نظرات وعبرات | أيَّها اليمنيون.. كفى!!

اليمن بين مطرقة الحرب وسندان كورونا
(الجزيرة)

أخاطب في هذا المقال بشكل مباشر قادة الحرب في اليمن من الطرفين، بعيدا عن أدراج التقارير والمعلومات واتجاهات التحليلات، وبعيدا عن حدّة التدخلات الإقليمية والدولية، وحروب الوكالة التي تقومون بها، لأقول لكم كفى! فقد عانى اليمن على أيديكم مرارات قاسية من كل نوع ولون. 7 سنوات عجاف مرت عليكم وأنتم تقتتلون، فماذا حققتم لليمن سوى المآسي والخراب والدمار؟ لصالح من تتحاربون؟ وإلى متى ستستمرون في لعبة الموت والدمار هذه، وأنتم تعلمون أنكم مخطئون؟

إلى متى ستستمرون في ذبح أنفسكم وتقطيع أوردتكم؟ أين حكمتكم يا أهل اليمن؟ كيف استسلمتم لعمى السلطة والزعامة والمكائد الإقليمية والدولية، وهان عليكم ذبح اليمن وشعبه؟ ما الذي تنتظرونه أكثر من ذلك، بعد عشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من الجرحى، وملايين النازحين والمشردين، وبعد الدمار الهائل الذي لحق باليمن وبنيته الاجتماعية والعمرانية والزراعية والصناعية والتجارية؟

لماذا تصرّون على الاستمرار في هذه الحرب العبثية المجنونة؟ عبثية لأنها بين أبناء الوطن الواحد، وليس فيها عدو حقيقي، ولأنها بلا هدف، ولو كان لها هدف، فهو هدف مستحيل، ولأنها ليس فيها منتصر، فالجميع خاسر، اليمن كله خاسر، والمنتصر الوحيد هو الدمار والخراب والمعاناة التي تعشش في كل مكان

تمرّ السنوات عليكم سريعة كالبرق، لانشغالكم الشديد على مدار الساعة بتفاصيل معارككم السياسية والعسكرية ضد بعضكم البعض، ولكن هذه السنوات تمر ببطء قاتل على ضحاياكم، المكدسين في المشافي والمقابر، وفي مخيمات النزوح، وعلى أبواب المنظمات الإغاثية ومكاتب الهجرة. إنكم تتقلّبون بين فرحة الانتصارات وألم الهزائم، بينما يتقلب ضحاياكم بين الجنائز والجراح والدموع والجوع والمرض والتشريد والخوف والقهر والمطاردة والدمار والخراب الذي ينتظرهم في كل زاوية وتحت كل حجر. وأسوأ ما في الأمر، أنكم لا تشعرون بحقيقة هذه المعاناة وحجمها، وتعتقدون -غرورا واستكبارا- أن الشعب يتحمل ذلك ولاءً لكم وتضحية لشعاراتكم.

إلى متى تستمرون في هذه الحرب العبثية المجنونة؟

لماذا تصرّون على الاستمرار في هذا الصراع الدموي أكثر من ذلك؟ ما الذي تريدون الوصول إليه من هذه الحرب العبثية المجنونة؟ نعم، العبثية المجنونة، عبثية لأنها بين أبناء الوطن الواحد، ولأنها ليس فيها عدو حقيقي وإنما مصطنع، ولأنها بلا هدف، ولو كان لها هدف، فهو هدف مستحيل، ولأنها ليس فيها منتصر، فالجميع خاسر، اليمن كله خاسر، شعب اليمن كله خاسر، فحاضر اليمن ومستقبله كله في خسران مبين، والمنتصر الوحيد هو الدمار والخراب والمعاناة المتعددة الأوجه، التي تعشش في كل مكان. وأما لماذا مجنونة، فلأنها لا يحكمها عقل، ولا تضبطها حكمة أو قواعد أو أصول، ولأن أطرافها مصرّة على الاستمرار فيها رغم عبثيتها.

فأين الحكمة اليمنية يا أهل الحكمة؟ كيف تغيب عنكم الحكمة طيلة هذه السنوات؟

انظروا إلى الأمام قليلا، فيما لو استمرت الحرب 10 سنوات قادمة، ماذا سيبقى لكم من اليمن؟ ستستمرون تحت نياشينكم، وخلف شاشاتكم، تتشدقون بانتصاراتكم وتندبون هزائمكم، وتتبادلون الاتهامات والإدانات، في الوقت الذي يزداد فيه عدد القتلى والجرحى والنازحين والمشردين، حتى لن يبقى لكم من اليمن سوى مقاعدكم ومقاعد أتباعكم.

أعتقد أن الخبرة التي خرجتم بها من سنوات الحرب الضَّروس التي مضت، تؤكد لكم أنه من العبث والجنون الاستمرار في هذه الحرب.

النموذج الليبي

استطاعت القوى الليبية، بعد أن نالها من الحرب ما نالها، أن تصل إلى اتفاق فيما بينها على إنهاء القتال والانتقال السلمي بالدولة عن طريق تشكيل حكومة انتقالية تمهد الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية يتنافس فيها الجميع في صناديق الاقتراع، بعيدا عن فوهات المدافع والرشاشات وما تحمله من موت ودمار. ورغم أن الطريق إلى ديسمبر/كانون الأول القادم -موعد إجراء الانتخابات- ليس سهلا، ومحفوف بالعديد من المخاطر، فإن الخطوة في حد ذاتها خطوة في الاتجاه الصحيح، من أجل الانتقال من ثقافة الخنادق وغرف العمليات وقيادة المعارك العسكرية، إلى ثقافة التفكير في الوطن والشعب، وتقديم التنازلات للحفاظ على مصالحهما، بما يحقق التوازن لمصالح الأطراف المتنازعة.

هذه التجربة الليبية وما حققته من تقدم، ينبغي أن تكون حافزا قويا لكم للاقتداء بها، والانتقال إلى ساحة العمل السياسي الحكيم مع سائر الأطراف اليمنية، للتوافق على مرحلة انتقالية، تسمح لليمن والشعب اليمني بلملمة جراحاته، ودفن قتلاه، وترميم ما تبقى من عمرانه، ليقف من جديد، ويبدأ مسيرة التنمية والتقدم على أسس راسخة، تؤمِّن للأجيال القادمة مستقبلا واعدا.

نعم، هناك العديد من المعوقات الإقليمية والدولية ستعمل على إفشال جهود المصالحة، ولكن السبب الأكبر يكمن في نفوسكم، ومدى إرادتكم، ومستوى استقلاليتكم، وفي مدى انتمائكم لليمن والشعب اليمني، ومدى حرصكم على مستقبل اليمن ومقدراته. وهذا كله في أيديكم أنتم، لا في أيدي غيركم من الأطراف الإقليمية والدولية التي لا تجري إلا وراء مصالحها، وقد جاء الوقت الذي تتحركون فيه وراء مصالحكم أنتم، كيمنيين قبل أي شيء آخر.

انظروا إلى قرارات مجلس الأمن الخاصة بالحرب الدائرة بينكم، والتي طالما أكدت على وحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته، وعلى وقوفها إلى جانب الشعب اليمني، وعلى تسوية الخلاف عن طريق الحوار، وعلى نبذ العنف لتحقيق الأهداف السياسية، ولكنها في الوقت نفسه سكتت عن محاولات تقسيم اليمن، وانتهاك سيادته، وسلب استقلاليته، وغذّت آلة الحرب لتقضي على سلامته، وتدمر مقدراته، وتزيد من معاناة شعبه. إنها الحرب الاستخباراتية البشعة التي أحاطت بكم، وأشعلت بينكم نيرانها تحقيقا لمصالحها، الإقليمية والدولية، وأنتم تعرفون هذا جيدا.

خطوات نحو المصالحة

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها اليمن حربا أهلية في تاريخه المعاصر، ومن المفروض الاستفادة من الخبرات التاريخية لهذه الحروب للتخلص من الحرب الدائرة في أسرع وقت ممكن، بل الاستفادة من خبرات غيرها من الدول التي شهدت نزاعات وحروبا أهلية عربيا وعالميا، ولكي تتقدموا إلى الأمام نحو المصالحة، ينبغي القيام بالعديد من الأعمال التأسيسية المساعدة على ذلك، وفي مقدمتها:

1. إعلان وقف شامل للحرب

إعلان وقف شامل ومفتوح للحرب في جميع أنحاء اليمن، يستمر حتى يتم التوصل إلى حل شامل تتوافق عليه جميع الأطراف.

2. المحافظة على يمنية الحل

التشديد على أن الحل يجب أن يكون يمنيا خالصا، تحت إشراف الأمم المتحدة، وأن تنعقد جلساته في صنعاء، بعيدا عن أي تدخلات إقليمية أو دولية.

3. قطع شرايين الإمداد الخارجية

التوقف عن استقبال المساعدات المالية والعسكرية التي تأتيكم من الدول الإقليمية الداعمة لكم من أجل مصالحها، لا من أجل مصالحكم.

4. إعادة الحياة الطبيعية إلى اليمن

بالتزامن مع وقف الحرب، تتم الدعوة إلى عودة النازحين واللاجئين إلى ديارهم وأعمالهم في اليمن، وتقديم العون اللازم لهم، وكذلك عودة الأحزاب والقوى السياسية ومزاولة نشاطها من الداخل.

5. توحيد الموقف من الحرب

إطلاق ثورة فكرية ثقافية يقودها المفكرون والأكاديميون والمثقفون والإعلاميون والاقتصاديون، لتشكيل موقف عام لدى الشعب اليمني، يرفض استمرار الحرب، ويدعو إلى حل النزاعات القائمة بين جميع القوى اليمنية، عن طريق الحوار.

6. وقف الحرب الإعلامية

بالتزامن كذلك مع وقف الحرب، لا بد من إيقاف حملات التحريض الإعلامي المتبادل بين الطرفين، وإشاعة الروح الوطنية المشتركة، والمساعدة في تهيئة الأجواء للمصالحة واستعادة السلم والحياة الديمقراطية إلى اليمن.

إن الشباب اليمني الذين تبتلعهم الحرب الدائرة، أولى بهم أن يكونوا سواعد بناء في مسيرة التنمية والتطور، وإن الدمار العمراني والمجتمعي والنفسي الذي لحق باليمن، أولى به أن ينزل على الفساد والجهل والاستبداد، وإن القادة الذين يقضون وقتهم ليلا ونهارا لتخطيط المعارك وإدارتها، وفي صناعة الموت والدمار للوطن والشعب، أولى بهم أن تتوحد جهودهم لتخطيط مستقبل اليمن وبنائه على أسس وطنية راسخة توفر للأجيال القادمة الاستقرار والأمن والتقدم والرخاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.