعوا لها في الوقت المناسب.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.