حادثة السلط: يصفها بعضهم بالمفاجأة فهل هي حقا كذلك؟

عملية جراحية وكورونا
(غيتي)

حادثة نقص الأكسجين في مستشفى السلط ذكرتني بنهاية العام الماضي عندما أعلن مستشفى الملكة إليزابيث في لندن حالة طوارئ بسبب بلوغ مخازن الأكسجين مستويات متدنية، وشيوع مخاوف من نفادها جراء ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا. في هذه الحالة استُدعيت كوادر صحية للمساندة وأوقفت الإدخالات الجديدة وحُوّل عدد من المرضى إلى مستشفيات أخرى لتفادي وقوع فاجعة.

في علم إدارة المخاطر، تسمى أحيانا الأحداث غير المتوقعة التي لها أثر كبير، بالبجعات السود. يأتي هذا الاسم من الاعتقاد الذي كان سائدا قديما باستحالة وجود بجعة لونها أسود، حتى اكتُشفت بجعة سوداء ودُحض هذا الاعتقاد.

كما أنه في بداية الجائحة واستجابة لتوقع ارتفاع الطلب على الأكسجين قام النظام الصحي البريطاني بوضع إجراءات احترازية وخطة استجابة حدّد فيها مسؤولية توفير مزودين احتياطيين للأكسجين في حال عدم قدرة المزودين الموجودين على تلبية الطلب. ووُزّعت الخطة على جميع المستشفيات المعنية فضلا عن طرق التواصل مع الجهات المسؤولة في حالة أي تعطل في الخدمة كي تكون واضحة للجميع الخطوات اللازم اتباعها لدى وجود أزمة مشابهة.

لا أذكر هذه القصة للمقارنة، لكن حادثة السلط دفعت الكثير منا إلى التساؤل عن سبب تفادي مثل هذه الأحداث في بعض البلدان وفشلها أحيانا في البلاد العربية.

فعلى مستوى الأردن عام 2018، أدّت حادثة سيول البحر الميت إلى وفاة أكثر من 20 شخصًا معظمهم أطفال في رحلة مدرسية وتبعتها استقالة وزير التعليم حينذاك. تلتها حادثة تسمم أكثر من 500 شخص في عمان بسبب مشكلات في إجراءات السلامة والتخزين.

كما لا ينبغي أن نعزل ما حدث عن المنطقة العربية إجمالا فهو جزء من سلسلة طويلة من الأحداث الناتجة عن الإهمال الإداري في الوطن العربي. تسمم المئات في البصرة عام 2018 بسبب المياه الملوثة، وانفجار مرفأ بيروت في أغسطس/آب 2020. حتى إن حادثة نقص الأكسجين نفسها وقعت في مصر منذ 3 أشهر فقط! جميعها أحداث كان بالإمكان تفاديها.

في علم إدارة المخاطر، تسمى أحيانا الأحداث غير المتوقعة التي لها أثر كبير، بالبجعات السود. يأتي هذا الاسم من الاعتقاد الذي كان سائدا قديما باستحالة وجود بجعة لونها أسود، حتى اكتُشفت بجعة سوداء ودُحض هذا الاعتقاد. ولو نظرنا إلى ما حدث في السلط بمعزل عن الأحداث الأخرى التي ذكرتها فقد نسميه بجعة سوداء وحدثا مفاجئا، لكنه لا يمكن وصف هذا الحدث بالمفاجئ أو حتى غير المتوقع إن وضعناه في إطاره الصحيح ضمن منطقة أنهكتها الحوادث المتتالية.

وفي عملي كطبيب، أول خطوة أقوم بها في بداية بحث علمي عن أي موضوع هي مراجعة ما نُشر من قبل عن هذا الموضوع. وهذه العملية لتفادي إعادة اختراع العجلة في كل مرة يقوم طبيب بالبحث في الموضوع نفسه. يتعاون المجتمع الطبي بهذه الطريقة على بناء جسم معرفي يستفيد منه الجميع ويتفادى الأخطاء التي مرّ بها الآخرون من قبل. وإن تعلمنا شيئا واحدا من حادثة السلط فهو أننا لا نعيش بمعزل عن العالم والدول المحيطة بنا. هناك بروتوكولات عالمية وضعت لتفادي مثل هذه الكوارث تنبغي الاستفادة منها كما أن هناك خصوصيات ومشكلات إدارية تعاني منها الدول العربية أيضا يمكننا الاستفادة منها. ووضع المشكلة في إطارها الصحيح هو خطوة أولى تجنبنا إعادة اختراع العجلة في كل مرة واللجوء إلى الحلول المبنية على ردود الفعل بعد وقوع الكارثة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.