ثورة 25 يناير من داخل مجلس الأمن القومي الأميركي

هل تشهد مصر موجة ثورية جديدة لإكمال أهداف ثورة 25 يناير - ترشح سليمان يحيي الثورة بمصر - أنس زكي – القاهرة
(الجزيرة)

سمح لي عملي السابق في أحد مراكز الأبحاث الأميركية بواشنطن بالاقتراب من دائرة مسؤولي الشرق الأوسط والملف المصري بمجلس الأمن القومي أثناء عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. وأستطيع الجزم بكل ثقة بأن البيت الأبيض فوجئ بالثورة المصرية عند اندلاعها في الـ25 من يناير/كانون الثاني 2011.

ولم تتبع إدارة أوباما نهجا مخططا متفقا عليه لدى اندلاع ثورات شعبية في دول حليفة، فلم يكن هناك شيء كهذا، واتبع أوباما مبدأ الانتظار والترقب (Wait & See) قبل التسرع بإعلان موقف واضح من ثورة الشعب المصري، تبعت ذلك محاولات أميركية للبحث عن تقليل أي أضرار نتيجة التغيير المنتظر، وتطور الموقف داخل أروقة وغرف مجلس الأمن القومي المعاون للرئيس أوباما ببطء وعلى سبيل رد الفعل على تطورات الأوضاع داخل شوارع وميادين مصر.

وبداية في ظل الغموض إزاء ما يجري بمصر في ساعات الثورة الأولى، تم تأكيد الثقة في نظام مبارك، وامتد ذلك الموقف إلى الأيام الأولى للثورة المصرية. جاء ذلك بوضوح على لسان كل من وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ونائب الرئيس السابق جو بايدن، عندما أشارا إلى المطالبة فقط بتبني إصلاحات حقيقية في مرحلة لاحقة.

وعملت واشنطن على ضمان عدم إسقاط النظام المصرى كله، وقبلت بل شجعت صيغة "orderly transition" (انتقال منظم للسلطة) يسمح بتولي نائب الرئيس اللواء عمر سليمان زمام الأمور في مصر، ومنع حدوث تغير حقيقي في السياسات المصرية في الملفات المهمة لواشنطن مثل العلاقات مع إسرائيل، والتعاون الأمني والاستخباراتي، والموقف من تنظيم حماس وحزب الله والعلاقات مع إيران.

ورغم أن ثورة مصر ركزت جهودها بداية على القضايا الداخلية خاصة تلك المتعلقة بالحريات والحقوق الديمقراطية، ولم يكن لإسرائيل أو للصراع العربى الإسرائيلى مكانة تذكر في نداءات المتظاهرين فى مختلف ميادين مصر، فإن إسرائيل كانت حاضرة بشدة في مختلف مناقشات تطورات ثورة مصر في واشنطن.

وبدأت واشنطن بطرح أسئلة على نفسها؛ منها: كيف يمكن لواشنطن أن تتعامل مع قوى إسلامية قد تمنحها الثورة الحكم؟ وكيف لها التعامل مع قيادة جديدة ربما قد تناصب إسرائيل العداء؟ وهل تستمر فى تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لمصر حتى لو جاء رئيس يهدد اتفاقية السلام مع إسرائيل؟

ومثّل وجود وفد عسكري كبير بقيادة اللواء سامى عنان، رئيس هيئة الأركان المصرية السابق، في واشنطن مع حدوث إرهاصات الثورة، وبقائه أياما عدة، فرصة لإدارة أوباما للتواصل مباشرة مع الجيش المصري، وللتأكيد لقادته ضرورة عدم اللجوء إلى العنف ضد المتظاهرين تحت أي ظرف.

وتحت ضغط المتظاهرين لم يكن أمام قيادة الجيش إلا إبلاغ الرئيس مبارك ضرورة التنحي فورا، وهو ما حدث يوم 11 فبراير/شباط.

وأثناء الأيام الـ18 للثورة انقسم فريق إدارة أزمة مصر داخل البيت الأبيض الذي كان يبحث المستجدات لحظة بلحظة إلى فريقين، كان بينهما إضافة إلى المواقف المتعارضة فجوة جلية واضحة. فالفريق الأصغر سنا تكوّن بصورة رئيسة من دينيس ماكدو من مواليد 1969، وهو نائب مستشار الأمن القومي قبل أن يصبح كبير موظفي البيت الأبيض، والسيدة سامنتا باور من مواليد 1970، الأكاديمية البارزة بجامعه هارفارد ولها كتب مهمةعن جرائم الإبادة الجماعية، وعملت مستشارة لأوباما لشؤون حقوق الإنسان، وسفيرة لاحقا بالأمم المتحدة،  والأكاديمي البارز في قضايا التحول الديمقراطى مايكل ماكفولن وهو من مواليد 1963، وشغل لاحقا منصب السفير في موسكو، وأخيرا أصغرهم جميعا بن رودس من مواليد 1978، وهو خريج جامعة جورج تاون، وعمل مستشارا للشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي، ويعد أقرب المساعدين إلى قلب وعقل الرئيس أوباما.

الفريق الأكبر سنّا كان أكثر محافظة في تفكيره نتيجة سنوات خدمتهم الطويلة داخل أروقة الحكومة الأميركية وتأثرهم بالتقاليد البيروقراطية المحافظة في الشأن السياسي. وكان أبرز وجوه هذا الفريق وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون وهي من مواليد 1947، إضافة إلى وزير الدفاع روبرت غيتس وهو من مواليد 1943، ونائب الرئيس جو بايدن المولود عام 1942، ومستشار الأمن القومي توماس دونيلون المولود عام 1955، ودينيس روس مسؤول ملف الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي وهو من مواليد 1948.

ورأى فريق الشباب أن ما يحدث هو ثورة حقيقية وطالبوا بدعم فتيانها، أما فريق المسنّين فقد طالب بالتلكؤ، وعدم التخلي عن الحليف حسني مبارك، إلا أن كلا الفريقين اتفق على شيء واحد، وهو أن عملية الانتقال الديمقراطي ليست أمرا سهلا وستأخذ سنوات عدة، وسيتخللها كثير من الفوضى.

وكان صوتا بايدن وكلينتون هما الأعلى بين أفراد فريقهما المحافظ، محذّرين من أن البديل الوحيد لنظام مبارك هو حكم الإسلاميين. وجمع تاريخ طويل من المعرفة بين مبارك من جانب وكلينتون وبايدن من جانب أخر، وقدّر الاثنان صدق ودقة الرئيس السابق حسني مبارك فى إنذاره المتكرر للإدارات الأميركية من أن البديل الوحيد لنظامه غير الديمقراطي هو حكم القوى الإسلامية بقيادة جماعة الإخوان المسلمين حال السماح بانتخابات حرة بالمعايير الأميركية.

وأثناء زيارة لها إلى القاهرة بعد انتخاب الرئيس السابق محمد مرسي رئيسا لمصر، قالت كلينتون -للراديو القومي الأميركي- إنها تعتقد أن الولايات المتحدة سيكون لها "شكل مختلف من النفوذ في مصر، إذ إننا نتعامل الآن مع ديمقراطية آخذة في التطور". وذكرت كلينتون أنها تعتقد أن هناك قرارات في سياسة مصر الخارجية الجديدة ستكون مختلفة عما كانت عليه أيام نظام حكم الرئيس السابق حسني مبارك.

وتحت ضغط المتظاهرين لم يكن أمام قيادة الجيش إلا إبلاغ الرئيس مبارك ضرورة التنحي فورا، وهو ما حدث يوم 11 فبراير/شباط.

ولم تملك واشنطن إلا مباركة ما حدث في مصر، والتعامل مع واقع جديد، هو السيناريو الحاكم لواشنطن في تناولها مع الملف المصري في العقد الأخير.

إن واقعية واشنطن وسعيها إلى تحقيق مصالحها يجعلانها تحتفظ بعلاقات قوية مع من يحكم مصر، فهي تعاملت مع مبارك الدكتاتور، ومع المجلس العسكري، ثم مع الرئيس مرسي الإسلامي، ومع الرئيس عبد الفتاح السيسي بطرق لم تتغير فى جوهرها.

واليوم ستتعامل واشنطن الجديدة تحت رئاسة بايدن بطرق لا تخدم إلا مصالحها وبصورة لا تختلف كثيرا عما حدث ويحدث منذ ثورة 25 يناير/كانون الثاني وحتى الآن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.