قمة الديمقراطية.. هل تُؤمّن المضطهدين من خوف؟

President Biden Delivers Opening Remarks At Virtual Summit For Democracy
الرئيس بايدن يلقي كلمة افتتاحية في القمة الافتراضية للديمقراطية (أسوشيتد برس)

بين خوف وترقب انعقدت قمة الديمقراطية الافتراضية، التي دعا لها الرئيس الأميركي جو بايدن -الذي يكمل عامه الأول في الحكم- في حين لم تتحول أي من وعوده الكلامية تجاه المستبدين إلى أفعال. كان المستبدون العرب يترقبون نتائج القمة بهلع -وإن تجاهلها إعلامهم، أو هاجمها- في حين انتظرها في صمت المقموعون الذين يتعلقون بقشة.

قبل القمة قالت وكالة "رويترز"، إن وزارة الخزانة الأميركية ستفرض سلسلة من العقوبات في إطار "قمة الديمقراطية"، ستطال الأشخاص الذين يشك الجانب الأميركي في تورطهم في الفساد والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، ويشاركون أيضا في تقويض الديمقراطية.

روسيا التي مثلت على الدوام غطاء ثقيلا للانقلابيين في المنطقة اعتبرت القمة محاولة أميركية لخصخصة الديمقراطية، وإنشاء خطوط تقسيم جديدة للبلدان بين جيدة وسيئة من وجهة نظر أميركية!

لا يهم ضحايا القمع الأسباب الحقيقية للقمة، ولا خلفيات الصراع بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، لكنهم ينتظرون نتائجها، هم يريدون استعادة الحياة التي فقدوها، والشعور بالأمن والطمأنينة مجددا، ولو لجأوا إلى الشيطان لاستنقاذهم.

بعيدا عن الغضب الروسي والصيني، والمماحكات العربية التي ابتذلها الإعلام الإقليمي الموالي للاستبداد، مارست مصر قمعا امتد لعشرية سوداء، بغض طرف من إدارة بايدن. ولا تزال دول غيرها على النهج ذاته بالرعاية الأميركية نفسها، ويعبث بعض هؤلاء في أسس استقرار الدول العربية، من اليمن إلى الشمال الأفريقي مرورا بالسودان، لفرض نظم مستبدة، ومحاكاة لنموذج العسكرة، تحت لافتة مدنية أو شعوبية.

إعلان

محاولة استنقاذ الديمقراطية أو استنهاضها بحسب رؤية بايدن لا يمكن فصلها حتى الآن عن الرؤية المصالحية للأنظمة الغربية التي تدعم حلفاءها بالمال والسلاح، وتتغاضى عن تجاوزاتهم، وهو ما ستدفع ضريبته حتما مهما طال الزمن.

فهل تكتب قمة الديمقراطية نقطة الفصل بين المصالح والقيم وتؤرخ لرؤية عالمية جديدة تنتصر للمظلومين، أم تظل محاولة دعائية لتبيض الوجه والنأي بالنفس عن جرائم الاستبداد؟!

لا يهم ضحايا القمع الأسباب الحقيقية للقمة، ولا خلفيات الصراع بين الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، لكنهم ينتظرون نتائجها، هم يريدون استعادة الحياة التي فقدوها، والشعور بالأمن والطمأنينة مجددا، ولو لجأوا إلى الشيطان لاستنقاذهم.

يعتقد البعض أن القمة تأتي وفاء بوعد انتخابي، وامتثالا لعقيدة سياسية، والتزاما بمبادئ حزبية، ورضوخا لضغوط الجناح التقدمي بالحزب الديمقراطي فحسب، كما يعتقدون أنها ستنجح في حال استطاعتها سبر أغوار محنة الديمقراطية المعاصرة. والتوصل للآليات الكفيلة بإبرائها من آفاتها وأسقامها، توطئة لاستنهاضها وتجديدها وأنسنتها، بدلا من استخدامها أداة للابتزاز، أو مرجلا لحرب باردة جديدة.

في المقابل أوضحت مجلة "ناشونال إنترست" (The National Interest) الأميركية أن رؤية الرئيس جو بايدن للسياسة الخارجية على أنها منافسة بين "ديمقراطيات العالم" -بقيادة الولايات المتحدة- و"الأنظمة الاستبدادية" -بزعامة الصين وروسيا- هو "تأطير ساذج وخطير للعلاقات الدولية".

واعتبرت أن أدلجة الديمقراطية خطر على مصالح وأمن أميركا، وأن السياسة الخارجية للولايات المتحدة يجب أن تخدم دائما المصالح العليا للشعب الأميركي ولو تطلّب الأمر في بعض الأحيان العمل مع "أنظمة بغيضة".

مرة أخرى يدفع الضحايا فاتورة تدوير المصطلحات وتضخيم أبعاد المعركة لتتجاوزهم وتظل نتائجها مرهونة بصراعات ومناطحات الكبار، ويظلون هم قيد النسيان.

إعلان

لكن المؤكد أن المستبدين يظلون الأكثر تخوفا من النتائج، بعد أن أخذوا زمام المبادرة سابقا، وبادروا بالاستعانة بلوبيات أميركية وغربية -مقابل أموال طائلة- لتبيض سجلهم الحقوقي، وإعطائهم نصائح للتعامل مع الضغوط والتوجيهات، والالتفاف على الوعود، خاصة مع إصرارهم على التقدم تباعا في ممارساتهم وعدم التراجع أبدا، ولو خنقوا شعوبهم المترنحة ببقايا أمعائهم الفارغة، لكنهم للأسف يظلون رغم ذلك الطرف الأكثر قدرة على قراءة الواقع واستشراف النتائج.

استبعاد الحلفاء

استبعد بايدن حلفاءه العرب باستثناء العراق، وكأن النموذج العراقي التابع هو المأمول أميركيا! أما القارة السمراء التي تضم 54 دولة، فدعا منها جنوب أفريقيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا والنيجر. ومن جهة أخرى، دعيت إسرائيل إلى القمة، بينما استبعدت تركيا.

كما قامت إدارة بايدن بتوجيه دعوة لبعض منظمات المجتمع المدني المصري العاملة في مجال الحريات للمشاركة.

تملك الدولة المصرية -وهي الحليف الأهم للأميركيين- ملفا حقوقيا لا تكفي الكلمات لتوصيفه.

من هيمنة المقاربة الأمنية على نهج مكافحة الإرهاب، انطلقت رؤية مصر منذ عام 2013، وكأن الإرهاب لا يحارب إلا بغلق الفضاء العام، وتكميم المجتمع واعتقاله في سجون خوفه، ثم التحرك الخارجي بهذا الملف يمنة ويسرة أملا في تعميم النموذج.

أبرز توصيات المجتمع المدني للمجتمعين

وعلى النقيض من مزاعم النظم، أكد مدير برنامج مصر في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، محمد زارع، في أثناء كلمته بالقمة أن "احترام حقوق الإنسان يعزز الاستقرار… وأن أكثر المناطق اضطرابا في العالم هي أقل المناطق ديمقراطية وأقلها احتراما لحقوق الإنسان".

وأضاف أن "المجتمع الدولي مهووس بتثبيت الحكومات أكثر من دعم التحول الديمقراطي".

وأوضح أن بعض الحقوقيين صُنفوا إرهابيين في بلاده، لمجرد تأسيسهم منظمات مستقلة لحقوق الإنسان تدافع عن حقوق المواطنين المصريين.

إعلان

انطلاقا من هذا الفهم، توجه المنتدى الخامس والعشرين لحركة حقوق الإنسان في العالم العربي بعدد من التوصيات للمجتمعين في القمة منها:

في مجال مكافحة الإرهاب

  • مراجعة المقاربة السائدة لمكافحة الإرهاب من جذورها.
  • حشد الجهود لوضع حد لإساءة توظيف سياسات مكافحة الإرهاب واستهداف المعارضة السياسية السلمية، وحرية الإعلام والمجتمع المدني، بغرض تعزيز السلطة الاستبدادية.
  • اعتماد تعريف عالمي للإرهاب يراعي معايير حقوق الإنسان.

في مجال المساعدات الأمنية وتصدير الأسلحة

  • تقليص حجم المساعدات العسكرية مقابل زيادة المساعدات الخاصة بالتعليم والصحة والتنمية ومكافحة الفقر.
  • إخضاع كافة أشكال المساعدات والصادرات العسكرية (بما فيها تكنولوجيا المراقبة) لرقابة صارمة، لضمان استخدامها وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

في مجال المساعدات الاقتصادية والتنموية

  • ربط المساعدات الاقتصادية والتنموية بمدى الالتزام بمعايير حقوق الإنسان.
  • استخدام الدول المانحة نفوذها داخل المؤسسات المالية الدولية لضمان مسؤولية الحكومات المتلقية أمام شعوبها.
  • الامتناع عن تقديم أي دعم سياسي أو اقتصادي للأنظمة المُجهضة للانتقالات الديمقراطية عن طريق انقلابات عسكرية أو أي طرق أخرى.

ومنها أيضا:

  • الدعوة لتعليق الأمم المتحدة لعضوية الدول التي تمر بانقلابات عسكرية أو التي تستخدم أسلحة دمار شامل ضد شعوبها.

تحرك هولندي

الخارجية الهولندية استبقت القمة وأصدرت فجأة -منذ أيام- تقريرا من 118 صفحة، يكشف عن الأوضاع الحقوقية في مصر منذ عام 2013 وحتى الآن، ويملك الهولنديون رصيدا ضخما من الوثائق، عبر استنطاق آلاف اللاجئين الذين أثقلوا كاهل الحكومة هناك، في حين تشتري مصر صمت باريس عبر شراء الأسلحة الفرنسية.

ورغم ذلك فسيكون من المستحيل شراء صمت العالم بالنقود، ولا سيما في حالة دولة معدمة ماليا، تدفع ممارساتها القمعية بعشرات أو مئات الآلاف من أبنائها إلى الفرار، ليصبحوا عبئا على دول العالم.

إعلان

المعادلة جدُ صعبة، في حين يظل دور المنظمات الحقوقية الحية في مواجهة الممارسات القمعية للأنظمة هي المرتكز لتخفيف حدة الانتهاكات.

يبدو أن باب مقاومة الاستبداد المغلق منذ سنوات بدأ يُفتح على مصراعيه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان