انتخابات أميركا بين الشأنين الخاص والعام

كومبو بايدن وترمب
(وكالات)

قبل 4 سنوات، وفي خضمّ تغطية الانتخابات الرئاسية لعام 2016، اقتربت من حادثتين تمازج فيهما الشأن الأميركي العام بالشأن الشخصي العائلي، وامتدّت أثارهما وتبعاتهما وصولا إلى اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مبنى الكابيتول في محاولة لعرقلة تصديق الكونغرس على نتائج انتخابات 2020.

بداية، أسكن في أقصى "شمال غرب" العاصمة واشنطن، وهي منطقة تصوّت بنسبة 90% للمرشح الديمقراطي بعيدا عن اسمه أو برنامجه، وجذبت هذه المنطقة السكنية الهادئة اهتمام وسائل الإعلام الأميركية والعالمية عام 2016.

فقد استضاف مطعم "ماجيانو" (Maggiano) الذي يبعد عن بيتي أقل من 80 مترا فعاليات احتفال كبير احتفاء بانتصار ترامب بالرئاسة ووصوله إلى البيت الأبيض، ومنظمو الحفل كانوا مجموعة ممن يؤمنون بسموّ الجنس الأبيض (White Supremacist)، ولم يعلم المطعم سابقا بهويّة منظّمي الحفل الذي حضره ما يقارب 200 شخص دفعوا تكلفة إجمالية قدرها 10 آلاف دولار .

وأدّت تغريدات المحتفلين عبر موقع تويتر، التي تضمنت صورهم ومقاطع فيديو أظهرت استدعاء عبارات وإشارات نازية تنادي بسموّ العرق الأبيض، إلى ردود أفعال غاضبة. وفور نشر هذه التغريدات تجمّع عشرات من جيراني أمام المطعم احتجاجا على وجود هؤلاء العنصريين في هذا المطعم الشهير الذي يعد جزءا لا يتجزأ من تاريخ الحي، ومنعا لوقوع أي صدامات، قامت الشرطة بتأمين خروج المحتفلين بعد انتهاء الحفل وباعدت بينهم وبين المحتجين من سكان المنطقة.

الحدث الثاني وقع على بعد 600 متر من منزلي حيث يقع "كوميت" (Comet) وهو مطعم بيتزا عائلي شهير أكثر ما يميزه وجود 3 طاولات للعب البينغ بونغ داخله. وتقوم فلسفة المطعم على إضفاء جوّ من البهجة في المكان وتشجيع الزبائن وأطفالهم على لعب البينغ بونغ قبل أو بعد تناولهم الطعام وذلك بلا أي تكلفة إضافية. وفى خضم الحملة الانتخابية لانتخابات 2016 انتشرت أخبار كاذبة على الإنترنت تدّعي وجود شبكة سرية يديرها جون بوديستا، مدير حملة كلينتون الانتخابية لاستغلال الأطفال جنسيا واغتصابهم في غرف سرية داخل مطعم كوميت، وما كان من مواطن يسكن في ولاية كارولينا الشمالية إلا أن يأخذ على عاتقه مهمه الكشف عن هذه الشبكة الشريرة، فجاء الرجل ويدعى إدجار ماديسون ويلش بعد ما قطع مسافة تزيد على 500 كيلو متر للتحقق بنفسه ولتحرير هؤلاء الأطفال. وهو أب لطفلين، شعر بواجب اجتماعي لإنقاذ أطفال في سنّ أولاده، فأحضر معه بندقيته نصف الآلية، واقتحم المطعم مطالبا بالكشف عن الغرف السرية التي يحتجز بها الأطفال الضحايا وتحريرهم. وبالطبع لم يعثر الرجل على شيء، ولم يؤذِ أحدا، فهو فقط أطلق طلقة تحذيرية كانت كفيلة بإثارة الهلع وخروج روّاد المطعم والعاملين به إلى الخارج. وألقت الشرطة القبض على الرجل الذي لم يقاومهم، بل حاول إقناعهم بالبحث معه عن الغرف السرية التي ربما توجد تحت الأرض، وعُرفت الحالة باسم "بيتزا غيت" (Pizzagate) في إشارة إلى الفضيحة التي كان ضحيتها رجل بريء صدّق فقط ما نشره أحد المواقع الإخبارية المؤيدة لترامب.

وبعد الحادثة بأيام، ذهبت وعائلتي إلى مطعمنا المفضل، ولم تكن الزيارة مثل سابقتها، فأول من استقبلنا عند الباب الخارجي كان شرطيا مسلّحا ابتسم في وجوهنا قبل أن يرحّب بنا، فتأكدت في تلك اللحظات أننا نحيا في مجتمع أميركي نجح الرئيس السابق دونالد ترامب في دفعه إلى حافة الجنون.

***

وفي صيف 2020، وقبل اشتعال الحملات الانتخابية في مراحلها النهائية، سافرت في عطلة إلى قرى وشواطئ ولاية كارولينا الجنوبية، وهي إحدى أكثر الولايات دعما للرئيس السابق ترامب، وقررت الاقتراب قدر الإمكان من أنصار ترامب، وإذ بي أواجه بواقع مختلف عمّا تعرفه وتتعامل معه النخبة السياسة والإعلامية بواشنطن العاصمة. والبداية كانت مع انتشار علم غريب يضعه كثير من المواطنين فوق سياراتهم وأمام منازلهم، ولدى سؤال أحد المواطنين، ممن رفعوا هذا العلم الغريب فوق سياراتهم، عن العلم، ردّ بالقول "هذا علم إظهار الدعم للشرطة ورجالها الأبطال، وهو رد على كل ما يتعرضون له من انتقادات".

وأثناء وجودي في مدينة ميرتيل بيتش الساحلية في الأسبوع الأخير من شهر مايو/أيار، أقمت أسبوعا داخل أحد معسكرات البيوت المتنقلة (كرفانات) التي تضاعف اللجوء إليها مع فرض قيود على السفر والطيران، وحيث انتشرت أعلام حملة إعادة انتخاب الرئيس ترامب.

ورأى كثيرون ممن تحدثت إليهم أن "هؤلاء ممن يقيمون ويعملون في مدن ليبرالية يسارية مثل واشنطن ونيويورك لا يمكنهم فهم أو تقدير ما يقوم به ترامب لخدمة الشعب الأميركي".

وأدركت في هذه الرحلة إلى الجنوب الأميركي حجم التحديات التي نحن بصددها أمام انتخابات فريدة لن يقبل نتائجها أنصار الرئيس ترامب بعد ما توفّر كل ما يدعم شكوكهم في نزاهة الانتخابات بفضل آلاف المواقع وملايين المساهمات في صفحات على وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل ذلك كله رئيس تعهّد أثناء حملته الانتخابية بعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات إذا خسرها.

لقد صمدت ديمقراطية أميركا أمام أكبر تحدّياتها المتمثلة في رفض رئيس في السلطة الإقرار بهزيمته، ورغم ما سبّبه ترامب من زلازل سياسية في السياسة الأميركية، فإن المؤسسات انتصرت أمام رئيس لم يقتنع بأن منصبه هو وظيفة مؤقتة تنتهي في تمام الساعة 12:00 ظهر يوم 20 يناير/كانون الثاني، وليس له أن يبقى دقيقة واحدة رئيسا بعد ذلك الوقت، وهو ما كان.

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.