الانتخابات الأميركية والدروس المستفادة

US President Donald Trump in Erie
(وكالة الأناضول)

في الليلة، التي تابع العالم كله فيها المشهد الهمجي لأنصار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وهم يقتحمون مبنى الكونغرس على ممثلي الشعب، عابثين بمحتوياته التي ترمز ربما إلى تاريخ أكبر وأعرق ديمقراطية يتغنى الداعون إلى قيم الحرية والمساوة بها.

قفز إلى ذهني -كواحد من الأجيال الذين تربوا؛ بل وصُنعوا في الربيع العربي- المشاهد العبثية التي حرضت عليها "جبهة الإنقاذ وباقي نظام المخلوع مبارك" إبان فترة حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، رحمه الله، حين حاولوا القفز على بوابة القصر الرئاسي، في مشهد يكاد يكون متشابها لدرجة التطابق مع ما حدث في الكونغرس الأميركي؛ ولأن المرء في مثل هذه الحالات يكون أسير المقارنات، فما خلّفه ترامب من محاولات باءت بالفشل في زعزعة النظام الديمقراطي الأميركي نجح فيه الساسة المصريون ومعهم العسكر؛ لأسباب قد يكون أهمها حداثة التجربة المصرية، بينما النظام الأميركي راسخ منذ عشرات السنين، وهو الذي صمد لهذه المحاولة "الترامبية"، بينما لم ينجح في ذلك النظام الديمقراطي المصري الوليد آنذاك.

هذا التدافع السياسي ،الذي انتهى بانتزاع الرئاسة من داعم كل الدكتاتوريات في العالم عن طريق الانتخابات ومن خلال صناديق الاقتراع، لطالما نادى به أول رئيس مدني منتخب في مصر، من خلال انتخابات يقول فيها الشعب كلمته بإشراف قضائي وبحراسة عسكرية تؤمّن الشكل فقط، فما كان من الجنرالات سوى أن أخذوا رأس السلطة القضائية، ونصبوه رئيسا "صوريا" لمدة انتقالية؛ لترتيب الأمر للجنرال الذي سيفد لكرسي الحكم بعد قليل، ممسكا الحكم بالحديد والنار، الأمر الذي حاوله ترامب ففشل فشلا ذريعا، حتى أن قضاة عينهم في المحكمة الدستورية لم يقبلوا مجرد طعنه في نتيجة انتخابات بعض الولايات، ورفضوا النظر في القضايا منتصرين للدولة والنظام، لا لشخص حتى ولو كان هو من عينهم.

ذهب ترامب وذهبت معه أيام كانت عصيبة على الولايات المتحدة الأميركية؛ لكن انقلابا وقع في بلادنا منذ 7 سنين عجاف ما يزال قابعا على صدور ملايين من المصريين، يحلمون بتكرار هذه اللحظة التي توافينا ذكراها العاشرة مجددة الأمل فينا

إن الجرائم السياسية التي ارتكبت في بلادنا منذ انقلاب 3 يوليو/تموز كثيرة جدا، وليس أقلها تدوير القضاة في مناصب تشريعية كمكافآت لهم على أحكام سياسية أصدروها، فالبرلمان المصري بغرفتيه، يرأسه الآن رئيسان سابقان للمحكمة الدستورية العليا؛ المستشار حنفي جبالي، رئيسا لمجلس النواب، والمستشار عبد الوهاب عبد الرازق، رئيسا لمجلس الشيوخ، أحدهما حكم بأحقية السعودية بجزيرتي تيران وصنافير المصريتين، وآخر قام بحل مجلس الشعب عام 2012، الذي انتخبه أكثر من 30 مليون مصري، بالاتفاق مع الإرادة العسكرية آنذاك، بينما لم يحدث ذلك من قضاة عينهم "ترامب" كما أسلفنا.

هذا الانقسام الذي شهده المجتمع الأميركي تم حسمه بانتخابات رئاسية عبر فيها الشعب عن رأيه، ربما لو أتيحت للشعب المصري مثل هذه الفرصة لكان الحال أفضل بكثير من وصول "دكتاتور ترامب المفضل"، الذي دخل إلى القصر، وأقسم على منع وتجريف الحياة السياسية من كل رموزها، حتى أولئك الذين أوصلوه بتعجلهم لكرسي الرئاسة، لم يبق منهم أحد ليس في السجن أو أسير صمته لا يستطيع أن يتفوه بكلمة، وأصبحت الكلمة التي لاكتها الألسنة طيلة الفترة التي مارسنا فيها السياسة بحرية "ميدان التحرير موجود" موجبة للسجن.

 

ذهب ترامب وذهبت معه أيام كانت عصيبة على الولايات المتحدة الأميركية؛ لكن انقلابا وقع في بلادنا منذ 7 سنين عجاف ما يزال قابعا على صدور ملايين من المصريين، يحلمون بتكرار هذه اللحظة التي توافينا ذكراها العاشرة مجددة الأمل فينا، والتي أطاحت بدكتاتور عسكري سابق رغم بقائه جاثيا على صدرونا 30 خريفا، إلا أن الشعب تمكن من إسقاطه ذات ربيع، لعله يتكرر مع دكتاتور أشد منه وطأة، وأفسد سياسة، وأظلم حكما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.